حياة
الاطمئنان
بقلم
قداسة البابا
شنوده الثالث
9/9/2003
جريدة
الجمهورية
الذي
يملك السلام
علي قلبه.
يعيش دائما
مطمئنًا وإن
فقد سلامه
واطمئنانه.
يقع في القلق
والاضطراب
والخوف..
والسلام
الذي يجلب
الاطمئنان. هو
سلام يسكبه الله
في القلب.
وعنه قال في
الإنجيل "سلامي
أترك لكم.
سلامي أنا
أعطيكم. ليس
كما يعطي
العالم
أعطيكم أنا.
لا تضطرب
قلوبكم ولا تجزع".
والإنسان
المطمئن. لا
يأخذ
اطمئنانه من
الظروف
المحيطة
فالظروف
المحيطة به.
قد تعبث به.
تزعجه وتهدئه.
تريحه
وتخيفه.. إنما
هو يأخذ
اطمئنانه من
طبيعة قلبه في
الداخل. ومن
نوعية إيمانه.
ومن الصفات
الروحية التي
يتصف بها.
* * *
القلب
المطمئن لا
تؤثر عليه
الظروف مهما
اشتدت واحتدت:
ولذلك
فإن داود
النبي يقول في
المزمور "إن
نزل عليّ جيش.
لا يخاف قلبي.
وإن قامت عليّ
حرب. ففي ذلك
أنا مطمئن"
"الرب نوري
وخلاصي. ممن
أخاف؟! الرب حصن
حياتي. ممن
ارتعب؟!"..إذن
اطمئنانه هذا.
كان نابعًا من
إيمانه بحفظ
الله له.
هذا
الإيمان كان
في قلبه. فصار
قلبه جسورًا
لا يخاف ولا
يضطرب. وكان
يعزي نفسه
بقوله في المزمور
"الرب هو
حافظك. الرب
يحفظك من كل
شر. يحفظ نفسك.
الرب يحفظ
دخولك وخروجك.
من الآن وإلي
الأبد".
كان
واثقا من عمل
الله معه.
واثقا من حفظ
الله له. لذلك
عاش عمره كله
مطمئنا لا
يضطرب ولا يقلق.
* * *
الإنسان
القوي في
إيمانه. لا
يضطرب أبدًا
ولا يقلق
إنه
يؤمن أن الله
هو صانع
الخيرات.
دائما يصنع
خيرًا. ولابد
أنه سيصنع
الخير معه.
أما إن أتاه
الشر من الناس
الأشرار. فإن
الله الرحوم
الشفوق. سوف
يصد هذا الشر
عنه. إنه الله
الحافظ وهو
أيضا الإله
الساتر
والمعين.
ولكن
إذا ضعف إيمان
الإنسان.
حينئذ يشك في
معونة الله
له. فيضطرب
قلبه ويخاف.
وحينئذ يستحق أن
يوبخه الله
بعبارة: "يا
قليل الإيمان.
لماذا شككت؟!".
إذن
من أسباب
الاضطراب
والقلق. ضعف
الإيمان. والشك
في معونة الله
وفي حفظه..
* * *
ضع
الله بينك
وبين المشاكل
والضيقات.
فتختفي المشاكل
والضيقات
أما
إن وضعت
المشاكل بينك
وبين نفسك.
فسيختفي إيمانك
وتقلق..
بالصلاة
يكون الله
بينك وبين
الضيقات.
وبالإيمان
يكون لك ذلك.
وباستعادة
التاريخ
وخبراتك
الروحية السابقة.
يقوي قلبك
وتطمئن. أما
إن نسيت كل
هذا أو
أهملته. فسوف
تتعب.. ما أكثر
ما يروي
التاريخ من
قصص. عن تدخل
الله في
المشاكل.
وحلها بحكمة من
عنده. تقرب من
المعجزات.
ضع
في نفسك كل
هذا. فتطمئن.
