خطورة
الكلام
بقلم
قداسة البابا
شنوده الثالث
8/7/2003
جريدة
الجمهورية
يستهين
البعض
بالكلام. كما
لو كان لا
يمثل أية
خطورة!
وإن
سألتهم عن بعض
ما قالوه.
يجيبوا : أما
هو كلام؟!
حتي الوعد
الذي يعدون به
غيرهم. أحيانا
لا يلتزمون
به. ما دام
مجرد كلام.
ليس مكتوبا
ولا موثقا!
وربما
الإهانة التي
يجرحون بها
شعور البعض. لا
يحسبون لها
حسابا. انها
مجرد كلام.
وإن استاء
البعض من
عبارة تلفظوا
بها. يتعجبوا
منه قائلين:
أتستاء من
مجرد كلمة
كهذة؟! غير
عالمين أنه قد
يكون الكلام
أحيانا كسهام.
لذلك نود
ههنا أن نتكلم
عن خطورة الكلام.
***
أول خطورة
للكلام. إنها
في نفس الوقت
تعبر عن حالة
القلب. لأنه
من فيض القلب
يتكلم اللسان.
فخطايا
اللسان - من
جهة الترتيب
الزمني - هي خطايا
ثانية..
فالخطية تبدأ
من القلب.
وبعد ذلك يعبر
عنها اللسان:
إن كان في
القلب عداوة
أو حقد. يظهر
كل هذا في كلمات
اللسان. وإن
كانت في القلب
شهوة. تظهر الشهوة
في عبارات
الكلام. وإن
كان في القلب
غضب أو قسوة.
يعبر عنهما
اللسان.
فالانسان
الذي يثور
ويتلفظ
بكلمات كلها
غضب وقسوة. لا
تعتذر عنه
قائلا "ولكن
قلبه أبيض"!!
كلا. فلو كان
قلبه حقا
أبيض. لكانت
ألفاظه أيضا
بيضاء..
علاقة
القلب
بالكلام.
كعلاقة
الشجرة
بثمارها:
لأن كل
شجرة تعرف من
ثمرها..
الشجرة
الجيدة لا يمكن
أن تثمر ثمرا
رديئا.
والشجرة
الرديئة لا تثمر
ثمرا جيدا.
كذلك كل شجرة
بالضرورة
تثمر ثمرا من
نوعها. شجرة
الفل لا تثمر
شوكا. والشوك لا
ينتج وردا.
هكذا الناس :
من ثمارهم
تعرفونهم.
من نوع
كلامهم. تعرف
نوعية
شخصياتهم
وعقلياتهم
وثقافتهم.
إذن هناك
خطورة أخري
للكلام. وهو
أنه يكشف الناس
ولذلك
فإنه : إن صمت
الجاهل قد
يحسب حكيما.
وخير له أن
يصمت. لأن
الكلام
يكشفه..
بكلامه تعرف بيئته
الاجتماعية.
وتعرف
معلوماته. بل
قد تعرف أخلاقه
أيضا..
قيل إن
حمارا تنكر في
شبه أسد. فلما
رفع صوته وصاح.
عرفت حقيقته..!
***
خطورة
ثالثة للكلام.
وهي أن
الانسان -
باللسان - قد
يكرم أو يهان..
وهكذا قال
السيد المسيح
"بكلامك
تتبرر. وبكلامك
تدان". الكلام
الصالح يرفع
من قدر الإنسان.
وينفع غيره
أيضا. مثل
كلام التعليم.
وكلام النصح
والإرشاد. وكلام
التشجيع.
أما
الكلام
الخاطئ فله
دينونته. ليس
فقط أمام الله
علي الأرض وفي
السماء. بل
إنه يدان من
الناس أيضا
سواء بالقول
أو بالفكر. أو
بالقضاء كما
يحدث في قضايا
السب العلني..
أو في ما يختص
بالتشهير
وإساءة
السمعة. أو
إشاعة الفرقة
بين الناس. أو
قضايا الفتنة.
وما أشبه..
***
خطورة
رابعة للكلام
: أن الكلمة
التي يلفظها الإنسان.
لا يمكن أن
ترجع..
إنها تصل
إلي اذن
السامع. وتحدث
تأثيرها في فكره.
وفي قلبه
وإحساساته
وشعوره. وقد
تستقر في ذاكرته
إلي مدي طويل.
لا يستطيع
قائلها أن
يسترجعها.
محال..
قد يعتذر
عنها. أو
يحاول
تبريرها. أو
يقول "لم أكن
أقصد.." ولكن
الكلمة سجلت
عليه وانتهي
الأمر. وقد
يحاسب عليها.
ولو بعد زمن..
