المحبة الخاطئة للنفس

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

28 يناير 2006

جريدة أخبار اليوم

 

كل انسان يحب نفسه، ولا يوجد أحد لا يحب نفسه، وهذا أمر طبيعى، على ان تكون هذه المحبة صادقة ونقية، وبعيدة عن الانانية. غير ان هناك محبة خاطئة للنفس، لأنه توجد بعض الحروب الروحية التى تسمى حروب الذات، وكذلك عبادة الذات، التى يتمركز الانسان فيها حول نفسه. ويقول "أريد ان ابنى نفسى، ان أحقق ذاتى، ان أرفع ذاتى.." . ولا يهمه فى كل ذلك ان يفقد نقاوة ذاته، أو ان يعمل على تحطيم غيره فى محبته للنفس. وهنا تكون محبته لنفسه محبة خاطئة..

ونود هنا ان نتطرق إلى الوسائل التى بها يحب الشخص نفسه محبة خاطئة.

****

المحبة الجسدانية والمادية:

هذه التى فيها شهوة الجسد، وشهوة اللذة والمتعة والرفاهية:

لذة الحواس التى تقود إلى الشهوة والخطية، وفرح الانسان بهذه المتع بحيث يجد فى تحقيقها محبة لنفسه .. وقد يجد انه يؤكد محبته لنفسه بالأتساع فى الغنى، وكل ما تشتهيه عيناه لا يمنعه عنهما. وهكذا يفتح امام نفسه ابواب اللهو والعبث والطيش، بكل ما فى ذلك من صداقات وعلاقات خاطئة. ويظن انه بذلك يعمل على اشباع نفسه من فرط محبته لها، بينما هو يفسدها!!

ان محبة النفس محبة حقيقية، لا تأتى فى هذا الطريق الخاطئ، الذى ينام فيه الغير، ويبعد الأنسان عن الله، ويحيا وكأنه مجرد جسد، بلا روح!

****

المحبة الخيالية

هى لون خاطئ اخر فى اشباع النفس... حيث لا يستطيع الشخص ان يمتع نفسه بطريقة مادية أو واقعية. فيسبح فى تصورات اسعادها بمجرد الفكر. ويلذذ نفسه بالفكر وبالخيال!

يسعد نفسه بما يسمونه: أحلام اليقظة

فكل ما يريد ان يمتع به نفسه من امور اللذة والرفاهية، يغمض عينيه ويتخيله! ويؤلف حكايات وقصصاً، عن متع لا وجود لها فى عالم الواقع... ويقول لنفسه سأصير وأصير وأعمل وأتمتع. وقد يستمر فى هذا الفكر بالساعات وربما بالأيام ! ويستيقظ لنفسه فاذا به فى فراغ، وقد ضيع وقته..!

ان المحرومين عمليا، قد يعوضون أنفسهم بالفكر ..

دون ان يتخذوا اى اجراء عملى بناء يبنون به انفسهم. وكما يقول المثل العامى " المرأة الجوعانة تحلم بسوق العيش"!

مثال ذلك ايضا تلميذ لم يستذكر دروسه ولم يستعد للأمتحان، فيجلس إلى كتبه، ويسرح فى احلام اليقظة انه نجح بتفوق وصار وصار. ويصحو لنفسه وقد اضاع وقته!

****

إن المتعة بالخيال، قد تكون اقوى من المتعة الحسية:

لان الخيال مجاله واسع لا يقف عند حد. ويتصور تصورات لا يمكن ان تتحقق فى الواقع . ويكون سعيدا بذلك سعادة وهمية..

وكثير من المجانين يقعون فى مثل هذا الخيال الذى يشبعون به أنفسهم . ويجدون به انفسهم فى مناصب ودرجات وألقاب.. والفرق بينهم وبين العقلاء انهم يصدقون ما يتخيلونه. ويصيبهم نوع من المرض يسمى البارانويا، وحكاياته كثيرة...

انه خيال يظن به هذا النوع من الناس انهم يجدون انفسهم بالاشباع الفكرى والمتعة الخيالية بالاوهام. بينما يضرون انفسهم بابعادها عن الجهد العملى الذى يفيدها.

****

المعارضة والصراع

هناك لون اخر ممن يحبون انفسهم محبة خاطئة، يظنون انهم يبنون انفسهم عن طريق معارضة الكبار والصراع معهم . وهؤلاء يظهرون على الساحة وكأنهم شعلة من النار، فى التفكير والحركة والعراك:

واذ لا يقدرون على العمل البناء، يظنون انهم يجدون انفسهم بهدم الذين يبنون!

فهم يعملون على هدم وتحطيم غيرهم ان استطاعوا. ويحسبون بذلك انهم قد صاروا أبطالا!! لا يسرهم شئ مما يعمله العاملون، فينتقدون كل شئ. ويبحثون عن اخطاء لتكون مجالاً لعملهم فى النقد والنقض والتشهير. وكأنهم يعرفون ما لا يعرفه غيرهم. وفى نفس الوقت الذى يسعون فيه لتحطيم كل بناء بناه غيرهم، لا يبنون هم شيئا !!

