الأولوية لله

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

3/1/2010

جريدة الأهرام

 

 

        الإنسان الروحى يضع الله الأول فى كل اهتماماته وفى كل عمله ولا يسمح لأية اهتمامات أن تعوقه عن الله ومحبته وتنفيذ وصاياه. بل لا يجعل أية اهتمامات تحظى بالأولوية فى حياته. فهل أنت يا أخى لك اهتمامات أخرى؟ إنه حسب اولوياتك يكون حماسك ويكون عملك وتكون إرادتك.

«« وسأضرب لك مثلاً: حينما تستيقظ من نومك كل يوم: من يكون أول شخص تكلمه؟ وماذا تكون أولى اهتماماتك؟ إن كنت إنساناً روحياً، فسيكون الله هو أول شخص تكلمه فى كل يوم. حيث تبدأ يومك بالصلاة، تشكر الله الذى منحك يوماً جديداً. وتقول له "هب لى يارب فى هذا اليوم أن تفعل ما يرضيك. واعطنى القوة على ذلك وارشدنى طول هذا اليوم". غير أن غالبية الناس لا يفعلون ذلك. بل يقوم الإنسان من نومه ليغسل وجهه، ويفطر، ويعد ملابسه، ويستعد للذهاب إلى عمله كل ذلك دون أن يهتم بأن يبدأ اليوم بالصلاة أو بالقراءة الروحية أو بالتأمل. وحسب اهتمامه يكون تصرفه. والبعض يعتذر أحياناً ويقول "لم يكن لى وقت للصلاة"! وهذا الكلام مرفوض وليس هو عذراً مقبولاً، وليس هو السبب الحقيقى. فلو أن هذا الشخص وضع الصلاة والتأمل فى قمة اهتماماته، لأمكنه أن يجد لها وقتاً.

«« يا أخى ليكن الله هو الأول بالنسبة لك فى كل يوم وفى كل عمل. فلكى يكون الله هو أول من تكلمه فى كل يوم، ليكن أيضاً هو أول من تختم به يومك، فتصلى أيضاً قبل أن تنام لكى يحفظك الله أيضاً فى نومك. وليكن الله أيضاً هو الأول فى كل عمل تعمله. تصلى ليمنحك الله قوة ونعمة ويبارك يومك ويبارك عملك. ويباركك فى دخولك وفى خروجك... فإن وضعت الله فى الأولوية باستمرار، فإنك لن تخطئ إليه. ذلك لأن الله سيكون فوق كل رغباتك العالمية، وفوق كل لذة أرضية. ويكون الله أمامك باستمرار، والعالم خلفك. ذلك لأن الإنسان يخطئ إن لم يكن الله أمامه، ولم يسبق فيتذكره قبل كل سقوط...

«« الوضع الطبيعى فى تقييم كل اهتماماتك هو أن يكون الله أولاً، ثم الناس. وواجباتك الروحية نحوهم، وأخيراً تكون نفسك. وفى العهد القديم كانت هناك وصية هى وصية البكور، فكل ما يصل إلى الإنسان يضع باكورته أى أوله لله سواء كان ذلك من خيرات أرضه، من نتاج غنائمه وبهائمه، ومن ثمار أشجاره بل حتى ابنه البكر كان يهبه لخدمة الله أيضاً. وحينما كان أى شخص يحصد ثمار الأرض، كان يقدم لله أول حزمة من الحصيد. وهكذا كان الله يبارك له فى كل شئ. أما الآن، فما أسهل أن يقدم الموظف أول مرتب له لله وأول علاوة. كما يقدم الحرفيون أول ثمر عمل لهم لله أيضاً فيبارك الله أعمالهم.

«« وما دام محبة الله تكون هى الأولى حتى قبل محبة الابن، فإننا نرى عملاً مثالياً قام به أبونا إبراهيم أبو الآباء والأنبياء، حينما قدم ابنه ذبيحة لله ولم يضع مشاعره القلبية الأبوية عائقاً أمام الوصية الإلهية. فكافأه الله باحِياء ابنه ومباركة نسله. وهكذا نجد الوصية التى تتابعنا وهى تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك. ثم الوصية الثانية التى هى مثلها تحب قريبك كنفسك. وقريبك هنا تعنى كل أخ لك فى الإنسانية أى من نسل آدم وحواء.

