الحق كل الحق

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

1/5/2011

جريدة الأهرام

 

 

        كلنا نحب الحق، ونؤمن بأهميته. والحق اسم من أسماء اللَّه في الإسلام والمسيحية. وميزان الحق هو الذى سنُحاسب به في اليوم الأخير. لذلك ينبغي أن نضع الحق أمام أعيننا.

«« والحق هو الذى تحكم به المحاكم الأرضية. وعندما يقف الشاهد أمام القاضي، لابد – قبل سماع شهادته – أن يقسم باللَّه العظيم "أن يقول الحق، كل الحق، ولا شئ غير الحق". ذلك لأنه إن أخفى شيئاً، قد يؤثر هذا على حقيقة الأمور وعلى سير القضية.

         وقد يأتى شخص إلى القاضي ويشكو إليه أن فلاناً قد اعتدى عليه. بينما يكون هو الذى سبق بالإعتداء! وما حدث له كان مجرد دفاع عن النفس من الذى يتهمه بأنه اعتدى عليه.

        إذن من يطالب بالحق، لابد أن تكون مطالبته حقاً في ذاتها.

«« وما دمنا نتكلم عن الحق، فإننا نقول أن ضد الحق، هو الباطل. وإن كانت كلمة الحق تعنى أحياناً الصدق، فيكون ما ضد الحق، هو الكذب. فالكاذب لا يقول الحق. وقد تدخل في ذلك أيضاً المبالغة، وربما بعض الألفاظ التى تقال على سبيل الفكاهة وهى ليست حقاً. ومن ضمنها ما تسمى بكذبة أبريل، وليس من حق أحد أن يكذب في أبريل (والحمد للَّه أن ابريل هذا العام قد انتهى دون أن نسمع عن كذبته). ومما هو ضد الحق أيضاً الظلم. ومنه كذلك الإتهام الباطل، والتشهير الظالم بالآخرين. لذلك فلعلنا ننظر في مبنى المحاكم صورة الميزان. وهى تعنى إعطاء كل ذى حق حقه، بغير زيادة ولا نقصان، بل بالعدل.

«« ونعنى بمن له الحق: حق اللَّه، وحق الناس، وحقك أنت. أما حق اللَّه، فهو أن تعبده وحده، ولا تعبد سواه. كذلك من حقه أن تطيعه وتحفظ جميع وصاياه. فراجع نفسك إذن: هل أنت مُقصّر في أى حق من حقوق اللَّه عليك؟.

        أما من جهة الناس، فعليك أن تأخذ حق اللَّه من نفسك، قبل أن تأخذه من الآخرين. ولا تطالب أحداً بشئ، مما لا تطالب به نفسك. ولا تنتقد أحداً على شئ أنت واقع فيه. فليس من حقك أن تفعل ذلك. وكما يقول المثل "من كان بيته من زجاج، لا يقذف الناس بالحجارة".

        وأيضاً من حق الناس عليك، أنك لا تجعل راحتك على تعب الآخرين. بل بالحرى تتعب لكى تريحهم.

«« نقطة أخرى تلزم أن نقولها في موضوع الحق: وهى أخطاء البعض في الدفاع عن الحق! أقول هذا لأنه قد كثرت جداً في أيامنا هذه كثرة التشهير بالآخرين، وإلصاق العيوب العديدة بالكثيرين. وقد اتسعت دائرة الإتهام والتشهير، حتى أنه قد انتهى تماماً زمن الناس الأفاضل، ولم يعد في البلد أحد نقى أو مستقيم!! وأصبحت عبارة الفساد من أشهر العبارات المتداولة، على ألسنة الناس وفي صفحات الجرائد. وازدادت عصبية الناس في تداول الإتهام حتى اتهموا الزمن نفسه. وكما يقول الشاعر:

 

نعيب زماننا والعيب فينا

***

 

 

 

وما لزماننا عيب سوانا


 

 «« من الناحية الإيجابية، أقول أن الذى يسير في طريق الحق، عليه أن يعطى كل ذى حق حقه: فمن حق الإنسان الفاضل أن تمدحه، وتعطيه قدره. وهكذا فإن بعض الهيئات كانت تكرم من يستحقون التكريم. كما أن رؤساء الدول كانوا يمنحون النياشين والأوسمة لكبار القوم. وكذلك الهيئات العلمية تمنح شهادات للعلماء.

«« وإن كان من حق الأفاضل والكبار أن يُكرّموا، فكذلك من حق الفقير أن يعيش وبخاصة في وقت ارتفعت فيه الأسعار بدرجة لا تحتملها المرتبات. وأصبحت هناك درجات لمن هم في مستوى الفقر، ومن هم تحت مستوى الفقر. هناك المحتاج والمعوز. وإن كنا نسمع عن متاعب محدودى الدخل، فأكثر منهم من نسميهم معدومى الدخل، الذين لا ايراد لهم، ومنهم الذين يشكون من البطالة. ومن حق كل هؤلاء أن يعيشوا. نضيف أيضاً أولاد الشوارع، وجميع أنواع المعوقين.

        وأيضاً المرضى الذين لا يجدون ثمن الدواء، والذين يحتاجون إلى عمليات جراحية لا يقدرون إطلاقاً على تكاليفها. فهل يُتركون للموت؟! أم من حقهم أن يعيشوا.

«« هنا وأقول: من حق الإنسان الحياة. ومن حقه أن يحيا حياة كريمة. ومن حقه التعبير عن رأيه بطريقة لائقة. ومن حق الإنسان الحرية ما دام لا يرتكب جريمة. وبحيث أنه في حريته لا يعتدى على حريات الآخرين أو حقوقهم. وأيضاً من حقه المساواة بغيره في حدود تساوى المواهب. هناك أيضاً حرية الاجتماع وهى حق بحيث لا يكون الإجتماع لغرض خاطئ. ومن حق الإنسان أيضاً الدفاع عن النفس.

        وما اكثر ما قامت هيئات للدفاع عن حقوق الإنسان. بل قد صدر أيضاً الميثاق الدولى لحقوق الإنسان. وقد راعينا فيما ذكرناه أنها ليست حقوقاً مطلقة، بقدر ما هى مرتبطة بالخير. ونذكر كذلك أن كثيراً من الحقوق مرتبطة بواجبات.