هدوء
الأعصاب
وهدوء اللسان
بقلم
قداسة البابا
شنوده الثالث
11/3/2003
جريدة
الجمهورية
هدوء
الأعصاب
هناك
أشخاص
أعصابهم
هادئة. وآخرون
أعصابهم ملتهبة
الإنسان
الهاديء
الأعصاب لا
ينفعل بسرعة.
وربما لا
ينفعل أيضا
ببطء.. كأنه
الجبل الراسي.
أو كالجنادل
الستة التي
تعترض مجري
النيل في
النوبة: مهما
عصفت بها الأمواج.
تبقي هادئة في
مكانها. لا
تتأثر بشيء من
الصخب الذي
حولها.
أما الشخص
الثائر
الأعصاب. فإنه
ينفعل بسرعة. يثور
ويصخب ويضج.
ربما لأتفه
الأسباب. أو
لغير ما سبب.
لمجرد شكوكه
الداخلية
وتصوراته
للأمور.
***
الإنسان
الهاديء
الأعصاب. هو
إنسان قوي
بهدوئه
يثبت ان
الأسباب
الخارجية
عجزت عن أن تثيره.
بل ان أعصابه
القوية
استطاعت أن
تصمد أمامها.
وبسبب قوته
الداخلية هذه.
ينال احترام الناس
وإعجابهم.
أما
الثائر
الصاخب. فمهما
ثار وضج. وشتم
وهدد. وبدا
وكأنه يخيف
غيره. فإنه لا ينال
احترام أحد.
ثورته تدل علي
ضعف اعصابه. أو
ضعف شخصيته.
إن أراد
أحد أن يجعله
منظرا للناس
وهزأة. فإنه
يستطيع.
كمثال
لذلك: إن وجد
مدرس ضعيف
الاعصاب لا
يحتمل خطأ أو
إثارة من
طالب. فإن أي
تلميذ يمكنه
أن يقول
لزميله: أريد
أن اجعلك
تتفرج علي هذا
المدرس وهو في
حالة عصبية.
ليست مخيفة
للتلاميذ بل
هي مضحكة؟!..
ويتصرف
التصرف الذي
يعرف ان
المدرس سيثور
بسببه.. ثم
يتفرج عليه!
***
هدوء
الاعصاب
يتعلق بسببين:
أحدهما جسدي
والآخر نفسي:
والأسباب
العضوية التي
تتعب الاعصاب
كثيرة. وليس
مجالها الآن.
ولكننا
سنتعرض هنا
إلي سبب جسدي
كثيرا ما يتعب
اعصاب الناس.
حتي الفضلاء
منهم. وهو
الإرهاق.
فإن كان
الجسد مرهقا
بسبب التعب
والمهجود الزائد.
حينئذ تكون
الاعصاب في
حالة عدم
الاحتمال.
نصيحتي لك
في هذه
الحالة. لا
تدخل في حديث
طويل ولا في
نقاش مع أحد.
وبخاصة مع
الذين يتصفون بصلابة
الرأي وليس من
السهل
اقناعهم.. ولا
يصح في حالة
الإرهاق هذه.
أن تبت في أمر
هام. أو تتعرض
لحل مشاكل.
احترس من
الجدل وأنت
مرهق. فربما
تفقد اعصابك..
حالة
الإرهاق
يلزمها النوم.
أو علي الأقل
الراحة
والاسترخاء.
وعلي أحبائك
أن يلاحظوا
حالات
الإرهاق التي
تكون فيها.
فلا يدخلوا
معك أثناءها
في مناقشة أو
حل مشكلة.
***
ومن
الوسائل التي
تساعد علي
هدوء الاعصاب.
روح المرح
والبشاشة.
فالمرح
يوجد في الجسد
حالة من
الاسترخاء
تريح الاعصاب.
وكل الذين
يتصفون بروح
المرح. تكون
اعصابهم
هادئة. ولا
يتضايقون
بسرعة. وربما
يقابلون
الإثارة بفكاهة
تضحك مثيريهم
ايضا. ويهدأ
الأمر.
أما
المتزمتون
الذين يظنون
الضحك خطية أو
نقصا في
الروحانية.
فغالبا ما تجد
اعصابهم متوترة..
والجدية
الخشنة التي
يقابلون بها
تصرفات الآخرين.
كثيرا ما تفقد
الجو هدوءه
فيتأزم..
أرجو أن
نعود إلي هذه
النقطة فيما
بعد. حينما نتحدث
عن مسببات
الهدوء.
وننتقل حاليا
إلي الحديث عن
الأضرار التي
تنتج عن عدم
هدوء الاعصاب.
***
الشخص
الثائر
الاعصاب يؤذي
نفسه نتيجة
لاعصابه
المتوترة. كما
يؤذي غيره
أيضا.
يؤذي نفسه
بأمراض
الاعصاب. وبما
ينتج عن انفعالاته
أو ثوراته من
أمراض القلب
وضغط الدم. وكذلك
الأمراض
النفسية
العديدة. وقد
يضطر إلي تعاطي
المهدئات
والمسكنات
والمنومات.
