كيف
تحب
الناس..ويحبونك؟
بقلم
قداسة البابا
شنوده الثالث
23/12/2003
جريدة
الجمهورية
المحبة هي
قمة الفضائل
كلها. أو هي
جماع الفضائل
كلها
ومقياس
التدين هو
مقدار ما في
القلب من حب
لله. ومن حب
للخير. وحب
للغير. وجزاء
الانسان يكون بقدر
عمله لهذا
الحب.
لهذا ينبغي
أن يدخل الحب
في كل فضيلة.
لكي يعطيها قيمتها
ويعطيها
عمقاً ومعني
وحرارة روحية.
كما ينبغي
أيضا أن يدخل
الإتضاع في كل
فضيلة. لكي يحفظها
من الزهو
والخيلاء
والمجد
الباطل..
والذي
يهتم بالناس.
عليه أن يتعلم
الحب أولاً.
قبل أن يبدأ
في خدمتهم.
فالناس
يحتاجون إلي
قلب واسع.
يحسّ
احساساتهم.
ويشعر بهم.
ويتألم
لآلامهم.
ويفرح
لأفراحهم.
ويحتمل
ضعفاتهم. ولا
يحتقر
سقطاتهم. بل
يحتاجون أيضا
إلي قلب يحتمل
جحودهم إن
جحدوا. ويحتمل
صدودهم وعدم اكتراثهم..
***
والانسان
الذي يعيش
بالحب عليه أن
يحب الكل. ذلك
أن القلب
الضيق هو الذي
يحب محبيه
فقط. أما
القلب الواسع
فإنه يحتوي
الجميع
بداخله. ولا
يتضيق بأحد..
إن القلب
الخالي من
الحب. هو خالي
من عمل الله فيه
أما القلب
الذي توجد فيه
الكراهية
والحقد فهو
مسكن للشيطان.
علينا إذن
أن نكون
إيجابيين في
محبة الناس.
وإن لم نستطع
أن نحب انساناً
معيناً. فعلي
الأقل لا
نكرهه. وكذلك
إن لم نستطع
أن ننفع
شخصاً. فعلي
الأقل لا
نضره..
ولنكن
مصدر خير لكل
أحد. بقدر ما
يعطينا الله من
نعمة..
***
كيف تكتسب
محبة الناس:
هناك
قواعد عامة
عليك أن
تتبعها لكي
تكتسب محبة
الناس ونحاول
هنا أن نعرض
بعضاً منها:
1- ضع هدفاً
واضحاً أمامك.
أن تكسب محبة
الناس. ولو
أدّي بك الأمر
أن تضحي في
سبيل ذلك:
هناك
أشخاص يهمهم
ذواتهم فقط.
ولا يهتمون
بالآخرين. فهم
لا يبالون إن
غضب فلان
أورضي. أما أنت.
فاحرص علي
شعور كل أحد.
وحاول أن تكسب
كل أحد. لأن
رابح النفوس
حكيم.
وإن عرفت
أن أحد الناس
متضايق منك.
فلا يهدأ قلبك
حتي ترضيه. واجعل
كل أحد يحبك.
وعلي قدر
طاقتك إن
استطعت سالم
جميع الناس.
لذلك قدم
للناس محبتك.
واكتسب
محبتهم.
واعتبر أن
محبة الناس
كنز ثمين يجب
أن تحرص عليه.
***
2 - وفي سبيل
محبة الناس.
احترم كل أحد.
حتي من هو أصغر
منك أو من هو
أقل منك
شأناً.
غالبية
الناس
يحترمون من هم
أكبر منهم. أو
من هم أعظم
مركزاً
ولكنهم
يتجاهلون من
هم أقل منهم.
وبهذا يخسرون
الكثيرين..
أما أنت
فتدّرب علي
احترام الكل
وتوقير الكل. لا
تقل كلمة فيها
إقلال من شأن
أحد. أو جرح
لشعور إنسان.
ولا تعامل
أحداً باحتقار
أو باستصغار.
ولا تتجاهل
أحداً مهما كان
مجهولاً.
درّب نفسك
علي اعتبارات
تقدير وتوقير
بالنسبة إلي
أولادك أو
أخوتك الصغار
أو مرؤوسيك أو
خدمك.. وأعلم
أن أمثال هذه
العبارات لن
تُنسي. بل
سيذكرها
أولئك الصغار
طول العمر.
وسترفع من
روحهم
المعنوية.
وستجعلهم يحبونك.
إن كثيراً من
الكبار ينسون
احترامك لهم.
لأنه شئ عادي
بالنسبة
إليهم. أما
الصغار فلا
ينسون. بل
احترامك لهم
عمل باقي في
قلوبهم وذاكرتهم.
لا يضيع..
