غلطة
العمر
بقلم
قداسة البابا
شنوده الثالث
1/7/2003
جريدة
الجمهورية
كل إنسان
معرض للخطأ.
الكل يخطئون.
ولكن هناك فرقاً
بين خطأ وخطأ
هناك أخطاء
خفيفة في تأثيرها.
ولا تتعدي
زمنها. ومن
السهل جداً
إصلاح نتائجها.
بينما
هناك أخطاء
أخري لها
عمقها الشديد.
ونتائجها
بعيدة المدي.
وقد لا تغتفر
في نظر المجتمع.
ولها عمقها.
وتأثيرها علي
السمعة
مثل هذه. قد
تكون غلطة
العمر.
لأنه ربما
تنسحب
نتائجها علي
العمر كله.
وقد يحاول
الإنسان أن
يصلح ما تركته
فلا يستطيع.
مهما تاب. أو
حاول التوبة.
***
مثال من
خطية العمر:
خطية الشيطان
دخل الشر
إلي ذاته. ثم
ملكها كلها.
وصار كله شراً
كل من يتلامس
معه. يصير
شراً مثله.
كالنار: كل من
تدخل فيه.
يصير هو ناراً
مثلها. إن
دخلت في الخشب
يصير ناراً.
أو دخلت في
الورق أو
القطن أو
القش. يصير
أيضاً ناراً.
وهكذا كل جنود
الشياطين.
صاروا شياطين
مثله الكل قد
فسدت طبيعته.
بلا امكانية
للرجوع إلي طبيعته
الأولي كورقة
نشاف وقعت في
إناء للحبر.
وتشبعت به.
ولم تعد هناك
إمكانية أن
ترجع إلي
نقاوتها
الأولي. إنها
غلطة العمر.
***
هكذا
والقياس مع
الفارق خطيئة
الإنسان الأول
ما كان
يعرف خطيئة
حينما خلق. ثم
أخطأ. وفقد
براءته
وبساطته. وطرد
من الجنة.
ودخل في ثنائية
الخير والشر.
الحلال
والحرام. وهو
وكل نسله. حتي
الآن. إنها
خطية العمر.
بل الأعمار
كلها.
ثم صار من
البشر من أخطأ
وتاب. وصارت
منهم من أخطأ
ولكن خطيئته
أو نتيجتها
تلاحقه كل
عمره.. إنها
غلطة العمر.
***
فتاة زلت وسقطت.
وفقدت عفتها
وبكارتها
أو ضلت
وأغريت بما
يسمونه
"الزواج
العرفي" ولم
تعد بكراً..
أتراها
تستطيع أن
تعود إلي بكارتها
مرة أخري.
مهما تابت؟!
كلا. إنها
غلطة العمر.
إنها مثل زجاج
قد انكسرت.
مهما حاولت
إعادتها إلي
حالتها
الأولي. لن
تستطيع.
وأصعب من
هذا. إن كانت
فتاة قد حملت
سفاحاً وأصعب
منه أيضاً. إن
ضبطت في بيت
دعارة. في
قضية آداب..
أتراها تعود إلي
سمعتها
الأولي. وإلي
احترام الناس
لها. مهما
تابت. مهما
ندمت علي
خطيتها
وبكت..؟ كلا.
إنها غلطة
العمر.
***
رئيس دولة
زني وكذب
وأنكر. وفقد
هيبة اسمه
وتحدثت عن
خطيئته
الجرائد.
وصدرت ضده
أحكام أدبية
حتي لو كانت
الغلطة
الوحيدة في
حياته
السياسية..
حتي لو كانت
قد كشفت
بمؤامرة قد
دُبرت ضده..
ولكنها كانت
كافية لتشويه
سمعته.
ولتدمير
حياته السياسية..
إنها غلطة
العمر.
ومن
أمثلتها
أخطاء أخري في
حياة بعض
السياسيين
الكبار. قضت علي
سمعتهم. وعلي
مستقبلهم
السياسي.
واضطرت بعضهم
إلي
الاستقالة. أو
قضت بعدم
ترشيحهم للمنصب
مرة أخري.
ويسمونها
أحياناً في
التاريخ
فضيحة "كذا". إنها
غلطة العمر.
***
تلميذ غش
في امتحان.
وضُبط. وألغي
امتحانه. أو رُفت
من كليته
عاماً أو
عامين. وساءت
سمعته. إنها
غلطة العمر..
علي الرغم
من أنه كان
نابهاً في
باقي مواد الامتحان.
وكانت هذه هي
المادة
الوحيدة التي
غش فيها. أو
ربما كانت
المرة
الوحيدة التي
غش فيها في
حياته. إلا
أنها لوثت
سمعته. وسط
زملائه في الكلية.
وبين أفراد
أسرته. وبين
أصدقائه وجيرانه
ومعارفه..