«« حتى النفس لا يكون لها الإهتمام الأول قبل الله. نقول هذا لأنه قد يصل اهتمام الإنسان إلى أن يرتبط بغرض ما محوره النفس. ويكون هناك الغرض لاثبات الذات ووجودها، أو لارتفاع الذات بطريقة ما. فى سبيل الوصول إلى هذا الغرض، لا يهتم بالوسيلة ماذا تكون، روحية أو غير روحية. ولا يهمه أن تكون حيلاً بشرية أو عالمية أو طرقاً خاطئة. بل تركيز الاهتمام كله فى الوصول إلى غرض النفس، حتى لو ضيع هذا الإنسان نفسه!! إن الإنسان الروحى يخرج من دائرة الذات لكى يهتم بالآخرين، ويهتم بهم بإسلوب روحى. لأنه بهذا يرضى الله الذى جعله فى مقدمة اهتماماته.

«« ويكون الله أيضاً هو الأول من جهة الطاعة. إذ ينبغى أن يطاع الله أكثر من الناس. وصايا الله أولاً وبعد ذلك كل ما يطلبه الناس. وبعد إذن كل رغباتنا وطلباتنا الخاصة. وكل طاعة للناس نجعلها فى نطاق طاعة الله. أما إن تعارضت معها، فينبغى أن يطاع الله أبونا. حتى القلب لا نطيعه ولا ننقاد لمشاعره. لأن القلب ينبغى أن يكون لله أولاً وقبل كل شئ. فإن خرجت مشاعره عن طاعة الله، فإنها تفقد أهميتها.

«« ينبغى أن يكون الله أولاً فى عناية الأسرة بأطفالها، فالذى نراه الآن، هو أن الأب والأم يجعلون اهتمامهما الأول من جهة تربية أطفالهما ورعاية مستقبلهم... فهم يهتمون بصحة أولادهم، وأكلهم وشربهم ولبسهم، وأيضاً بتعليمهم واعدادهم لوظيفة لائقة، ثم بعد ذلك بتزويجهم. وكل هذا حسن وواجب. ويقول الأب بعد ذلك وتقول الأم أيضاً "أشكرك يارب أننى أديت رسالتى نحو أبنائى. وقد استراح ضميرى من جهتهم". وللأسف لا تضع الأسرة اهتمامها الأول بالتربية الروحية ومصير الأبناء الأبدى!! فلا يعطونهم الغذاء الروحى اليومى، مثلما يعطونهم غذاءهم الجسدى!. وقد يكبر الطفل ويصير مشاكساً ومتعباً لأمه وأبية وهكذا يجنون ثمار الخطأ فى عدم الأهتمام بحياته الروحية أولاً وقبل كل شئ.

«« نسأل أيضاً عن حقوق الله فى مالك، من جهة العطاء الذى نقدمه للمحتاجين. قد يهتم البعض بكل إنفاقاته الأخرى، ويضع حقوق الله فى آخر القائمة. إن بقى لله شيئاً، كان بها. وإن لم يبقى له شئ، نعتذر لله أو نؤجل حقوقه! وذلك بأن الله ليس هو الأول فيما ننفقه من المال.

«« كذلك فى خدمة الشباب. قد نهتم بالأنشطة الكثيرة وليس بالعمل الروحى. فالنادى مثلاً: قد نهتم بمكانه وترتيبه، وما توجد فيه من ألعاب ومن أنشطة رياضية وتسليات. وقد نهتم بتنظيم الكارنيهات والمواعيد والمسابقات، وفرق التمثيل والكورال. ولا نهتم اطلاقاً بالعمل الروحى. وفى ذلك نجد النوادى، فى ضوضاءها وفى اخطائها ولا تعطى الصورة الروحية النافعة!.