الغضب
والطبع
العصبي
بقلم
قداسة البابا
شنوده الثالث
11/2/2003
جريدة
الجمهورية
يوجد
نوعان من
الغضب:
أشهرهما
الغضب
الخاطيء الذي
يُصحب غالباً
بالنرفزة "أي
العصبية". لأنها
مأخوذة من
كلمة Nerves
أي أعصاب.
وهذا
النوع من
الغضب أو
النرفزة يحمل
العديد من
الخطايا أو
الأخطاء.
وسيكون
الموضوع
الرئيسي
لمقالنا هذا.
علي أنه
يوجد غضب آخر
سليم. أحياناً
يكون واجباً.
إن كان غضباً
من أجل الحق.
أو في مجال
الدفاع عن
حقوق الآخرين.
ولا تدخل فيه
الذات. ويكون بأسلوب
سليم رصين.
ولا تدخل فيه
العصبية. ولا يكون
عن جهل ولا
بتهور. وأيضا
لا يكون
بسرعة. لأنه
من صفات
الإنسان
الحكيم. أن
يكون بطيء
الغضب.
حليماً.
***
هناك
مواقف تحتاج
إلي حزم.
لإرساء الوضع
السليم. وقد
يدخل فيها شيء
من الغضب
الرصين. وليس
من النرفزة.
والغضب
فيها لا يكون
غضباً باطلاً.
بل واجباً.
يصدر من الأب
في محيط
الأسرة. أو من
رئيس في مجال
العمل. أو من
أي إنسان
مسئول.
وإن كان
الشخص
المسئول لا
يغضب مطلقاً.
ولا يتصرف
بحزم. مهما
كانت الأخطاء.
ولا يقيم الحق
والواجب..
فإنه بلاشك
يكون مخطئاً.
بل يكون مقصراً
في مسئوليته..
ولكن هناك
فرقاً بين
الحزم والنرفزة.
فالمدرس
مثلاً. من
واجبه أن يحفظ
النظام
ويضبطه في فصل
المدرسة أثناء
تدريسه. علي
أن يحتفظ
أيضاً بضبط
أعصابه أثناء
ضبط النظام.
أما إذا هاج
وماج وثار.
فإنه قد يصبح
ألعوبة في
أيدي تلاميذه.
إذ قد عرفوا
نقطة الضعف
التي فيه.
والتي بها
يمكن إثارته.
***
قد تكون
النرفزة
تصرفاً
عارضاً بسبب
إثارة معينة.
ولكن هناك
إنساناً طبعه
ناري. حاد.
سريع الانفعال..
هذا النوع
من الناس.
يثور بسرعة.
وينفعل بسرعة.
وربما لأتفه
الأسباب. وقد
يكون هذا
الطبع قد وصل
إليه
بالوراثة.
وتتصف به
أسرته. أو قد
يكون نتيجة
لتهاونه في
التصرف
المهذب
والتعامل السليم
مع غيره. حتي
تحول الأمر
بالتكرار إلي
عادة. ثم صار
طبعا ملازماً
له يتصرف به
تلقائياً..
إنه يذكرني
ببعض المواد
السريعة
الاشتعال.
بدرجات..
فالخشب قد
يشتعل. ولكنه
في اشتعاله
يكون أقل من
القش الذي
يشتعل بسرعة.
وكلاهما في
اشتعالهما
أقل من الكحول
أو البنزين أو
المغنسيوم.
هذه المواد
التي هي سريعة
الاشتعال
جداً. وأخطر
منها
الديناميت
والبارود
مثلا. الذي يشتعل
وينفجر. وكل
من هذه المواد
له طبيعته
الخاصة.
***
كذلك
الناس لهم
طباع: بعضهم
يشتعل ببطء.
والبعض بسرعة
ولكنه هوائي
كالكحول.
وبعضهم يشتعل
وينفجر
كالديناميت.
وبعضهم
يشتعل ويشعل
غيره معه.
ويمتد لهيبه
إلي كل من
حوله. وعلي
عكس ذلك الصخر
مثلاً: تقترب
منه النار فلا
تقدر علي
إشعاله. أما
الماء فمن
طبيعته أنه يطفيء
النار. ولكن
إن تمكنت منه
النار وهو محصور
في إناء فإنها
تسخّنه. وربما
تبخره أيضاً.
فمن أية
طبيعة أنت؟
وهل طبعك له
تدخل في
استثارتك
وغضبك؟ أم أن
غضبك له أسباب
خارجية عارضة
يزول
بزوالها..؟
***
* قد يوجد
إنسان حساس
جداً. أقل
كلمة قد
تجرحه. وأقل
تصرف قد يؤذيه
ويبكيه
ويقلقه..!
إنه نوع من
الطبع المرهف.
مشاعره
كالحرير. أقل
خدشة تترك
تأثيرها علي
نسيجه. نخشي
عليه حتي من
النسيم
العليل! فقد
يجعله يطير أو
يهتز!! وهذا
النوع ربما
يؤوِّل أي
تصرف مهما كان
بريئاً
تأويلاً سيئاً
يبرر به غضبه!
* وهناك طبع
آخر فيه قسوة
أو خشونة:
ومثل هذا.
عنده استعداد
طبيعي للغضب.
وللإيذاء
وجرح شعور
الآخرين. دون
أن يصدر منهم
ما يستوجب
ذلك.
* ومع ذلك
كله. فالطبع
يمكن علاجه:
يمكن
تغيير الطبع
تماماً. أو
تهذيبه. أو
تخفيفه. أو
تحويله. وذلك
بالتثقيف عن
طريق المرشد الروحي.