التي تريح
اعصابه إلي
حين. ثم يرجع
الشد مرة أخري
بدوافع نفسية
من الداخل
ودوافع مثيرة
من الخارج.
فيرجع إلي
المهدئات مرة
أخري. وربما
بكميات أكبر.
وتصبح
اعصابه مثل
الاستك الذي
بتوالي شده
وإرخائه. يفقد
مرونته ويتلف.
ويدخل في
دوامة من
مشاكل
الأمراض
العصبية التي
يحاول الطب
معالجة
نتائجها.
بينما الأهم هو
معالجة
اسبابها.. وفي
مقدمة ذلك:
الاقتناع بالهدوء.
فالنفس
الهادئة لا
تصاب بأمراض
عصبية. ولا
تحتاج إلي
مهدئات. لانها
هادئة
بطبيعتها.
***
الشخص
الذي يتحكم في
اعصابه
ويهدئها.
يمكنه أن
يتحكم أيضا في
ألفاظه ولا
يخطيء.
وكذلك
يمكنه أن
يتحكم في
تصرفاته.
ويكون عنده ضبط
نفس. وبهذا
كله يكسب
المواقف ولا
يخسرها. وتتحسن
علاقاته مع
غيره.
لذلك إن
وجد إنسان أن
اعصابه غير
هادئة. عليه أن
يؤجل بعض
اللقاءات
والاجتماعات
التي يفسدها
عدم هدوء
الاعصاب.
ويؤجل ايضا
اتخاذ قرارات
وهو في هذا
الحالة.
***
علي أن
هدوء الاعصاب
يتعلق
بالحياة
الروحية بصفة
عامة
فالإنسان
الروحي يدرب
نفسه علي
الوداعة وعدم
الغضب. كما
يدرب ذاته علي
ضبط النفس
والتحكم في
الفاظه. وعلي
السلام مع
الناس.
وبالتالي يصل
إلي هدوء
الاعصاب.
لذلك.
للوصول إلي
هدوء الاعصاب.
يلزم معالجة العوامل
النفسية
الداخلية
التي توصل إلي
توتر الاعصاب.
ومن ضمنها
الحساسية
الشديدة نحو
الكرامة الشخصية.
والتأثر بأقل
لفظ يظنه
جارحا له.
كذلك موقفه من
اخطاء
الآخرين
ومقابلتها بالعنف.
ومحاولة
الانتقام
لنفسه محافظة
علي حقوقه!.. كل
هذه الأمور
تحتاج إلي
موقف روحي سليم.
وإلي اقتناع
داخلي بأنه
يمكنه
الاحتفاظ بشخصيته
وحقوقه
وكرامته
بالأسلوب
الهاديء.
***
ويجب أن
يعرف الشخص أن
ثورة الاعصاب
هي من الاخطاء
المكشوفة
فهي نقطة
ضعف واضحة أمام
الناس. تصرخ
قائلة إن
صاحبها عجز عن
حل مشكلته
بالعقل
والمنطق. وعجز
عن حلها
بالهدوء والاحتمال.
فلجأ إلي
الاعصاب.
والذي تثور
اعصابه. يقدم
دليلا علي أن
الشر قد غلبه.
ولم يستطع هو مقاومته.
فثار. حقا ما
أجمل هذه
العبارة:
"لا
يغلبنك الشر.
بل اغلب الشر
بالخير".
إن الثائر
الاعصاب شخص
منهار. أما
الهاديء الاعصاب
فهو إنسان
متماسك.
هدوء
اللسان
اللسان
الهاديء
محبوب من
الكل. واللسان
غير الهاديء
يوقع صاحبه في
أخطاء كثيرة.
يحتفظ
الإنسان
بهدوئه. إذا
ما احتفظ
بوقاره ووضع
أمامه المثل
القائل
"الاستماع
أفضل من التكلم".
ولم يتكلم في
ما ليس له به
علم..
أما
اللسان غير
الهاديء. فلا
يستطيع أن
يضبط نفسه
ويصمت. فهو لا
يبطل الكلام
إطلاقاً. حتي
في أدق نقاط
العلوم. وفي
أدق أخبار
السياسة! المهم
أن يتكلم
وكفي.. حتي في
أخبار الناس
وسيرتهم
وأسرارهم. وفي
خصوصيات غيره!
إنه لسان طائش
غير هاديء.
غير منضبط.
ومن عدم
هدوئه. لا
يستطيع صاحبه
أن يتحكم فيه.
ولا أن يهدئه.
إذن يحتاج
كل إنسان أن
يلجم لسانه.
ولا يتركه علي
حريته جامحاً
من موضوع إلي
موضوع. بغير
انضباط وبغير
هدوء. وإن لم
يستطع فليقل
مع المزمور
"ضع يارب
حافظاً لفمي.
باباً حصيناً
لشفتيّ".