لأن الله هو
هو. أمس واليوم
وإلي الأبد.
لا تتغير
أبدًا رحمته
ولا حفظه.
* * *
موضوع
القلق
والاضطراب
يتعلق أيضًا
بنفسية الإنسان
وعقليته.
فهناك
نفسية أقل
الأمور
يقلقها. وقد
تقلق بلا سبب..
بينما نفسية
أخري صامدة
أمام أصعب
المجالات.
تحتمل في هدوء
ولا تضطرب.
كذلك من جهة
العقلية: توجد
عقلية: إن
واجهت أصعب
المشاكل.
تحللها. وتحاول
أن تجد لها
حلاً. وإن لم
تجد الحل.
تعطي المشكلة
مدي زمنيا
ربما تنحل
فيه. وتصبر
خلال ذلك ولا
تقلق... بينما
عقلية أخري
تقف عاجزة.
ويمتزج عجزها
بالاضطراب
وفي كل ذلك.
يبدو أن
المشكلة ليست
هي السبب في
القلق
والاضطراب.
إنما السبب هو
طريقة
العقلية أو
النفسية في مواجهتها.
ومدي قدرة
العقل أو
النفس علي
ذلك.
* * *
علي
أن الله في
رحمته- لا
يترك الضعفاء
إلي ضعفهم. بل
يعينهم
وهو
يطلب منا نحن
أيضًا أن نشجع
صغار النفوس. ونسند
الضعفاء. وأن
نعين من لا
معين له. وإن
وقع أحد في
قلق أو
اضطراب. نقف
نحن إلي
جواره. ونعرف
سبب قلقه ونحاول
أن ننقذه منه:
سواء كان
قلقًا طارئًا.
أو هو مجرد
مظهر من طبيعة
النفس.
كذلك
بالنسبة إلي
الاضطراب:
ليست كل نفس
قوية يمكنها
أن تحتمل.
فالذين لا
يستطيعون أن
يحتملوا.
علينا أن نحمل
معهم أتعابهم.
ولا نتركهم يئنون
تحت ثقلها..
فما هي إذن
الأسباب
العامة التي
تدفع الناس-
أو بعضهم- إلي
القلق
والاضطراب.
وإلي الخوف
أيضا؟..
* * *
النفس
الضعيفة
تتوقع الشر
باستمرار.
وتخاف منه!
أي
تتصور أن هناك
شرًا سوف
يحدث. بينما
هذا الشر لا
وجود له في
الواقع!!
كالطفل الذي
يخاف في الظلام
متصورًا أن
الظلام يخفي
خلفه شيئاً
مريعًا. أو
كالأم الذي
يتأخر ابنها
عن عودته ذات
مساء. فيخيل
إليها أن
حدثًا مرعبًا
قد حدث له. فتقلق..
ويظل القلق
يصور لها
أمورًا مخيفة
لا وجود لها.
فتنزعج..
وكلما مرّ
الوقت يزداد
انزعاجها.
أو
كسجين تحت
المحاكمة.
يعصف به
القلق.
متخيلاً أنه
سوف يحكم عليه
بكذا وكذا.. وأن
أعداءه سوف
يستقدمون
شهود زور.
فيشهدون عليه
بما لم يفعله..
وتظل الأفكار
السوداء تراوده
فيخاف..!
* * *
حقا
ان الوهم سبب
اساسي من
اسباب القلق
والاضطراب
كالذي قيل عنه
انه "يهرب
وليس من
يطارده"!!
فالخائف
قد لايخرج من
بيته ويقول في
خوفه "الأسد
في الطريق! الشبل
في الشارع!"
بينما لا أسد
هناك ولا شبل..ان
الخوف يجلب
الاوهام.
والاوهام
تسبب الخوف. ويظل
الاثنان
يتبادلان
الموقع - كسبب
أو نتيجة -
ويحملان
معهما القلق
والاضطراب..