واعرف أن
الله لا
يحتقرنا علي
الرغم من
الفارق اللا
نهائي بين
عظمته
وضآلتنا. ومع
ذلك فالله -
تبارك اسمه - يتنازل
ويكلمنا.
ويتضع
مستمعاً
إلينا. مهتماً
بخلاص نفوسنا.
***
3 - لذلك فإن
تواضعك في
معاملة الناس.
عامل مهم في
كسب محبتهم
لك:
لا تكلم
أحداً من فوق.
ولا تتعال علي
أحد. بل عامل
الكل باتضاع.
فإن الناس
يحبون
المتضعين. إن
كان لك مركز
كبير. إنس
مركزك وعش مع
الناس كواحدي
منهم. لا
تشعرهم
بفارق..
إن
الاتضاع
يستطيع أن
يفتح لك حتي
القلوب المغلقة.
واعرف أن
الناس قد
يخافون من هو
عالي وكبير
منهم. ولكنهم
يحبون من ينسي
مركزه في محبتهم.
اكسب اذن محبة
الناس لا
خوفهم منك.
لا تطلب أن
تكون فوق
رؤوسهم. انما
اطلب أن تكون
داخل قلوبهم..
ولا تظن أن
تواضعك للناس
يقلل من شأنك.
بل علي العكس
يرفعك
بالأكثر.
***
4- إن أردت
أن يحبك
الناس. اخدمهم
وساعدهم. وابذل
نفسك عنهم.
اشعرهم
بمحبتك بما
تقدمه لهم من
معونة ومن عطاء
وبذل. إن
الذين يحبون
ذواتهم.
يريدون باستمرار
أن يأخذوا وأن
يكسبوا. أما
أنت فلا تكن
كذلك. بل درب
نفسك علي
البذل والإعطاء.
ولتكن علاقتك
بالناس تهدف
إلي مصلحتهم
هم. وليس إلي
مصلحتك أنت.
انظر كيف
تريحهم وتجلب
السرور إلي
قلوبهم. وكيف
تدخل الفرح
إلي حياتهم.
بهذا يحبونك.
إن أكثر
انسان مكروه
هو الشخص
الأناني. وأما
اكثر انسان
محبوب فهو
الانسان
الخدوم
الباذل
المعطي..
***
ولا تظن أن
الطفل هو وحده
الذي تعطيه
فيحبك. بل حتي
الكبير أيضاً
الله نفسه.
وعلاقته مع
الناس علاقة
عطاء باستمرار..
نحن أيضا
نعطيه من
وقتنا ومن
مالنا. ونقول
له "من يدك
اعطيناك"..
الأم
محبوبة جدا.
لأنها
باستمرار
تعطي وتبذل.
ونحن أيضا
نعطي الامهات
كل احترام وحب.
ونقدم لهن
الهدايا
والتقدير في
عيد الأم. وفي
مناسبات
عديدة.
وفي
العطاء : إن لم
يكن لك شئ
تعطيه للناس.
إعطهم
ابتسامة
لطيفة وكلمة
طيبة. اعطهم
حباً وحناناً.
اعطهم كلمة
تشجيع أو كلمة
دعاء. إعطهم
قلبك. إظهر
لهم أنك تريد
وأنك مستعد
لكل تضحية من
أجلهم.
***
5 - وإن أردت
أن يحبك
الناس. قابلهم
ببشاشة ولطف:
إن الشخص
البشوش شخص
محبوب. الناس
أيضا يحبون الانسان
المرح
واللطيف.
الانسان الذي
ينسيهم
آلامهم
ومتاعبهم
بكلامه العذب
وشخصيته المريحة..
لذلك حاول
باستمرار أن
تكون بشوشاً..
حتي في عمق
متاعبك
وضيقاتك. إنس
متاعبك لأجل
الناس.
لا تكلم
أحداً وأنت
مقطب الوجه
صارم الملامح.
إلا في
الضرورة
الحتمية لأجل
الصالح. وفي
غير ذلك كن
لطيفاً.
كلّم
الناس بكل أدب
ولياقة. لا
تعبّس وجهك.
***
6 - إن أردت
أن تكسب محبة
الناس. لا تكن
كثير الانتهار
والتوبيخ:
إن الكلمة
القاسية تكون
موجعة تتعب
الناس. والكلمة
الجارحة قد
تضيع المحبة
وتبددها. فلا
تكن كثير
الانتهار..
وإن أردت
أن توجه لوماً
أو نصيحة.
فليكن ذلك بهدوء
ووداعة وفي
غير غلظة. ولا
تشعر الناس
بكثرة توبيخك
أو بأنك
تكرههم. وإن
دعت الحاجة
إلي التوبيخ.
