الإيمان
العملي
بقلم
قداسة البابا
شنوده الثالث
30/9/2003
جريدة
الجمهورية
الإيمان
العملي هو
الإيمان الذي
تظهر علاماته
ونتائجه في
الحياة
العملية. فتدل
عليه. تدل علي
أن الإنسان
مؤمن تماماً
بوجود الله.
يراه في كل ما
يفعل. فيتصرف
طبقاً لهذا
الإيمان.. وبهذا
يقوده
الإيمان إلي
عديد من
الفضائل. من
الصعب إحصاؤها.
من
صفات المؤمن
أن يكون قلبه
مملوءاً
بالسلام
والهدوء..
لا
يضطرب
مطلقاً، ولا
يقلق، ولا
يخاف، لأنه يؤمن
بحماية الله
له. وهو يحتفظ
بسلامه
الداخلي،
مهما كانت
الظروف
الخارجية
تبدو مزعجة!... إنه
لا يستمد
سلامه من تحسن
الظروف
المحيطة به.
إنما يستمد
سلامه من
إيمانه بعمل
الله الحافظ
والمعين.
فالذي
يخاف هو الشخص
الذي يشعر أنه
واقف وحده.
أما الذي يؤمن
بقوة الله
الحافظة. فإنه
لا يخاف.
****
حتي
إن كان الموت
يهدد حياة
المؤمن. فإنه
لا يخاف!
إنه
يؤمن بحفظ
الله، إن أراد
له حياة علي
الأرض..
كذلك
يؤمن
بالأبدية
السعيدة، ان
شاء الله له ان
يفارق هذا
العالم وفي
الحالتين
كلتيهما، الأمر
يدعو إلي
الفرح، وليس
إلي مجرد
السلام.
الانسان
المؤمن هو
الذي يستطيع
ان ينام في رعاية
الله
مستريحاً...
انه
يسلم حياته
وكل مشاكله
للرب الاله. ويقول
له: ما دمت يا
رب قد تسلّمت
هذه الموضوعات،
فسوف لا أشغل
نفسي بها.
انها قد انتهت
بالنسبة
إليّ،
وانتقلت إلي
يديك أنت.
وأنا واثق انك
ستصنع كل خير.
لاني -
بالإيمان -
مطمئن إلي عملك...
****
وهكذا
فان الايمان
يقود إلي حياة
التسليم،
تسليم
الحياة بكل
تفاصيلها
وأيضاً بكل
متاعبها إلي
الله تبارك
اسمه.
وحياة
التسليم تقود
إلي حياة
الاطمئنان
والرضي..
المؤمن
ينتصر علي
الصعوبات ولا
يخافها. إذ يشعر
ان الله سوف
يزيل من أمامه
كل ضيقة
تصادفه، ولا
يتركه
وحيداً
فيها.
أما
غير المؤمن:
فربما
الصعوبات
تصيبه بالتردد
والخوف. وبعدم
الايمان قد
يجبن. بل ان
عدم الايمان
قد يصوّر له
صعاباً
ومخاوف لا
وجود لها!
فيتبعه الوهم
ويقلقه.
ويفقده
اطمئنانه...
****
ومن
نتائج
الايمان
أيضاً انه
يعطي القلب
قوة
وكما
ان الايمان
بالله، يعطي
الانسان
سلاماً
واطمئناناً
فلا يخاف...
كذلك حتي
الايمان بالعلم
يصنع
الأعاجيب..
مثال ذلك
ايمان رواد
الفضاء بما
قيل لهم عن
منطقة انعدام
الوزن في الحق،
وكيف ان
الانسان فيها
يمكنه ان يمشي
في الجو دون
ان يسقط! مَن
مِن الناس
يجرؤ ان يمشي
دون ان يخاف؟!
أما الذي جعل
رواد الفضاء
ينفذون ذلك،
فهو ايمانهم
الأكيد بصحة
ما توصلت إليه
بحوث العلماء
الايمان اذن
يعطي قوة وشجاعة.
فكم بالأكثر
الايمان
بالله.