وربما تمر
السنوات
ويتخرج
ويتوظف. ولكن
واقعة الغش هذه
تلاحقه في
أماكن كثيرة.
ويعيّر بها.
وقد يعيّر بها
أهله أيضاً..
إنها غلطة
العمر.
***
خطية
الخيانة ولو
مرة واحدة هي
خطية العمر
خيانة
يهوذا مرّ
عليها ألفان
من الأعوام.
ومازالت
مسجلة في
التاريخ.
ورمزاً لكل
خيانة أخري.
إنها لن تمحي.
وعلي الرغم من
أن يهوذا كانت
له خطايا
أخري. إلا ان
خيانته كانت
غلطة العمر..
ومثله كل
من يخون. حتي
لو كانت
خيانته أقل من
خيانة يهوذا
بكثير جداً.
ولكنها لا
تُنسي.
إنها تضيع
الثقة تماماً:
الثقة في
أمانته وفي محبته.
وفي صدقه.
والثقة في شرفه
بوجه عام.
خطية لا
تغتفر..
سواء كانت
خطية مرؤوس
يخون رئيسه:
يكشف أسراره.
أو يشهر به. أو
ينضم
لأعدائه.. أو
كانت خيانة صديق
لصديقه. أو
خيانة زوجة
لزوجها..
خطيئة تقطع كل
علاقة وكل
صلة. إنها
خطية العمر..
باقي
الأخطاء قد
يحاول صاحبها
أن يعتذر عنها
أو عن الخيانة.
فلا يجرؤ أن
يرفع وجهه.
ولا يجد
كلاماً ليقوله..
***
أديب
أعجبته رواية
أو قصة
أجنبية.
فسرقها ونسبها
إلي نفسه. ثم
نشرها. أو
أنزلها في
فيلم سينمائي.
واكتشف الأمر
وساءت
سمعته
الأدبية.
وعُرف عنه أنه
يسرق أفكار
غير وصار
إنتاجه
الحقيقي أيضا
موضع شك..! وكلما
يؤلف قصة
جديدة يتساءل
البعض: ألعلها
أيضاً مأخوذة
عن قصة
أجنبية؟!
وبالنسبة
إليه أصبح
الخطأ الأول
هو غلطة العمر.
أما
السرقة
المادية. فهي
أكثر وقعاً
وايلاماً
بالنسبة إلي
المجتمع.
وبخاصة إن
اشتهرت وذاعت.
ولم يغفرها
المجتمع..
***
إنسان
جاهد في
حياته. حتي كوّن
له ثروة كبيرة
وفي يوم من
الأيام أغراه
القمار. فخسر
علي مائدته كل
شيء
وضاع كل
ماله. وضاع
معه مركزه
الاجتماعي
الذي كان
مبنياً علي
هذا المال.
وصارت تلك
الليلة التي
لعب فيها
القمار هي
غلطة العمر.
أو هي نقطة
التحول في
حياته: حوّلته
من كل شيء إلي
لا شيء. يذكرها
فيندم. ولا
ينفعه ندمه.
وهكذا
أيضاً من يدخل
في صفقة كبيرة
خاسرة. لم تُبن
علي حساب
دقيق. وقد
أفقدته ثروته.
وربما استدان
بسببها. إنها
غلطة العمر في
حياته الاقتصادية.
ومثل هذا
أيضاً من
يضطره دائن أن
يوقع علي شيك
علي بياض!!
وبجهالة
أو بثقة في
الدائن يفعل
ذلك. ويُستغل
ذلك الشيك
أسوأ استغلال
قد يوصله إلي
السجن.. إنها
غلطة عمر..
وبالمثل
من يوقّع علي
وصل أمانة
إنها قصص
كثيرة تصل
إلينا في
شكاوي من
أفراد أو
شكاوي من
عائلات تدمرت
حياتهم
تماماً بهذه الغلطة
وما يشابهها..!
***
غلطة
العمر أيضاً
قد تكون في
جريمة قتل
والقتل
يضيع فيه عمر
القتيل. وعمر
القاتل أيضاً
إذا ما حكم
عليه
بالإعدام...
وفي انتظار
يوم الاعدام.
يظل يفكر: كيف
وقع منه ذلك
الأمر؟! وربما
يكون ذلك غير
مقصود. ولكنها
مجرد مشاجرة فقد
فيها أعصابه.
فضرب القتيل
فمات! وربما
أثير ولم
يحتمل
الإثارة. وحدث
ما حدث.. إنها
غلطة العمر.
وربما
تملكه شعور
الانتقام.
وطغي عليه
طغيانا. ولم
يستطع أن يخرج
من ضغط الفكر.
فانتقم ممن مسّ
سمعته أو
شرفه. ورأي
أنه الحل
الوحيد هو قتله...
وكانت غلطة
العمر..