فليسبق ذلك
عبارة تقدير
أو عبارة مديح
أو مقدمة
لطيفة. تمهد
بها الجو
لقبول
التوبيخ. أو
علي الأقل
تخيّر
الألفاظ في
توبيخك. فلا
يكن كلامك
جارحاً
مهيناً. ولا
يكن ذلك أمام
الناس. حتي لا
يشعر من توبخه
بالذل
والخزي..
***
كذلك لا
توبخ علي كل
صغيرة وكبيرة.
إنما علي
الأمور
الهامة فقط:
لأنه لا
يوجد انسان
يخلو من
الذلل. ويمكنك
أن توجّه
الناس. دون أن
تجرحهم. ولا
توبخ كل أحد. لأن
سليمان
الحكيم يقول :
"وبّخ حكيماً.
يحبك. وبّخ
مستهزئاً
يبغضك".
واذا
انتقدت. فلا
تكن قاسياً في
نقدك. إنما تكلم
عن النقاط
الحسنة. قبل
أن تذكر
السيئة. واذا
انتقدت أحداً.
فلا تحطمه بل
كن رفيقاً به.
وليكن هدف
النقد هو
البناء وليس
الهدم.
***
7- وإن أردت
أن يحبك
الناس. دافع
عنهم وامدحهم.
حساس جدا
هو القلب
المسكين الذي
يجد الكل ضده.
ووسط هؤلاء إن
عثر علي انسان
يدافع عنه.
فإنه يهبه كل
قلبه. لذلك
دافع عن الناس
وبخاصة من
تجده في مأزق.
أو من تجد
الضغط شديداً
عليه. أو من
تراه مظلوماً
أو في حاجة
إلي من يدافع
عنه..
وفي
تعاملك مع
الناس. تذكر
حسناتهم وأنس
سيئاتهم.
وتأكد ان
كل انسان -
مهما كانت
حياته مظلمة -
لابد ستجد فيه
بعض نقاط
مضيئة بيضاء
تستحق المديح..
ابحث عن هذه
النقاط
وامتدحها
وابرزها. واظهر
انك تعرفها
وتقدرها.
عندئذ سيحبك
ذلك الشخص.
ويجد فيك
منقذاً
وظهيراً.
ويكون
مستعداً لقبول
توجيهك أو
توبيخك. بعد
أن أظهرت له
حبك.
***
لتكن
ألفاظك بيضاء.
حلوة في آذان
سامعيها:
حاول أن
تكثر من الفاظ
المديح لمن يستحقها..
لا تكن
شتاماً. ولا
هداماً. ولا
مستهزئاً. ومتهكماً
علي الآخرين..
اضحك مع
الناس. ولكن
لا تضحك علي
الناس..
اشعر كل
أحد بتقديرك
له. واعلن هذا
التقدير امام
الكل
استفد من
الخير الذي في
الناس. قبل أن
تنقد الشر
الذي فيهم.
اعتبر أن
الشر الذي في
الناس دخيل
عليهم. وأن
واجبك هو أن
تنقذهم منه.
لا أن تحطمهم
بسببه.
***
8 - وإن أردت
أن يحبك
الناس. كن
انسانا
فاضلاً فيه
الصفات
المحببة إلي
الناس.
لا تظن أن
الناس يحبون
عبثاً أو بلا
مقابل. بل يحبون
الشخص الذي
تتركز فيه
الصفات
الممدوحة
التي
يحبونها..
يحبون الانسان
البار
المتميز
بفضائل معينة.
والانسان الشجاع
الذي تبهرهم
قوته. كذلك
الانسان
الناجح والانسان
الذكي الذي
تعجبهم
عقليته..
فلتكن فيك
إذن صفات
جميلة. وعندئذ
سيحبك الناس
بسببها. لذلك
إن أردت أن
يحبك الناس.
قوّم نفسك
أولاً. أصلح
العيوب التي
يكرهها الناس
فيك. حينئذ
يحبونك.
***
9- وإن أردت
أن يحبك
الناس. احتمل
الناس:
لا تنتقم
لنفسك. ولا
تقابل السيئة
بمثلها. ولا
تغضب علي كل
من يسئ إليك..
فكل إنسان له
ضعفاته. احتمل
اذن ضعفات
غيرك ولا
تتضايق بسرعة.
ولا تخسر
الناس بسبب
أخطائهم. وكن
واسع الصدر.
اغفر لمن
يخطئ إليك واحتمله.
وثق أنه عندما
يرجع إلي
نفسه. ويذكر
احتمالك له.
ستزداد محبته
لك. وحتي
الذين لا يرجعون.
لا تخسرهم
كذلك. بل اذكر
قول القديس
يوحنا ذهبي
الفم:
"من لا
توافقك
صداقته. لا
تتخذه لك
عدواً".