بل
ان كل من آمن
بفكرة. يعطيه
الايمان بها
قوة لتنفيذها:
وهكذا
كان المصلحون
في كل زمان
ومكان: متي
آمنوا بفكرة،
يجاهدون بكل
قوة لتنفيذها.
وبسبب ايمانهم
احتملوا
الكثير، حتي
أكملوا عملهم...
غاندي
مثلاً، آمن
بحق الانسان
في الحرية، وآمن
بسياسة عدم
العنف. فأعطاه
هذا الايمان
قوة عجيبة
استطاع بها ان
يحرر الهند،
وان يعطي الحقوق
السياسية
للمنبوذين في
مساواة مع
باقي مواطنيهم...
واستطاع ان
يحتمل
الكثير، حتي
أقنع أتباعه
أيضاً بعدم
ملاقاة العنف بالعنف..
فايمانه
بالفكرة
أعطاه - ليس
فقط القوة علي
تنفيذها - بل
القوة علي
نشرها واقناع
الغير بها...
*****
ان
الفرق بين
أشجع الناس
وأخوف الناس،
هو الايمان
الشخص
الجريء هو
الذي لديه
ايمان بأنه لن
يحدث له ضرر
ما... وهو
المؤمن بلزوم
العمل
وضرورته مهما
كلّفه ذلك،
ومهما حدث... أو
هو المؤمن
بصفة الشجاعة
وحقارة الجبن.
أما الخائف
فهو غير هذا
كله.
أيضاً
الايمان
بالأبدية
والعالم
الآخر، يمنح
الانسان
سلاماً
واطمئناناً.
إذ
يوقن انه لابد
أنه سينال
حقه: ان لم يكن
علي الأرض،
ففي السماء.
ولن يكون
مظلوماً هنا
وهناك! كذلك فانه
سينال سعادته
كاملة: ما لم
يتحقق منها ههنا،
فسوف يتحقق
بكل تأكيد في
النعيم
الأبدي...
وبهذا
الايمان يعيش
مرتاحاً، لا
يتضجر ولا يتذمر
ولا يبتئس...
****
الانسان
المؤمن يعيش
في نقاوة
القلب، وفي نقاوة
التصرف
طبيعي
ان كل شخص
يخجل ان يخطيء
أمام انسان
بار يحترمه،
وقد يكون في
حضرته في
منتهي الحرص،
يستحي ان
يرتكب أمامه
شيئاً مشيناً.
إذ لا يحب ان
ذلك الشخص
البار يأخذ
عنه فكرة سيئة
أو يسقطه من
نظره... بل ان
الانسان قد
يحترس أيضاً
من الخطأ أمام
أحد مرؤوسيه
أو خدمه، لئلا
يحتقرونه في
داخلهم، أو
يقل احترامهم
له.
لذلك فغالبية
الخطايا
تُعمل في
الخفاء، إما
بسبب
الاستحياء أو
الخوف. وهكذا
قيل عن الخطاة
انهم "أحبوا
الظلمة أكثر
من النور، لان
أعمالهم كانت
شريرة". وقيل
انهم يظهرون
بغير حقيقتهم.
****
فان
كان أي شخص
يخجل أو يخاف
من انسان مثله
يراه، فكم
بالأولي يكون
خوفه من الله
الذي يراه في
أي
مكان؟!
فان
أنت يا أخي
آمنت تماماً
بأن الله
موجود في كل
مكان انت فيه:
يراك ويسمعك
ويرقبك، فلا
شك سوف تستحي
أو تخاف من ان
ترتكب أي خطأ
أمامه… لو
وضعت هذه
الحقيقة أمام
عينيك، لابد
انك ستخجل
وتخاف،
وتمتنع عن
الخطيئة أياً
كانت، لان خوف
الله سيكون
أمام عينيك
باستمرار في
كل مرة تحاول
فيها أن
تخطيء.. وإن
كنت تؤمن أن
الله قدوس،
ستخشي أن تظهر
أمام قداسته
غير المحدودة
نجاسة أية
خطيئة
ترتكبها..