***
وربما
تكون غلطة
العمر هي
جريمة قتل غير
مقصود
ولكنها
تتعب الضمير
في عمق شديد
كلما تخطر علي
الفكر
مثال ذلك
سائق عربة أو
أوتوبيس كان
يسوق بسرعة
شديدة.
وفي حادث
لم يتوقعه
سقطت العربة
أو انقلبت أو حُرقت.
ومات غالبية
ركابها. وأصبح
إن لم يمت معهم
مطالباً أمام
الضمير وأمام
المجتمع بأرواحهم
جميعاً... إنها
غلطة العمر.
كلما يذكرها يسحقه
الندم والحزن
في داخله.
ومثله
أيضاً طبيب
تسبب في موت
مريض تحت
علاجه. وكان
من الممكن
جداً إنقاذ
حياته. ولكنه
مات نتيجة
غلطة غير
مقصودة.
ولكنها غلطة
العمر. تظل
تتعب ضمير
الطبيب كلما
تذكرها...
وقد يكون
السبب في موت
المريض غلطة
ممرضة وفي كل
الحالات هي غلطة
عمر. لأنه ضاع
فيها عمر
إنسان.. والذي
أضاعه يظل طول
عمره متعب
الضمير. إن
كان ضميره حياً.
***
وقد يخطيء
زوج في حالة
إثارة فيضرب
زوجة كان يحبها..
وتكون
الزوجة رقيقة
الشعور. فلا
تحتمل ضربه لها.
أو اهانته لها
التي حطمت
كرامتها.
وحطمت معها كل
عاطفة سابقة. فتترك
البيت ولا
ترجع مهما ندم
وحاول أن يصالحها...
ولكن الإهانة
كانت أعمق
بكثير من كل
محاولات
الصلح..
وتنتهي
الحياة
الزوجية. إنها
غلطة عمر ...
وقد يشبه
هذا الأمر
أيضاً: إن كان
الزوج قد ألقي
علي زوجته
يمين الطلاق
بالثلاثة..
وقد يندم. ولا
فائدة. ويشتاق
إلي الحياة
مرة أخري مع
زوجته. وتقف
أمامه غلطة
العمر...
***
من أنواع
غلطات العمر
أيضاً: ما
يتعلق بالإدمان
شخص مرتبط.
بمجموعة
متحابة من
الأصدقاء.
يدعونه في
إحدي
المناسبات
إلي تدخين
سيجارة. أو تناول
مخدر ما. ومن
أجل محبته
لهم. أو
مجاملتهم. أو
مجاراة
المجموعة في لهوها
ومتعتها.
يستجيب لما
يطلبونه منهم.
يتناول ذلك
النوع من
المخدر. وهو
لا يحسب في
فكره ما يجره
عليه من نتائج
وبمرور
الوقت يتحول
الأمر إلي
إدمان. ويتسلط
عليه ويفقده
إرادته. وإن
حاول أن
يتخلص. منه لا
يستطيع. بل إن
حاول أن ينفصل
عن هذه
المجموعة من
الأصدقاء. لا
يستطيع
أيضاً.. بل
يندر أن
يحاول...
وتضيع
صحته.
وإرادته.
وسمعته وسط
أهله. ويقع في
مشاكل مالية
متعددة. وتصبح
شخصيته
مختلفة تماماً
عما كان عليه
من قبل.. ويري
أن أول سيجارة
له. أو أول كأس.
أو أول حبة
مخدرة. إنما
كانت غلطة
العمر..
***
ومثل هذا
الوقوع تحت السيطرة
علي الإرادة
والأعصاب:
وقوع آخر
في السيطرة
تحت فكر ملحد
أو فكر متطرف
شخص يقرأ
كتباً مليئة
بالشكوك ضد
الإيمان. تنكر
وجود الله أو
عمله أو
صفاته. وتحطم
كل الأمور
اليقينية
التي في قلبه
وضميره.. أو عن
غير القراءة
يتصل بجماعة
من ذوي الفكر
الشيوعي أو المتطرف
تؤثر عليه
بحيث تضمه إلي
نفس فكرهم.
فيؤمن بما
يقولون.
ويسلّم به
تسليماً.
وينقاد إلي نفس
طريقهم...
مهما حاول
أن يتخلص من
ذلك الفكر. قد
لايستطيع.
وربما يكون قد
تورط مع هؤلاء
تورطاً لا
يملك منه
فكاكاً..
وإذا بأول
كتاب قد قرأه
في الإلحاد
كان غلطة عمر
وأول
ارتباط له
بتلك
المجموعة كان
أيضاً غلطة عمر
***
لذلك
احترس أيها
القاريء
العزيز من تلك
الغلطات التي
تقودك إلي
طريق مسدود.
بلا رجعة...
والتي
توقعك بغير
قيام...
وتظل طول
عمرك تندم.
ولا ينفعك
الندم.