المحبة الضارة

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

21 يناير 2006

جريدة أخبار اليوم

 

تكلمنا فى العدد الماضى عن المحبة وسموها وأهميتها بين جميع الفضائل.

وعلى الرغم من ذلك هناك ما يمكن ان يسمى بالمحبة الضارة؟

وهناك أسباب للمحبة الضارة ، ومظاهرلها؟

ولعل من اسباب المحبة الضارة، أن تكون بغير حكمة، أو بفهم خاطئ، أو أن تكون بعيدة عن الروحيات أو تتعارض مع المحبة لله، أو تتصف بالانانية وبالرغبة فى الاستحواذ، أو بأن تتحول من محبة إلى شهوة، أو تكون صادقة فى الهدف ومخطئة فى التعبير..

وسنحاول أن نتكلم عن كل هذه الأنواع ونشرحها..

****

أما المحبة الضارة بالاستحواذ، فهى التى تحبس من تحبه فى حيزها الخاص.

وقد يحدث هذا الأمر فى محيط الحياة الزوجية، أو فى محيط الحياة العائلية بصفة عامة، أو فى محيط الأصدقاء. وهنا تتصف المحبة بالانانية..

مثال ذلك الزوج الذى تدعوه انانيته فى محبته إلى التضيق على زوجته فى خروجها ودخولها، بل وأيضا فى الكلام والابتسام، وفى الزيارات واللقاءات وسائل العلاقات..

كمن يحبس عصفوراً فى قفص ويمنعه من الطيران، ليكون له وحده!

يتأمله وحده، ويغنى العصفور له وحده. ولا تهمه حرية العصفور فى شئ!

ومثل هذه المحبة الضارة التى تحدث بين الزوج لزوجته بشكل الاستحواذ، قد تدفعه إلى العصبية والعنف، فيجمع بين نقيضين: الحب والقسوة!

****

ومحبة الاستحواذ قد توجد أيضاً عند المرأة كما عند الرجل، وتصيبها بالشك والخوف والقلق..

وكما تضر نفسها بهذه المشاعر والافكار، فانها تضر زوجها كذلك بمحبتها!

فتضيق عليه الخناق، وتكثر من اسئلتها له وتحقيقاتها حول مواعيده ومقابلاته وعلاقاته، بطريقة تصيبه بالضجر والضيق النفسى وكل ذلك باسم الحب، الذى ارتبط بالغيرة المرة، فأصبح ضاراً!

وكما يضغط الرجل على زوجته فى محبته الضارة، قد تضغط هى عليه بالدموع والمرض والحزن المتواتر!

****

ومحبة الاستحواذ قد توجد أيضاً فى محيط الاصدقاء:

فيضيع الشخص وقت من يحبه. وبسبب هذا اللون من المحبة، قد يشغل وقته، ويعطله بكثرة الاوقات والاحاديث، وكثيرا ما يؤثر بذلك على عمله، أو على دراسته ان كان تليمذاً.. فيضره بمحبته!أو باسم المحبة، يريده ان يتحيز له: فيصادق من يصادقه، ويعادى من يعاديه، وبهذا يضره من جهة علاقاته، ومن جهة روحياته أيضاً!

****

وقد تأتى المحبة الضارة عن طريق التدليل

وكثيراً ما يحدث ذلك فى محيط الأسرة، وله اضراره العديدة:

ومنه الشفقة الزائدة، والانفاق الزائد عن الحاجة، وتقديم انواع من المتع قد تضر. وعدم فرض عقوبة مهما كان الذنب، أو تكون العقوبة نوعا من التوبيخ البسيط جدا الذى لا يردع احداً، فيستمر الحطأ.وقد يصل تدليل الأم لابنها، انها لا تجرؤ على توبيخه، حتى لا تجرح شعوره. وقد تغطى على أخطائه امام ابيه!!

وهكذا قد يفسد الابن، نتيجة لهذه المحبة الضارة! كما انه غالباً ما يفشل فى حياته العملية وفى حياتة الزوجية، لانه تعود هذا التدليل واصبح يطلبه فى كل مجال يعيش فيه..

****

ومن مظاهر التدليل أيضاً الحرية الضارة مثل موظف مدلل من رؤسائه!

 إذ يمنح المدلل - باسم المحبة - حرية بغير حدود، وبغير قيادة ولا ضابط يمكن أن توقعه فى أخطاء يصعب علاجها، أو قد يسئ استغلال الحرية.