****
كذلك
إن كنت تؤمن
أن الله فاحص
القلوب و
قاريء
الأفكار:
وأنه
- بالإضافة
إلي علمه
الإلهي بكل
أعمالك - فإنه
يعلم أيضا كل
ما يخطر علي
فكرك وقلبك من
مشاعر وخطط
وتدابير، وما
في نيتك أيضا
أن تعمله،
حينئذ كنت
تخاف من معرفة
الله
لدواخلك، وتخجل
من قدسيته،
وتبتعد عن
كل
فكر أو شعور
خاطيء. وعن كل
نية غير
طاهرة.
ولعلك
تقول: "أنا
أؤمن بكل هذا.
أؤمن أن الله
موجود في كل
مكان. وأنه
يري ويسمع كل
شيء. وأنه
يفحص القلوب
ويقرأ
الأفكار.. ومع
ذلك لا أزال
في أخطائي".. أجيبك
علي هذا
بعبارة:
ربما تؤمن بكل
هذا نظريا
ولكنك لا تحيا
عمليا حياة
تليق بايمانك
*****
أيضا
المؤمن يشعر
بالاستحياء
من الملائكة وأرواح
الأبرار
يخجل
من الملائكة
الذين حولنا،
ويرون ما
نفعله،
ويسمعون ما نقول...
وإن رأوا
منظرا بشعا
منا، يستحون
منه ويفارقوننا،
فتبغتنا
حينئذ أرواح
الشياطين وتشجعنا
علي ما نحن
فيه من إثم.
بل
إن المؤمن
يخجل أيضا
أثناء خطيئته
من أرواح
القديسين
الذين يرونه،
ومن أرواح
أقربائه واصدقائه
ومعارفه
الذين
انتقلوا من
هذا العالم،
وبخاصة الذين
كانوا يثقون
بصلاحه
وفضله..!
بل
يخجل أيضا من
أرواح اعدائه
ومقاوميه،
لئلا يكون في
موضع شماتة
منهم..! ولكل
هذه الأمور يبعد
عن الخطيئة.
****
ولكن
لعل الإنسان -
في حالة
ارتكاب
الخطيئة - يكون
في حالة نسيان
لكل هذا:
لايكون في
فكره الله،
ولا ملائكته،
ولا ارواح
قديسية!!
أو
أن الشهوة
تجعله في حالة
غفوة فما هو
يشعر بما هو
فيه وكأنه في
غيبوبة عن
حياة الإيمان
العملي بكل
تفاصيلها..!
يحتاج إلي
يقظة روحية، إلي
من يوقظه
ويقول له:
تذكر أنك
مؤمن، وأنك تفعل
ما لايليق
بالمؤمنين تذكر
أوامر الله
ووصاياه،
وانذاراته
لكل من يعصاه.
وإن كنت تدعي
أنك مؤمن
بالله وتؤمن
بملكوته
ووصاياه
فلاشك أن لك
إيمانا
نظريا، ولكنك
لاتحياه! لك
اسم المؤمن،
وليست لك حياة
المؤمن!
*****
كذلك
إن كنت تؤمن
بالابدية، ضع
الأبدية أمامك
لكي لاتخطيء
نعم،
يخاف من الخطيئة،
من يؤمن بأن
الموت قد يأتي
في أي وقت ومن
يؤمن أن الله
عادل، وأنه
سيجازي كل
واحد حسب
أعماله نعم،
يخاف من يؤمن
بالحياة بعد
الموت،
وبالوقوف
أمام الله في
ذلك اليوم
الرهيب الذي
تكشف فيه
الأعمال
والأفكار
والنيات، أمام
الكل في يوم
الدينونة
الرهيب..
من
يؤمن بكل هذا
ايمانا
عمليا، ويضعه
أمام عينيه
لاينساه، من
الصعب عليه أن
يخطيء بل يجد
رادعا داخله
يثنيه، خوفا
وخجلا وتجده
يستعد
لملاقاة الرب
في أي وقت..
إن
الإيمان
العملي
بالأبدية
يمنح الإنسان
يقظة في ضميره
فيكون له
باستمرار
ضمير حي، يحكم
علي كل عمل،
ليس فقط من جهة
نجاحه أو
فشله، أو من
جهة نتائجه في
حياته الحالية..
بل بالأكثر من
جهة مصيره
الأبدي فكل
عمل يعمله
سيقدم عنه
حسابا في يوم
الدين.