واذ يفتخر الشخص منهم بانه مقاتل Fighter     ،يجد اخيرا انه عاش فى فراغ، ولم يكتب له التاريخ اى عمل إيجابى يستحق التسجيل ...

****

مثال هؤلاء التلميذ المشاكس فى الفصل الدراسى

الذى يشعر انه قد وجد ذاته فى معاكسة المدرسين ! ويظن ذلك جرأة منه وشجاعة وبطولة يبنى بها نفسه التى يحبها . بينما يكون قد فقد مستواه العلمى، وفقد بذلك مستقبله. ولا تنفعه تلك البطولة الزائفة !

ومثال آخر: ذلك الذى يقول ان عنده الجرأة ان " يقول للاعور انه اعور فى عينه" ويفقد بذلك المحبة وحسن المعاملة والسمعة الحسنة. وأسوأ منه أولئك الذين يفقأون عيون المبصرين، ثم يعيرونهم بما فعلوه بهم!

****

نوع اخر من الذين يحبون انفسهم محبة خاطئة هم:

التائهون عن انفسهم!

كانسان كثير الحركة، ربما فى انشطة بلا عمق، وينسى خلالها روحياته وبناء نفسه!

يرى اننا نعيش فى عصر التكنولوجيا، فيجب عليه ان يكون انسانا تكنولوجياً: يسير مثل الآلة: حركة دائما بلا توقف ... يعمل فى كل مجال، ولا يقف لحظة ليفكر فى ابديته، او ليحاسب ذاته اين قلبه الان؟ وما درجة روحياته، وما هى علاقته بالله ؟ وهل لديه وقت للصلاة والتأمل؟ وماذا اعد لأبديته؟!

وفى هذه المحبة الخاطئة لنفسه، التى قد نسيها فى خضم مشغولياته العديدة كان عليه ان يقيم توازنا بين انشطته وابديته، وان يذكر قول السيد المسيح:" وماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه"

****

الحرية حسب هواها:

قد يحب الانسان نفسه، فيرى ان تسلك نفسه حسب هواها، دون رقيب، ودون ضابط . ولا يقبل ان يتدخل احد فى شئونه، فلا نصح من صديق، ولا نقد من معارض. ولا سلطة من اب أو مشرف أو رئيس! بل يفعل ما يشاء بلا قيد . حتى القيم والمبادئ والتقاليد، يسره ان يتخلص منها !!

بعض من هؤلاء، يسمون انفسهم الليبراليين " اى المتحرريين" بينما الحرية الحقيقية هى ان يتحرر الانسان فى الداخل من الخطايا والشهوات المنحرفة..

واكثر من هذا الوجوديون، الذين يريدون التمتع بالوجود، عن طريق التخلص من الله ووصاياه بشعار" من الخير ان الله لا يوجد، لكى اوجد انا" !! كل هؤلاء بمحبة انفسهم لحرية خاطئة منحرفة، انما يهلكون انفسهم ..

****

امر اخر فى المحبة الخاطئة للنفس هو :

الاعجاب بالنفس:

كأن يكون الانسان باراً فى عينى نفسه، أو حكيما فى عينى نفسه !! ويدخل ذلك فى عبادة النفس . ولا مانع. عند هذا الشخص. ان يكون الكل مخطئين، وهو وحده الذى على صواب. وهذا النوع يبرر ذاته فى كل خطأ. وان شرح له احد اخطاءه، لا يقبل ذلك، ويستمر على ما هو فيه. ويرفض كل توجيه. واذا عوقب على خطأ، يملأ الدنيا صراخاً انه مظلوم ! ولا ينظر إلى الذنب الذى ارتكبه، انما يصف من عاقبه بالقسوة!

ويظن ان دفاعه عن نفسه محبة لها، بينما هو يثبتها فى اخطائها .

مثل هذا ترتبك مقاييسه الروحية والادبية والعقلية . ويضيع نفسه.

****

والعجيب انه . على الرغم من اخطائه يمدح نفسه . ويحب ان يمدحه الغير . وان مدحوا سواه يستاء كما لو كان هو الاحق من غيره بكل مديح ! على ان كثيرا من الذين يقعون فى الاعجاب بالنفسن، يكون الله قد منحهم بعض المواهب. لكنهم استخدموا المواهب فى الاضرار بانفسهم، وفى الغرور.

ومثلهم ايضاً من قد اضروا انفسهم بما نالوه من مركز او شهرة

فلكى يتعالوا فى الرفعة، وقعوا فى الخيلاء، او اصبحوا ينظرون من فوق إلى من هم دونهم فى الوظيفة أو فى المال !!