 أو قد يعطى مسئوليات أو سلطات فوق مستواه.أو يأخذ منحاً وامتيازات أزيد مما يستحق.. وبالتدليل، يصدق رؤساؤه كل ما يرفعه اليهم من تقارير، ربما ضد زملائه. ويوافقونه على كل رأى أو اقتراح وبهذا يفسد العمل، ويفسد الموظف، ويصاب الزملاء باضرار!

****

وقد تتركز المحبة الضارة فى الجسد، وتتحول إلى شهوة

وإذا حدثت هذه الشهوة بين فتى وفتاة، فإنها تضر كليهما: تضر سمعته وعفته ومستقبله وعلاقته بالله. ومهما سميت محبة، فهى شهوه، او بالتجاوز هى محبة ضارة!

حتى شهوة الجسد- من جهة الطعام- هى شهوة ضارة. وعنها ينصح الحكماء بضبط النفس.

****

وعموماً: الشفقة على الجسد التى تضر الروح، تدخل فى المحبة الضارة:

كمن يشفق على جسده من التعب ، فيركن إلى الراحة والنوم والخمول. ولا يجهد نفسه فى القيام بمسئولياته أو فى متابعة دراساته، أو فى مواصلة طموحه.. هذا يضيع مستقبله. وتكون محبته لراحة جسده محبة ضارة. وبالمثل الذى يشفق على جسده بطريقة خاطئة، فلا يصوم. او ينكب على الطعام بهدف الاهتمام بصحتة.. هذا يضر صحتة، ويضر روحه ايضاً.

****

ومن المحبة الضارة ايضاً المديح الزائد الذى يضر

فمثل هذا المديح قد يدفع من يسمعه إلى الكبرياء أو إلى الغرور وقد يظن انه ليس محتاجا الى مراجعة نفسه، وانه من النوع الذى لا يخطئ! وقد يحدث هذا أحيانا فى محيط الاصدقاء او فى تملق الملوك ورؤساء العمل، فيضرهم.

ويماثل هذا المديح الضار، الدفاع عن الاخطاء:

انسان تدافع عن اخطائه-بدافع من المحبة الضارة- انما تجعلة يستمر فى اخطائه او يتشبث بها. وما اشد ما يصيبة نتيجة لذالك.

ان الصداقة الحقيقية ينبغى ان تكون صادقة. والصراحة الهادئة المؤدبة تكون أكثر حبا واكثر نفعاً.

****

ومن أنواع المحبة الخاطئة الضارة: تسهيل الشر لمن تحب!

 كأن تسهل له اجراء غير شرعى، او كسر قانون أو نظام عام من ذلك مثلا تسهيل زواج غير شرعى، أو تطليق فيه ظلم للطرف الآخر. ومن امثلته تلميذ يغشش زميله فى الامتحان بدافع من المحبة والشفقة، أو طبيب يكتب لموظف شهادة مرضية وهمية.. أو صديق يشهد شهادة زور تأييدا لصديقه. أو محاسب يساعد ممولا على اختلاس حقوق الدولة فى الضرائب.. أو ما شابه ذلك من الامثلة.

كل هذه الانواع تدخل فى نطاق المحبة الضارة، لانها تفسد النفوس أو الضمائر، مهما بدت فى ظاهرها نافعه!

****

ومن المحبة الضارة: اسراع الوالدين على تزويج ابنتهما بمن لا تحبه ، حرصا على استقرارها فى بيت قبل ان تكبر سنها

وبخاصة لو كان هذا الشخص ذا مال، وله مركز مرموق. ويرون هذه فرصة يجب ألا تضيع،مهما كانت الابنة رافضة. ولكنهم يدفعونها دفعا ضد ارادتها. ربما هدفهم هو محبتها، ولكن الوسيلة خاظئة. وقد تشقى الابنة فى زواجها!   

****

هناك أنواع اخرى للمحبة الضارة، نذكر من بينها:

انسان ربما يحب شخصا، فيضيع سمعته

اما بالالتصاق به فى كل مكان، مما يسبب له حرجا، ويتقول الناس عن هذه العلاقة. أو يشيع أن له تأثير عليه، أو انه بمحبته له يجعله يوافق على أى شئ!

كذالك هناك محبة اخرى للمرضى تضرهم:

إما ببقاء مدة طويلة إلى جوارهم فى التحدث اليهم، وهم صحيا فى حاجة إلى الراحة او بخداعهم فى نوع مرضهم، فلا يهتمون بأبديتهم وما يلزمهم من توبة. أو بتقديم متع لهم اثناء مرضهم قد تضرهم.