فلو قلت
كلمة أهنت بها
إنسانا أو
جرحت شعوره. أو
كشفت بها
مشاعرك من
نحوه.. قد تظل
هذه الكلمة
كامنة في
قلبه. تؤلمه.
مهما اعتذرت
عنها.. وقد
يذكرها لك ولو
بعد سنوات!
وهل لو قلت
كلمة أذعت بها
سرا قد أؤتمنت
عليه. وما كان
ينبغي أن
يعرف.. هل تظن
هذا الأمر
يزول بالاعتذار
أو التبرير؟!
كلا. أم انك
سوف لا تؤتمن
مستقبلا علي
سر آخر. وتلصق
بك وصمة إفشاء
الأسرار..
***
من أجل هذا
كله. كثير من
الناس
يحترسون في
الكلام. اذا كان
أمامهم مسجل
للصوت Recorder
أو إذا
كانوا يخشون
من البعض أن
يسجل عليهم ما
يقولونه ولو
في السر.
والأولي
بهؤلاء أن
يحترسوا
باستمرار في
أحاديثهم. لأن
كل كلمة يقولونها
مسجلة عليهم.
حتي من غير
مراقبة الناس.
يجب أن
تكون كل كلمة
لهم مسجلة في
ضمائرهم.
وأمام الله.
وقد قال
أحد الأدباء
الروحيين :
"تكلم كما لو كانت
كلماتك
مكتوبة بحروف
من نور علي
صفحة السماء..
وإنها
لكذلك..".
وعموما. كل
كلمة بطالة
يتكلم بها
الناس. سوف يعطون
عنها حسابا في
يوم الدين..
ولا ينجون من
هذا الحساب
إلا إذا تابوا
عنها. وأصلحوا
نتائجها علي قدر
ما يستطيعون..
***
لذلك
ينبغي أن
يتباطأ
الإنسان
كثيرا قبل أن
يتكلم. فيزن
الكلمة جيدا.
قبل أن يلفظها
بفمه..
يزن
الكلمة من جهة
معناها
ومفهومها.
ومدي تأثيرها
وردود فعلها.
ومناسبتها
للوقت
وللحاضرين.
وأنها لا تقبل
معني آخر مثل
هذا الشخص
يقول الناس
عنه : إن كلامه
موزون..
اذن ليكن
كل إنسان
مسرعا إلي
الاستماع.
مبطئا في
التكلم.. ينصت
جيدا ويفهم ما
يقال. قبل أن
يجيب. وقبل أن
يتدخل في أي
حديث أمامه
وأي حوار.
ذلك لأن
المسرع في
الكلام معرض
للخطأ. مهما
كانت درجته.
***
ما أكثر
الذين ضيعهم
لسانهم..
وكلامهم..
وكان
الخطأ الجسيم
الذي وقعوا
فيه. هو مجرد
كلمة أو مجرد
عبارة لم
يحسنوا
اختيارها..ربما
عبارة غير
مؤدبة أو غير
لائقة. رد بها
موظف علي رئيسه
في العمل. أو
رد بها طالب
علم علي
استاذه في
الجامعة. كانت
سببا في مشاكل
له في حياته.
استمرت إلي
سنوات..
كلمة
واحدة يمكنها
أن تسبب مشكلة
عائلية. وكلمة
أخري قد تسبب
مشاجرة في
قرية. أو
مخاصمة بين
صديقين. وأيضا
كلمة متعددة
المعاني قد
تسبب أزمة
سياسية بين
دولتين.
لذلك.
فالخطورة
ليست في مجرد
الكلمة
باستمرار. بل
في نتائجها.
***
وتزداد
خطورة بعض
الكلام
بتوصيله من
شخص لآخر
وتوصيل
الكلام. علي
درجات ثلاث من
الخطورة:
أقلها
توصيل الكلام
كما هو. وأسوأ
من هذا. أن يوصل
انسان مفهومه
الخاص لما
سمعه من كلام.
وقد يكون
مفهومه هذا
علي غير ما
قصد المتكلم!
وأسوأ من الكل
أن يضيف
السامع كلاما
من عندياته - فوق
ما سمعه -
ويوصل ذلك
كله.. أو يخترع
كلاما فوق
الكلام
ويوصله..!
ولا شك أن
توصيل الكلام
قد يسبب
خصومات بين الناس..
وبسبب هذا
يدان أمام
الله.. ليس فقط
علي الكلام
الذي قام
بتوصيله. إنما
أيضا بسبب
نتائجه وما
أحدثه من
خصومات.
***
وقد
يتضايق الشخص
الذي أوصل
انسان آخر
كلامه الي
غيره. ويوبخه
علي ذلك. ويتهمه
بإساءة
علاقاته مع من
يمسه الكلام.
