طُرق لمُعالجة الغضب الخاطئ

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

18/9/2011

جريدة الأهرام

 

 

        ليس كل غضب خطأً أو خطيئة. إنما الغضب الخاطئ هو الغضب المنفعل الذي تسيطر عليه الأعصاب ويتحوَّل إلى نرفزة، ويكون لأسباب ذاتية غير روحية، وبأسلوب غير روحي.

        ومن ضمن الطُرق التي يُعالج بها هذا الغضب:

«« الإبطاء في الغضب: فالغضب هو حركة سريعة، تُثار فتندفع. والإبطاء يمنعها. فالإبطاء في الغضب يُعطي فرصة للتحقق، ولتهدئة النفس من الداخل، والتَّحكُّم في الأعصاب وفي اللسان. وقد قال سليمان الحكيم: " لا تسرع بروحك إلى الغضب، لأن الغضب يستقر في حضن الجهَّال ". وهذه الجهالة واقع عملي. فكثيراً ما نرى أشخاصاً يغضبون بسرعة. ثم يرجعون ويندمون على كل ما فعلوه، ويرونه إندفاعاً غير حكيم، ينقصه التروِّي والفحص. ويقول الواحد منهم عن خطئه: ( لم أكن وقتها في عقلي ). ونلاحظ أن الإبطاء في الغضب يكون مقترناً بصفات الرحمة والرأفة والمغفرة.

        لاشكَّ أن الشخص بطيء الغضب هو إنسان كثير الفهم: يفهم مضار الغضب ونتائجه السيئة. ويفهم أنه لا يصنع برَّاً، ولا يُقيم سلاماً مع الناس بل قد يضر الشخص الغضوب صحياً ونفسياً وروحياً. ويوقعه في خطايا كثيرة، ويجعله عثرة للناس.

        والمعروف أن الإبطاء في الغضب يمكن أن يمنعه أو يصرفه. لأنه يجعل الإنسان يجتاز مرحلة الإنفعال، ويدخل في دائرة التعقُّل وأيضاً الصبر. وبهذا قد يتبدد الدافع إلى الغضب. ورُبَّما يسبب هذا الإبطاء هدوء الطرف الآخر ويبطل إثارته.

«« آفة الغضب هى السرعة، والتَّصرُّف بإندفاع وبدون تفكير. فلو أنك أبطأت، وبدأت تُفكِّر، ولم تترك نفسك فريسة للإندفاع، فلابد أنك ستستطيع أن تهدئ نفسك، وتحتفظ بأعصابك. لذلك قبل أن تلفظ كلمة في غضبك، فكَّر في نتائجها. والمعروف أن الكلمات في حالة الغضب ( أي النرفزة ) تخرج بلا ضابط. وكثيراً ما تكون كلمات خاطئة جداً، وتُسبِّب مشاكل. كما تكون موضع نقد. أمَّا أنت فلا تندفع بالكلام. وتباطئ حيثما تفهم جيداً ماذا ينبغي أن تفعل. وهكذا يكون الإبطاء في الغضب يحمل فضيلة ضبط النفس.

«« وإن لم تعرف كيف تتصرَّف، اسكت. فالسكوت في حالة الغضب فضيلة. لأن تبادل الكلمات الشديدة يزيد الغضب بين الطرفين. والكلمة الإنفعالية التي هى نتيجة لإساءة سابقة، تصبح مُبرِّراً لإهانة لاحقة. وتزيد الجو توتراً. على أن هناك وسيلة تصلح أكثر من السكوت، وهى الجواب اللين.

«« قال سليمان الحكيم: " الجواب اللين يصرف الغضب. والكلام الموجع يهيِّج السخط ". فإذا احتدم الغضب، فإنه لا يُعالج بالكلمات الموجعة. ذلك لأن النار لا تطفئ ناراً، ولكن يطفئها الماء. وهكذا تكون الكلمة اللطيفة أقدر على إطفاء النار.

        ربما يكون الجواب اللين، في كلمة فكاهة أحياناً. حيث تبسط جواً من المرح يزول فيه الغضب. ولكن لابد أن يكون ذلك بروح مودة، لئلا ضحكك يثير الطرف الآخر. والعجيب أن كثيراً من المتدينين المتشددين تنقصهم البشاشة أحياناً. ولذلك ترى وجوههم جادة باستمرار، وملامحهم صارمة عابثة. فإن صادفتهم مشكلة غضب، يزيدونها حدة بهذه الجدية فتشعل. بينما يكون الحل في إبتسامة لطيفة وكلمة رقيقة.

«« لذلك كثيراً ما تكون البشاشة علاجاً للغضب. والشخص البشوش يستطيع أن يستوعب الموقف في لُطف. ويرد بملامحه المنبسطة المريحة وبوجه مبتسم. وقد يكون الجواب اللين هو كلمة اتضاع. سرعان ما يتلاشى معها غضب الطرف الآخر، ولا يجد أمامه شيئاً يقوله.

«« على أنه لا يصلح أسلوب واحد للتهدئة مع جميع الغضوبين. فمع إنسان قد يصلح السكوت، إن كانت كل كلمة يمكن أن تثيره بالأكثر. ومع آخر رُبَّما يثيره صمتك، ويحتاج إلى كلمة تهدئة. والأمر يحتاج إلى حكمة: متى تتكلَّم؟ ومتى تصمت؟ انظر إلى الشخص الذي أمامك: ماذا يريحه ويُهدِّئهُ؟

«« وفي علاج نفسك من الغضب الخاطئ، تذكَّر نتائج الغضب السيئة. ولعلَّ من أهم هذه النتائج: هزيمة الإنسان من الداخل، وعثرته للناس في الخارج، وخسارته للآخرين، بل خسارته أيضاً في صحته وروحياته وأبديته. مع تعقد الأمور بالأكثر نتيجة للغضب الخاطئ. فإن اقتنع الإنسان بأن الغضب سيضره من نواحي مُتعدِّدة، حينئذ يجد دافعاً في داخله يمنعه من الغضب أو من إكماله.

«« وفي كل مرحلة تصل إليها في غضبك، احترس من التدرُّج إلى ما هو أسوأ: فإن دخل الغضب إلى فكرك، احترس من أن يصل إلى قلبك، ويربك مشاعرك ضد غيرك. وإن وصل إلى قلبك احترس من أن يصل إلى ملامحك، فيكفهر وجهك وتظهر بأسلوب غير مُشرِّف. وإن ساد الغضب على ملامحك، احترس من أن يسود على لسانك. فتتلفَّظ بألفاظ قاسية. وإن أدرك الغضب لسانك، اجعله أن يقف عند حد من أخطاء اللسان فهى متعدِّدة. وإن سقطت في أخطاء اللسان، احترس من أن يصل الغضب إلى يدك. فتقع في الإيذاء والإعتداء. وإن وصلت إلى ذلك احترس من القسوة بكل أنواعها. ضع للغضب حدوداً في كل مرحلة. ولا تجعله يصل إلى مستوى الحقد والكراهية.

        على أننا في كل هذا لم نستوفِ الموضوع حقه. ورُبَّما نحتاج إلى تكملته في مقال آخر.