انه خوف طفولي
داخل النفس
بلا اسباب
خارجية تبرره..
كالطفل الذي
يخاف من انهم
سوف يلقونه في
"حجرة
الفئران"
بينما لاتوجد
حجرة فئران ولكنه
وهم يسببه
الخوف او خوف
يسببه الوهم!
أو كالذين
يخافون من
الاشباح. أو
من الجنية. أو
من العفاريت!
بينما لاتوجد
أشباح ولا
جنية ولا عفاريت.
لكنه الوهم..
* * *
الشكوك
أيضا يمكن ان
تجلب القلق
والاضطراب!
فالانسان
في خوفه يمكن
ان تروعه
الشكوك: يمكن ان
يحدث كذا أو
يحدث كذا..
كالذي ارتكب
جريمة. ثم
تعصف به
الشكوك: لعله
ترك اثرا يدل
عليه! أو لعل
انسانا قد رآه
دون ان يشعر!
أو لعل أدلة
الاتهام تشير
اليه بأسباب
معينة! وكل
هذه الشكوك
تجلب له القلق
والاضطراب
وتظهر علي
وجهه ملامح
القلق حتي
كأنه يقول
"انا هو.
خذوني".
أو
فتاة يأتي
عريس ليخطبها
فتظل قلقة
بسبب الشكوك:
هل ستعجبه ام
لاتعجبه؟ هل
سيكمل الموضوع
أم يمضي ولا
يعود؟ وبهذه
الشكوك تبدو
مضطربة وقلقة.
وخائفة من هذا
اللقاء..ونفس
الوضع
بالنسبة الي
اي لقاء
اختيار INTER VIEW بخصوص
العمل: هل
سيمر بخير
ويتم القبول
أم لا؟ شكوك
تجلب القلق.
* * *
وقد
يحدث القلق
والاضطراب
بسبب الخوف من
الحسد
انسان
يخاف من
الحسد. ومن
الحاسدين.
يقول لك ان
فلانا هذا.
"عينه تفلق
الحجر"
فيضطرب اذا لاقاه..ويخاف
ان يعلن عن
شيء من نجاح
ابنائه او
تفوقهم لئلا
يحسدهم الناس
فيصيبهم ضرر
وان عرف عنهم
هذا التفوق -
ولو عن طريق
الصدفة - يظل
في قلق
واضطراب من
عيون
الحاسدين.
ويضع امامه
المثل القائل
"داري علي
شمعتك لئلا
تنطفيء".
وكلما
تأتيه نعمة من
الله يحاول
الا يتحدث عنها
لئلا يسمع
الحاسدون
ويحسدونه!
ويقلق لهذا
السبب.. بينما
لايوجد مثل
هذا الحسد و
الا ما كان
يعيش
الممتازون في
حياتهم ومن
تعلن الجرائد
عن تفوقهم
ونيلهم
للجوائز
والالقاب..
* * *
قد
يحدث القلق
والاضطراب
ايضا بسبب
الشائعات..
كشائعة
عن انتشار مرض
او وبأ او
شائعة عن هروب
أسد من حديقة
الحيوان او
هروب مجرم
قاتل من
السجن. أو
هروب مجنون
خطر من مستشفي
الامراض
العقلية.. او
شائعة عن
الغاء
المجانية من
المدارس
والجامعات او
شائعة عن
اصدار ضريبة
اخري.
كل
ذلك يثير
القلق
والاضطراب
بين الناس
بينما لايكون
لهذه
الشائعات أي
اثر من الحقيقة
ولكنها تحدث
تأثيرها في
النفوس
المستعدة
لتصديقها
وتسبب لها
قلقاً..
كذلك
إذا انتشرت
شائعة أن
الجزارين
يبيعون لحم
الحمير!!
ألا
يتسبب هذا في
قلق الناس.
وامتناع
بعضهم عن أكل
اللحوم. إلا
من مصادر
موثوق بها. أو
ما يذبحه
الناس
بمعرفتهم.