****
أيضا
الإيمان
بوجود الله
أمامنا، يمنح
القلب اتضاعا
فلا
يمشي في خيلاء
وعجب،
ولايجلس في
غطرسة وكبرياء،
لأنه شاعر أنه
واقف أمام
الله.. ولا
ينظر إلي أحد
من فوق، لأنه
يؤمن أنه مثل
الكل: مخلوق
من تراب
الأرض، وإلي
التراب سوف
يعود..
وفي
حضرة الله
يشعر كل إنسان
بخشوع. وبقدر
احساسه بوجود
الله، علي هذا
القدر يكون
خشوعه. وهكذا
في الصلاة يقف
حيناً، ويركع
حيناً، ويسجد
حيناً.. أمام
عظمة الله غير
المحدودة.
والإحساس
الدائم بوجود
الله حتي في
غير أوقات
الصلاة يجعل
الانسان في
اتضاع دائم،
بعيداً عن روح
العظمة. لأن
العظمة لله
وحده. وبالتالي
فإن تعاظم
الانسان هو
عمل ضد
الإيمان.
****
المؤمن
- مهما بدت كل
الأبواب
مغلقة - يري
باب الله
مفتوحاً
إنه
يؤمن بالله
الذي في يده
مفاتيح
السموات والأرض،
الذي يفتح ولا
أحد يغلق.
لذلك فالمؤمن
لايعرف اليأس
إطلاقاً، بل
له الرجاء في
الله القادر
علي كل شيء،
القادر أن
يفتح كل باب
مغلق.
وإن
كان اليأس ضد
الإيمان وضد
الرجاء وضد
الاتكال علي
الله، فلاشك
أن المنتحرين
فقدوا
إيمانهم
ورجاءهم،
وشعروا
انه لا حَلّ.
كما فقدوا
الايمان
بحقيقة
الحياة بعد
الموت، التي
يدخلها
المنتحر وهو
قاتل نفس!
***
هناك
أيضاً بعض
اختبارات
للإيمان
العملي :
منها
فضيلة
العطاء،
ونصيب الله في
ما يملكه الإنسان:
وبخاصة
لو كان هذا
المؤمن
محتاجاً، أو
مطلوباً منه
أن يعطي من
أعوازه. ضعيف
الإيمان يقول
"إن كان
المرتب كله،
أو الايراد
كله، لايكفي، فكيف
يكون الحال إن
خصمت منه
جزءاً اعطيه
لله؟!".
أما
المؤمن
العملي فيقول
: إن ما اعطيه
للّه من مالي،
سيبارك
الباقي كله،
فيجعله يكفي
ويزيد. المهم
في البركة
وليس في الكمية
وما أعطيه
إنما أقول لله
عنه : منك الكل
ومن يدك
اعطيناك..
من
اختبارات
الإيمان
العملي أيضاً
: مدي محبة الإنسان
للصلاة
فهل
تنسي الصلاة،
وتمرّ عليك
أوقات لاتصلي
فيها؟ أو هل
تشعر أنك تخسر
وقتاً تقدمه
للصلاة، وانت
في حاجة اليه
لأمور أهم؟!
وهل
إذا وقفت
للصلاة، تفكر
كيف تنتهي
منها لكي
تنشغل
بواجبات أخري؟
وهل أثناء
صلاتك، يسرح
فكرك في أشياء
غير الصلاة؟
وتنسي أنك
واقف أمام
الله تخاطبه!
إن كنت كذلك،
فلا يكون
ايمانك بالله
قوياً.. وما نقوله
عن الصلاة،
نقوله عن باقي
أمور العمل الروحي.
****
تختبر
إيمانك
العملي أيضاً
بما يمرّ عليك
أحياناً من
الشك
إما
الشك في
الإيمان، أو
الشك في
استجابة الصلاة
أو في الصلاة
عموما، اذا ما
طلبت من الله طلباً
ولم يعطك
أياه،
أو
تأخر الله
عنك! فتحاربك
الشكوك في
عناية الله
بك، ويضعف
ايمانك!
ان
الايمان
القوي لايعرف
الشك، مهما
كانت الأسباب.