لا تخافوا ولا تنزعجوا

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

12/2/2012

جريدة الأهرام

 

 

        دعاني إلى الكتابة في هذا الموضوع، أني رأيت كثيرين خائفين، بل أرى البعض منهم مُرتعبين. وكثيراً من الصحف، بما تنشره من موضوعات مثيرة، ومن صور مثيرة أيضاً، تبث الخوف في قلوب قُرَّائها. مثال ذلك عبارة مثل: " مصر تحترق " ... أو قولهم: " حرقوا مصر، واضاعوا الثورة!! " ... أو عبارة: " تدمير الدولة وإسقاطها " ... أو عبارة: " ضاعت البلاد وتحولت إلى خرابة!! "، كلها عبارات صعبة غير مقبولة. لست أدري كيف دار معناها في ذهن ذلك الصحفي وهو يكتبها!

«« وإلى جوار هذا كله، الدخول في تفاصيل مزعجة، تسندها أيضاً صور مثيرة، وعنوانين من نفس النوع ... أي موضوعات تثير الخوف أو الحزن أو كليهما ... مثل ما ينشرونه عن محاولات لإسقاط الدولة ... والدخول في أحداث صعبة مثل: سرقة بنوك وسيارات، ونهب بعض المحلات التجارية، مع عديد من حوادث الخطف وطلب الدِّيَّة، اقتحام أقسام الشرطة والسجون، وتكرُّر أحداث السرقة والنهب ... وحوادث كرة القدم، وأعداد القتلى والمُصابين.

«« ويدخل هؤلاء الصحفيون أيضاً في موضوعات سياسية، لا ينتهون منها إلاَّ إلى البلبلة، ومن غير حَلٍّ! ... وبغير حَلٍّ!! مثل سؤال البعض منهم: متى تُسلَّم السُلطة؟! وأيضاً لِمَن؟ مع كلام طويل عن المُخربين، ومُثيري الفتنة، وعن الانقسام وأنواعه، وعن المظاهرات والمليونيات، وعن مشكلة النقد الأجنبي، ومشكلة القروض، والعلاقة مع سائر الدول، مِمَّا يحتاج إلى آراء المتخصصين.

        وكل هذا وأمثاله قد يُزعج القارئ العادي، ولا ينتفع منه بشيء! ... ولهذا رأيت أن أكتب لكم: لا خافوا ولا تنزعجوا

«   «   «

        إن الخوف يا اخوتي شيء جديد على البشرية. منذ خلق اللَّه الإنسان، لم يكن الإنسان يخاف. ولم يعرف الخوف إلاَّ بعد الخطية، وبعد مقتل هابيل البار.

        ثم تدخَّل الشيطان. فجعله يخاف من الموت: يخاف من الموت ومن كل ما يوصِّل إليه: فيخاف من الأمراض، وبخاصة من الأمراض الثقيلة الموصلة إلى الموت، ثم من المتاعب والضيقات.

«« إن الحياة فيها الحلو والمرّ. فإن ركَّز الإنسان على المرِّ، حينئذ سيتعب منه ثم يخاف. ويخاف من كل ما هو مُرّ، أو ما يراه هو مُرَّاً. وبالتالي من الأحداث التي يراها مُتعبة، أو من الأحداث التي يتصوَّر أنها ستحدث وهى مُتعِبة. ومن المشاكل التي قد تحدث، وليست لها حلول في ذهنه. وهكذا، شيئاً فشيئاً يبدأ الخوف يستقر في نفسه. ويخاف من المجهول.

«« إذا كان الطفل الصغير يخاف إذا ما جلس وحده، إذ ليس ثانٍ ليؤنسه ويعينه، فماذا إذن عن الكبار وأصحاب الفكر الكبير؟!

«« الذي لا يخاف، يلزمه أن تكون له شخصية قوية من النوع الذي لا يهتز بسرعة ولا يضطرب بسرعة، إنما يسلُك بهدوء فكراً وعملاً. ويلزمه أيضاً أن تكون له أعصاب هادئة، فالإنسان الغضوب ما أسهل أن يخاف. أقصد أن يخاف من نفسه، إذ هو سريع السقوط، وسقوطه يخيفه.