***
من
أسباب القلق.
خوف الناس من
المرض ومن
تطوره
وبخاصة
من الأمراض
الخطيرة التي
يبدو الشفاء
منها صعباً
جداً أو
مستحيلاً..
هذه مجرد الإعلان
عنها يسبب
قلقاً
واضطراباً.
ويزداد
القلق إذا
أصيب طبيب
بأحد هذه
الأمراض. وهو
يعرف جيدا
طبيعة المرض
وخطورته
وآلامه.
ودرجات
تطوره.. مثل هذا
الطبيب قد
يضطرب أكثر من
الناس
العاديين..
أو
أن اناسا
يأتيهم الوهم
بالخوف من
الميكروبات
ومن العدوي.
فإن
سلّم عليهم
أحد المرضي.
يغسلون
ايديهم بكل
حرص.
بالكولونيا
أو بالليمون..
أو يحترسون بصفة
عامة من زيارة
المرضي..كان
شخص يقول:
هناك عدو
موجود معنا في
كل مكان.
فسألوه: أتقصد
الشياطين؟
فقال: كلا. بل الميكروبات!!
حقا إن
الميكروبات
موجودة في كل
مكان: في
الهواء. في
الناس. في
الحيوان!!
إن
الحرص لازم.
ولكن لا نصل
به إلي الوهم.
والخوف.
***
البعض
يصيبهم القلق
أيضا من ركوب
الطائرات!!
إذا
قيل لهم
"أربطوا
الحزام".
وعرضت عليهم
وسائل مواجهة
الحوادث.
يقلقون ويضطربون!
وإن حدثت بعض
مطبات الهواء.
فإن قلوبهم
"تطب" اكثر من
مطبات الهواء!
وإن قاومت الطائرة
الهواء
واهتزت قليلا.
يدركهم
الاضطراب. ويظنون
ان النهاية قد
قربت.
إنه
الوهم. فمع كل
ذلك تصل
الطائرة
سالمة... ولكن
الناس يقلقون
بسبب قراءتهم
في الجرائد عن
بعض حوادث
سقوط
الطائرات.
فيظنون أن كل
طائرة هي
معرضة للسقوط.
بينما هناك من
ينامون في
الطائرة مطمئنين..
كذلك قد يقلق
البعض من ركوب
البحر. إذا ما
اهتزت
السفينة. وهذا
شيء طبيعي.
لأن ماء البحر
دائم الحركة.
وليس ساكنا....
***
يقلق
البعض أيضا من
السحر ومن
"العَمَل"!!
يقول
الواحد منهم
إن "فلانا عمل
لي عملاً" أي سحرا
وينسب كل ما
يصيبه في
حياته من شر
أو فشل. إلي
هذا العمل!! بل
يقلق أيضا من
نتيجة هذا العمل
عليه في
المستقبل!!..وعبثا
تحاول مع هذا
الشخص أن تثبت
له بأنه لا
يوجد عمل في هذه
الايام ولا
سحر. ولا
استخدام لقوي
الشياطين. كما
كان يحدث
قديما في أيام
الوثنية
وعبادة
الأصنام.
***
ما
أكثر الاضرار
الناتجة عن
القلق
والاضطراب
وعدم
الاطمئنان.
الخوف.
وتعب الفكر
والاعصاب.
وتعب النفس.
وربما تعب
الجسد أيضا
بالأمراض..
بعكس الإنسان
المطمئن الذي
يحيا في سلام...
حاول
أن تعاشر
الناس
الأقوياء
القلب. فتأخذ
منهم سلاما
وقوة. واقرأ
أيضا عن قصص
الأقوياء الذين
لا يخافون.
وليكن لك
إيمان بحفظ
الله ومعونته.
ولا تترك
للوهم مجالا
في فكرك. ولا
مكانا في
نفسك. ودرّب
ذاتك أن تعيش
مطمئنا.