***
وأيضاً من
عدم هدوء
اللسان: حدّة
الصوت وعلوه وصخبه
الإنسان
الهاديء
يتكلم بصوت
هاديء. كأنه
النسيم
العابر. أما
غير الهاديء.
فيتكلم بصوت
كأنه
العاصفة.. وإن
كان الصوت
العالي
يستخدم وسط الجماهير
لكي يسمعوا.
فما لزوم
استخدامه في الأحاديث
الخاصة؟!
الشخص الهاديء
لا يرفع صوته
وهو يتحدث مع
غيره. ولا يعلو
صوته فوق
احتياج
السامع. لذلك
فهو في نقاشه
لا يحدث
ضجيجاً.
أليس
أمراً معيباً
أن يتناقش
البعض. فتعلو
أصواتهم
وتتداخل. حتي
ليحسبهم
سامعوهم
يتشاجرون؟!
نعم. هناك
أشخاص يصيحون
حين يتكلمون.
ويصرخون حين
يهمسون!
ويتكلمون
بسرعة وفي
صوتهم ضوضاء.
***
ومن مظاهر
عدم هدوء
الصوت أيضا:
الألفاظ الشديدة
الجارحة..
كإنسان
مثلاً: كلامه
شديد وصعب.
كلام مرّ وجارح.
ناقد ولاذع
وهدّام. تخرج
الكلمات من
فمه. وكأنها
قذيفة اندفعت
من صاروخ!
بينما يستطيع
أن يعبر عن
رأيه وما
يقصده بألفاظ
هادئة.
ومن مظاهر
هدوء اللسان.
هدوء الحوار:
الإنسان
الهاديء
يناقش في
هدوء. وبهدوئه
يكسب من
يحاوره.
آما
المناقش غير
الهاديء. فإنه
يحول الحوار إلي
عراك وشجار.
تحمي فيه
المناقشة.
ويتوتر الجو
ويتكهرب إلي
أبعد حدّ.
تجد في
أسلوبه قفزاً
وهجوماً.
واستعداداً
عنيفاً للرد
قبل أن يسمع
الرأي الآخر.
وهو يحاورك لا
لكي يفهمك. أو
يصل معك إلي
الحقيقة..
إنما يناقشك
لكي يفحمك.
ولكي يهزمك.
ويحطم آراءك
ويظهر ضعفك..
وأثناء
المناقشة لا
مانع عنده من
أن يتهكم عليك
وعلي آرائك.
ويهزأ بك
وبها.. كأنه عدو
يريد أن ينتقم
منك!!
***
أما المناقش
الهاديء. فإنه
يكسبك صديقاً
له. أثناء حواره
معك!
يتكلم في
موضوعية. بكل
هدوء بلا
عصبية. ولا يتعرض
لشخصك. ولا
يقاطعك أثناء
كلامك. وإن
كنت ثائراً
يهدئك.
وقد يقنعك.
وتوافقه علي
رأيه. دون أن
تشعر أنك خرجت
منهزماً.
هدوؤه لا
يشعرك مطلقاً
أنكما خصمان.
إنما صديقان
يحاولان معاً
أن يصلا إلي
الحقيقة. بعكس
المناقش غير
الهاديء. الذي
تحمر عيناه
أثناء
المناقشة.
ويعلو صوته
ويحتد. ويعترض
في عصبية وعنف
وربما في
إهانة!
غير
الهادئين إذا
تناقشوا
يقاطعون
بعضهم بعضاً.
وقد يكون خمسة
في مناقشة.
أربعة
يتكلمون في
نفس الوقت. وواحد
فقط يسمع منهم
ذلك الضجيج!
وليس عند أحد من
الباقين
استعداد لأن
يسمع غيره!!
أفكار
كثيرة تتصارع.
بينما الحق
واحد. ولكن كل
إنسان يظن أن
الحق هو فكره
الخاص. وكل
الباقين علي
خطأ!! بينما
بالهدوء يمكن
أن تتلاقي أفكار
الناس مهما
اختلفت.. في
هدوء الحوار
المشبع بالحب.
***
وما قلناه
عن الحوار.
يمكن أن نقوله
عن العتاب:
العتاب
الهاديء يوصل
إلي الصلح.
والعتاب الصاخب
يزيد الفرقة.
تعاتب
الطرف الآخر
فيما بينك
وبينه. ولا
تحاول أن تثبت
له أخطاء
بطريقة تجرح
مشاعره. فهذه قال
عنها الشاعر:
ودَع
العتاب فربّ
شر :. كان أوله
العتاباً
***
وأخيراً.
ليس المطلوب
فقط أن يكون
اللسان هادئاً.
بل بالأكثر أن
يكون أيضاً
مهدئاً..
حسبما
يقول الحكيم
"الجواب
اللين يصرف
الغضب"
الشخص
الهاديء يفيض
من هدوئه علي
الآخرين. فيهدئهم
إن كانوا
ثائرين. أما
غير الهاديء
فيتعب
أعصابهم
بهياجه.
ويثيرهم إن
كانوا هادئين.