***
10- وإن اردت
أن يحبك
الناس. كن
مخلصا لهم.
وحكيما في
اخلاصك:
عامل
الناس بكل
اخلاص. فتكسب
بذلك ثقتهم ثم
محبتهم.
واحذر من
المحبة
الضارة. بل
اظهر لهم
محبتك في صدق
وحكمة. بعيداً
عن استخدام
عبارات الملق
والرياء.
استخدم
الحنو. ولكن
ابعد عن
التدليل
الضار.
كن مخلصا
في محبتك.
هدفك صالح
الغير. وليس
مجرد أن
يحبوك.
والله
المحب. قادر
أن يسكب
المحبة في
قلوبنا
جميعاً. لكي نحب
بعضنا بعضاً
في نقاوة وطهر
وضمير صالح أمام
الله
فعلى
الأقل لا تبدأ
بالإساءة إلى
غيرك
خذ موقف
المظلوم، لا
موقف الظالم.
وأعلم أن الله
سيقف إلى
جانبك. أما
الظالم فإنه
يعادي الله
قبل أن
يعاديك،
وسيكون الله
ضده.
وعندما
يقف الله معك
ضد ظالميك، قل
له كما قال
السيد المسيح:
"يا أبتاه
اغفر لهم،
لأنهم لا
يدرون ماذا
يفعلون"
***
القلب
الكبير، الذي
يحتمل ضعفات
الآخرين، يعيش
باستمرار في
سلام، بعيداً
عن الغيظ وعن
الحقد. كل
ضيقات العالم
لا تزعجه ...
إنه يستمد
سلامه من
الداخل، وليس
من الظروف
المحيطة.
حقاً، عنه
ليس من صالح
الإنسان أن
يجعل سلامه القلبي
يتوقف على سبب
خارجي: إن
اضطربت الأمور
من حوله،
يضطرب معها.
وإن هدأت
يهدأ. سبب خارجي
يجعله يثور،
وسبب يجعله
يفرح، وسبب
يبكيه، وسبب
يبهجة. ويكون
كما قال
الشاعر:
كريشةٍ في
مهب الريح طائرة
لا
تستقر على
حالٍ من
القلقِ
بل القلب
الكبير-في كل
مل يحدث
له-يكون أقوى
من الأحداث،
متمالكاً
لأعصابه،
متحكماً في انفعالاته،
محتفظاً
بهدوئه ...
***
إن حلّت به
ضيقه، لا يفكر
في متاعبها،
بل يفكر في
حلّها ..
ويضع في
نفسه أن كل
ضيقة لها حلّ
أو حلول.
وأن كل
ضيقة، لها مدى
زمني معين
تنتهي فيه ..
إن وصل إلى
حلّ، يستريح.
وإن لم يصل،
يترك الأمر
إلى معونة
الله الذي
عنده حلول
كثيرة، معتمداً
على هذا
الإيمان
ومهما
ازدادت
الضيقات،
فالقلب
الكبير لا يسمح
للشيطان أن
يوقعه في
اليأس، وأن
يصوّر له الأمور
معقدة ولا حلّ
لها ...
إن القلب
الكبير لا
يستسلم
للضيقات، بل
أنه قد لا
يشعر
بالضيقة،
لأنها لم
تضايقه.
وأتذكر أنني
قلت في إحدى
المرات:
إن الضيقة
سُميت ضيقة،
لأن القلب قد
ضاق عن أن
يتسع لها.
أما القلب
الواسع
الكبير فلا
يتضيّق بشيء
***
الضيق
إذن في
قلوبنا، وليس
في العوامل
الخارجية:
إن تعكرنا
نحن، تبدو
أمامنا كل
الأمور متعكرة
...
وإن تعبنا
في الداخل،
تبدو لنا كل
الأمور متعبة
..
أليس حقاً
أن أمراً من
الأمور قد
يضايق إنساناً
ما، وفي نفس
الوقت لا
يتضايق منه
إنسان آخر،
بينما
الموضوع هو
نفس الموضوع !
ليس المهم
إذن هو نوع
الأحداث التي
تحدث لنا. بل
المهم
بالأكثر هو
الطريقة التي
نتقبل بها
الأحداث
ونتصرف معها ..
فالقلب
الكبير الذي
يصمد أمام
الإشكالات، يزداد
قوة .. بينما
القلب
المضطرب الذي
ينهار أمامها،
يزداد ضعفاً
هى نفس
الإشكالات.
ولكنها تقوى
شخصاً، وتزيده
صلابة
ومراساً
وحنكة. بينما
تضعف شخصاً
آخر، وتزيده
انهياراً
وحزناً
لذلك
كونوا أقوياء
من الداخل.
وخذوا من
الضيقات ما
فيها من بركة،
وليس ما فيها
من ألم.