ولا شك أن له
الحق في كل
هذا. ومع ذلك
نقول له :
إن كنت
تتضايق من
وصول هذا
الكلام إلي
غيرك. فلماذا
تقوله؟
لماذا
تقول كلمة. إن
وصلت تسبب
مشكلة؟!
لماذا لا
تحترس حينما
تقول كلاما
يمس إنسانا؟
قبل أن تقول
هذا الكلام.
افترض أن
الكلام قد
يصله. فليس كل
سامعيك
حريصين علي
الكتمان.
إن كل كلمة
مسجلة علينا.
علي الأقل
أمام الله..وحتي
إن كان الناس
لا يسجلونها
علينا في مسجلات
صوتية. فقد
يسجلونها في
ذاكرتهم ولا
ينسونها. وقد
لا تمسهم تلك
الكلمة.
ولكنها تمس
قائلها. أعني
تعطي فكرة عن
شخصيته وعن
أخلاقه.
ويستنتج
الناس منها
أشياء. ويمسكونها
عليه.
ويعيرونه
بها.. ويقولون
له "لغتك
تظهرك".
***
ليتنا
بهذه
المناسبة.
ندرب أنفسنا
علي ضبط اللسان
متذكرين
قول سليمان
الحكيم "كثرة
الكلام لا تخلو
من معصية" ومتذكرين
أن الكلام
الباطل ما
أسهل أن يبرد
القلب. ويفقده
حرارته
الروحية التي
يحصل عليها من
كل عمل روحي.
كما أن الكلام
الباطل يشتت
الفكر. ويبعده
عن الله.
إن الكلمة
الخاطئة. لها
تأثيرها علي
المتكلم وعلي
السامع
الكلمة
لاتصل فقط إلي
آذان
السامعين.
وإنما أيضا تصل
إلي أذهانهم
وقلوبهم.
وتعمل عملا..
إنها تصل
أيضا الي
المشاعر. وقد
تسبب انفعالات
معينة. وقد
تلد في الذهن
افكارا
وظنونا وتخيلات..
لا توجد
كلمة عقيمة.
فما أكثر ما
تلده الكلمة من
بنين وبنات..
وما أكثر
الرحلات التي
تعبرها
الكلمات من
شخص إلي شخص.
ومن بلد إلي
بلد. وقد تقول
كلمة في بلد
ما. ثم تسافر
فتجدها قد
وصلت قبلك الي
المكان الذي
سافرت إليه.
وتنتظرك هناك
بكل
تأثيراتها..
***
علي أن
خطورة أخري من
جهة الكلام
وهي:
قد تتوب
أنت نادما علي
كلمة خاطئة
لفظتها
بينما
آثارها في
الآخرين
قائمة ضدك لم
تعالج بعد
فمثلا. قد
تقول كلمة
تسبب سوء
تفاهم بين
اثنين. ثم تندم
علي تلك
الكلمة. ومع
ذلك فسوء
التفاهم الذي
سببته أنت
بكلمتك. لا
يزال قائما
بين الاثنين.
فهل توبتك علي
كلمتك عالجت
نتائجها؟! أو
قد تسئ إلي
سمعة إنسان
بكلام معين
وتشهر به. ثم
يتعبك ضميرك
وتندم علي ما
قلته وتتوب عنه.
ولكن سمعة ذلك
الشخص لا تزال
مشوهة. وشعوره
لا يزال
مجروحا بسببك!
فما يمكنك
أن تفعل
لمعالجة آثار
كلامك؟
أتشعل
نارا في مكان
بكلمة منك. ثم
تقول ندمت وتبت؟
والنار لا
تزال مشتعلة
حيث أوقدتها!!
أتضع
شكوكا في قلب
إنسان وفي
ذهنه نتيجة
كلامك. وتتركه
يتلوي في
شكوكه. وتندم
أنت وشكوك ذلك
الشخص لا تزال
تتعبه!
سواء كانت
تلك الشكوك في
شخص أو في
عقيدة!
***
شخص يؤمن
بفكرة معينة.
ويقف علي
المنبر لينشرها
لعقيدة!
ويدعو
الناس أن
يؤمنوا بها.
وقد تكون
بعيدة تماما
عن المفهوم
الصحيح للدين.
ولكنه يريد أن
يثبتها
بكلامه. بل يكون
له بها شيعة
تتبعه. ويصل
إلي هذا.
وربما بمجموعة
تابعيه يحدث
انقساما في
الوسط الذي يعيشه.
ومن هنا
تكون الخطورة
لكلامه. في
التعليم وفي الانقسام
ولكن هذا
النوع من
الناس لا يندم
علي ما يقوله.
بل يتحمس له.
ولا يندم علي
ما أحدثه من
انقسام. بل
يعتبر ما
يفعله
انتصارا للحق.
لأنه يؤمن أن
ما يقوله هو
الحق.