الفرح: أصله وأنواعه

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

4/9/2011

جريدة الأهرام

 

 

        يسرني أن أهنئ أخوتي المسلمين في أرجاء العالم كله بعيد الفطر المبارك. كما أهنئ أيضاً زملائي أعضاء أسرة تحرير جريدة الأهرام الغراء، راجياً للكل من اللَّه ملء الفرح والبهجة.

        وبهذه المناسبة، أود أن أُحدِّثكم في هذا المقال عن الفرح، وتاريخه مع البشر، وأنواعه ومجالاته...

«« الفرح هو العطية التى منحها اللَّه للبشرية منذ البدء. فقد خلق اللَّه الإنسان الأول، ووضعه في جنة، أعني جنة عدن. بكل ما في الجنة من أزهار وثمار وأشجار، ومن طيور مغردة، ومن مناظر مبهجة. وأيضاً ما فيها من هدوء وسلام. وهكذا عاش أبوانا الأولان ( آدم وحواء ) في حياة من الفرح والسعادة، قبل السقوط. لم تكن كلمة الضيقة أو كلمة الحزن معروفة إطلاقاً في الجنة في ذلك الزمان.

«« وكما منح اللَّه الفرح للبشرية منذ خلقها، كذلك وعدها بالفرح العظيم في العالم الآخر، بعد الموت والقيامة، هذا المُسمَّى بالنعيم الأبدي. وما يقول عنه الكتاب المقدس: " ما لم تره عين، ولم تسمع به أُذُن، وما لم يخطر على قلب بشر، ما أعدَّه اللَّه للذين يحبونه ". أي فرح أعظم من هذا الذي أعدَّه اللَّه للبشر في الأبدية؟! إنه فرح لا تستطيع اللغة أن تعبِّر عنه بألفاظها المحدودة...

«« وكما أراد اللَّه الفرح للبشر منذ البداية، وفي النهاية، كذلك جعل لهم في حياتهم الأرضية أعياداً يفرحون فيها ويبتهجون ... ونحن نضيف إلى كل ذلك أعياداً من عندنا ومناسبات للفرح.

«« لعلَّ في مقدمتها أعيادنا الوطنية: من تذكار ثورات، وتذكار حروب انتصرنا فيها. وأيضاً أعياد لأبطال وشهداء لا يمكننا أن ننساهم، ولذلك أقمنا لبعضهم تماثيل لتخليد أسمائهم. وفي خلال تلك الأعياد الوطنية، ننشد أناشيد مفرحة. وما أكثر هذه المناسبات الوطنية في بلادنا المحبوبة.

«« بالإضافة إلى هذا لدينا أعياد أخرى لعديد من الشخصيات الدينية: مثال ذلك أعياد للسيد البدوي، وللسيدين الحَسن والحُسين عند المسلمين، وأعياد أخرى للسيدة العذراء، ومارجرجس عند الأقباط. وأعياد أخرى لكثير من الأولياء والأبرار والقديسين. وكلها أيام فرح وبهجة فيها أناشيد دينية، وحفلات...

«« والفرح في كل تلك المناسبات هو فرح طاهر له قدسيته. ولا يمكن أن تكون فيه أخطاء، كما كان يُنسب إلى بعض الموالد قديماً، وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي عن زجاجة الخمر:

 

رَمَضانُ وَلّى هاتِها يا ساقي

...

مُشتاقَةً تَسعى إِلى مُشتاقِ

 

        نقول هذا، لأنه لا يجوز أن الفضائل التي اقتناها الصائم أثناء الصوم، من بِرٍّ، ومن ضبط للنفس، يفقدها حينما يفطر، حينما ينغمس البعض في حياة اللهو والعبث!!

«« إن الأطفال يفرحون يوم العيد بالملابس الجديدة، أو بالمفرقعات الصغيرة من البُمب والصواريخ، وأيضاً بالعرائس وفوانيس رمضان، وما إلى ذلك ... أمَّا الكبار فلهم أفراح أخرى... صدقوني إن أعمق ما يفرح به الكبير هو حياة التوبة، والتخلُّص من العادات الخاطئة... مثال ذلك شخص كان يدمن التدخين، ثم استطاع أخيراً أن يتخلَّص من سيطرة السيجارة عليه... أي فرح حقيقي يكون لمثل هذا الشخص!!

        وبالمثل يكون الفرح بكل ما ينتصر عليه الإنسان من أيَّة شهوة خاطئة. كما قال ذلك الأديب الحكيم: " افرحوا لا لشهوة نلتموها، بل لشهوة أذللتموها "...

«« حقاً إن اللَّه رقيب على أفراحنا؟، يرى كل ما يحدث فيها، ويحكم عليها، بالبِرِّ أو بالإثم...

        ولعلَّ من أبشع أنواع الفرح، هو الفرح بالشماتة وهلاك الغير. وفي ذلك قال سليمان الحكيم: " لا تفرح بسقطة عدوك، ولا يبتهج قلبك إذا عثر... لئلا يغضب اللَّه منك ". إذن لا يليق بك أن تفرح إذا وقع خصمك في ضيقة أو في مشكلة...

«« بالإضافة إلى كل ما قلناه، نقول إن لكل شخص أفراحه الخاصة: كأن يفرح مثلاً في عيد ميلاده، أو في عيد زواجه، أو في ميلاد أبنائه ... كما يفرح أيضاً بالتوظُّف وبالترقِّي إلى درجة أعلى... وكل هذا فرح طبيعي...

        ومن الأمور التي تجلب الفرح أيضاً النجاح والتَّفوُّق.

«« على أن من الفضائل المُتعلِّقة بالفرح: المشاركة فيه. أي أن نشارك الناس في أفراحهم، ونفرح معهم في فرحهم. فالإنسان لا يعيش بمفرده في جزيرة نائية لا يتصل فيها بأحد. بل هو يعيش في مجتمع يرتبط فيه الكل بمشاعر واحدة " فرحاً مع الفرحين، وبكاء مع الباكين ". فإن كنت يا أخي لا تستطيع أن تُشارِك الغير فعلياً، بزيارة لهم في أفراحهم، فعلى الأقل بمكالمة تليفونية، أو برقية، أو بباقة ورد.

«« بقى أن أقول لك إنَّ أسمى درجة من الفرح، هى الفرح براحة الضمير. وقد تفرح أنت بما يسعدك، ولكن أعظم من هذا بلا شكّ، أن تفرح بإسعاد الآخرين. أن تفرح برسم ابتسامة على وجه شخص، أو إدخال البهجة في قلب إنسان...

        لذلك كما تفرح في يوم العيد، ليتك تجعل غيرك يفرح معك أيضاً، وبخاصة ما يُدخِل الفرح إلى قلوب المحتاجين والفقراء والمعوزين واليتامى، والذين ليس لهم أحد يذكرهم.

        فليكن كل هؤلاء في ذاكرتك وفي قلبك، وفي أهم الواجب عليك من عمل الخير في يوم العيد...