«« يخاف الإنسان إذا ما ساءت سمعته. فسُمعته أمام الناس، هى ميزان شخصيته وقدر مكانته وقدره في نظرهم. وهذا الخوف هو خوف ذاتي، وإن كانت له أسباب خارجية هى وسائل حفظ السُّمعة سليمة بعيدة كل البُعد عن الرياء والمظاهر الخارجية.

        وتنضم إلى هذه النقطة، حفظ الإنسان لسُمعة بيته وأولاده. فإن ما يمسهم يمسه هو بلا شكّ.

«« يوجد من الخوف نوعان: نوع نافع هو الخوف من السقوط، والخوف من جرح مشاعر الآخرين. وكلاهما للخير، ونتائجها طيبة. أمَّا الخوف الضار فهو النابع من ضعف في الشخصية. فهو لا ينفع صاحبه وهو لا ينفع غيره.

«« فوق كل نوع من أنواع الخوف، توجد مخافة اللَّه وبها يخاف الإنسان أن يكسر وصاياه، أو يعصى أي أمر من أوامره، أو أن يبعد عن الحياة معه، أو أن ينفصل عن بيته المقدس. وفي مخافته للَّه، يحب حياة البِرِّ والتقوى.

        وأحياناً عبارة: " إنسان يخاف اللَّه " تحمل أسمى ما يُمكن أن يُنسب إليه من الفضيلة، وتدعو إلى الإطمئنان إليه.

«« على أن مخافة اللَّه هى بالضرورة أيضاً خطوة هامة توصِّل إلى محبته. فالذي يخاف اللَّه، لابد أنه سيسلُك في وصاياه. فإذا ما سلك فيها، يحبها. وبالتالي يحب اللَّه مُعطيها. وأيضاً يحب اللَّه في محبته لهذه الحياة صار أنقى وأفضل. وتلقائياً يجد نفسه قد انتقل من مخافة اللَّه إلى محبة اللَّه.

«« أمَّا عبارة: " لا تنزعجوا " فتعني لا تفقدوا سلامكم الداخلي الذي هو هام لكم، وهام أيضاً في تعاملكم مع الناس. وهام أيضاً في مظهركم الخارجي وتقدير الناس لكم ... والشخص المُنزعج لا يعرف أن يتصرَّف حسناً في أي أمر من الأمور، إلاَّ لو تخلَّص أولاً من هذا الإنزعاج، وعاد إلى الهدوء الطبيعي. ومن هنا يبدأ...

«« وعدم الإنزعاج هو الحالة الطبيعية للحياة العامة. ففي كل مناحي الحياة: في الاقتصاد، في التعليم، في الحياة العامة، في التعامل مع الآخرين، لابد أن يكون الإنسان هادئاً غير منفعل، لكي يكون مقبولاً من غيره، ولكي يصل إلى نتيجة سالمة.

«« أمّا من جهة المشاكل والمتاعب التي وردت في مقدمة هذا المقال، فإن لكل مشكلة حَلّ أو جُملة حلول. لأنك أنت شخصياً لا يُمكنك التحرك في كل المجالات، وفي كل التخصصات. إنما اعمل في ما تستطيعه على قدر الإمكانيات التي وهبك اللَّه إيَّاها.

«« وأيضاً اعتمد على اللَّه وعلى نعمته وقدرته في كل ما يُقابلك من مشاكل ومن أسئلة صعبة.

        وأيضاً اعرف أن لكل مشكلة مدى زمنياً لكي يُمكن حلَّها فيه. فلا تنظر إلى مشكلة وتظن أنها لابد أن تُحلَّ الآن! هذا كلام غير طبيعي. وعلى رأي المثل: إن اللَّه لم يخلق العالم في يوم واحد.

        أعود مرَّة أخرى وأقول: لا تخافوا ولا تنزعجوا.