أو بطريق
الجهاد
الروحي
والتدريبي. وبالصلاة.
ومؤازرة
النعمة. وتدخل
الله ومعونته.
***
إن
النرفزة ليست
هي مجرد
خطيَّة بسيطة.
بل هو خطية
مركبة ومنفرة.
هو مجموعة من
الخطايا.
مركبة معاً في
أسبابها
وتشعباتها.
ونتائجها.
* ففيها
الحدة
والعصبية:
سواء من
جهة حدة الصوت
أو علوه أو
انفعاله أو صخبه.
مع حدة
الأعصاب. وحدة
النظرات
والملامح.
ويكون
الإنسان في
حالة ثورة أو
هياج. ولو أنه نظر
في مرآة
وقتها. ما كان
يحتمل رؤية
منظره..!
* ويصطحب
الغضب معه
قسوة في
القلب.
تزداد هذه
القسوة شدة.
بازدياد حدة
الغضب. وقد
تصل في بعض
الحالات إلي
الضرب وإلي
الاعتداء. بل
إن حوادث
القتل كلها.
قد بدأت بغضب
مصحوب بقسوة
قلب.
***
* ومن هنا.
كانت النرفزة
تتنافي مع
الوداعة واللطف
والاتضاع
فيها يفقد
الإنسان
وداعته. يفقد
حلمه وهدوءه. ويفقد
البشاشة
واللطف
والحنو.
ويتحول إلي كائن
ثائر. يقرب
طبعه من طبع
الوحوش!
وهو يفقد
التواضع
أيضاً. لأن
الإنسان
المتواضع. لا
يغضب من أحد.
ولا يُغضب
أحداً.
والإنسان المتواضع
هو الذي
باستمرار
يجلب الملامة
علي نفسه. فلا
يغضب. كما أنه
يلتمس بركة كل
أحد ودعاءه.
ورضاه. لذلك
لا يسمح لنفسه
أن يُغضب أحدا.
أما الغضوب
فهو علي عكس
ذلك.
* لذلك فإن
خطية الغضب
ترتبط دائما
بإدانة الآخرين.
لأنه لولا
أن الغضوب
يدين غيره
ويحكم عليه بالخطأ.
ما كان يثور
عليه. وقد تصل
هذه الإدانة
إلي مستويات
صعبة. وقد
تكون علي غير
حق.
* وهي
مصحوبة كذلك
بعدم المغفرة
أو عدم المسامحة.
لأنه لو سامح
من قد أساء
إليه. ما كان
يثور عليه.
ولا ينفعل.
***
* والغضب قد
يكون مصحوباً
بالبغضة. وإن
استمر يتحول
إلي حقد:
ذلك لأن
المحبة تحتمل
كل شيء. كما
تحتمل الأم
أخطاء ابنها.
ولكن في وقت
الغضب. وبخاصة
أثناء الغضب
الشديد. تختفي
مشاعر المحبة.
وإذا ازدادت
حدة الغضب
ومدته. يتحول
إلي كراهية.
* وإذا ترسب
الغضب في
القلب. يلد
حقدا..
تبدأ
المشاعر
تتطور من غيظ
وسخط. حتي تصل
إلي الحقد.
وما الحقد سوي
غضب مخزون
ومعه بغضه.
وقد يخرج
الحقد من
خزائنه.
ويعبّر عن ذاته
ووجوده. فيلد
غضباً وسخطاً
وغيظاً..
ويصير القلب
مستودعاً
لعديد من
المشاعر
الخاطئة. كل منها
تشجع الأخري.
***
* وقد يقع
الغضوب في
الشتيمة
والإهانة. وفي
كثير من خطايا
اللسان:
في نرفزة
الغضوب قد
يتلفظ بألفاظ
جارحة. ويفقد
احترامه
لغيره. ويتصرف
بأسلوب غير
لائق يلومه
عليه الناس.
وقد يندم هو
عليه. إذا ما خلد
إلي نفسه.
وهدأت أعصابه
الثائرة.
ولا
نستطيع أن
نحصي خطايا
اللسان التي
قد يقع فيها.
لأنها تتوقف
علي مدي حدة
الغضب. ومدي
عدم قدرة
الغضوب علي
ضبط أعصابه.
وعلي ضبط مشاعره
وضبط لسانه.
* وقد يكون
انفعاله سبب
سوء سمعه له
أمام من يغضب
هو عليه. بل
أيضا أمام كل
من يشاهده في
ثورة غضبه.
ويسمع ما
يتردد علي
لسانه من
ألفاظ غير لائقة
ومن هياج!..
***
* والغضوب
يقع في خطية
عدم الاحتمال.
وربما في خطية
الظلم أيضاً
وهذا واضح
جدا. لأنه لو
كان يحتمل
إساءة الغير
إليه. ما كان
يغضب ويثور.
ولكنه بغضبه
يدل علي ضيق
الصدر وضيق القلب.
وعدم القدرة
علي الاحتمال.
وكلها نقائص في
نفسه.
* وقد لا
يكون من يغضب
عليه مسيئاً.
ويكون هذا الغضوب
ظالما. قد حكم
علي غيره
بأحكام هو
بريء منها. أو
علي الأقل لم
يصل إلي
مستواها.
وربما كان
السبب في
الغضب إليه.
أفكار مبنية علي
سوء الظن. أو
علي ما أوصله
آخرون من دس
ووقيعة. وفي
سوء الظن
يتصور هذا
الغضوب حدوث
أمور لم تحدث.
غير أنه يؤكد
في ظلمه أن ما
يظنه أو ما وصل
إليه. هو
حقيقة واقعة!!
***
* والغضب قد
يتحول إلي
خصومة ومعارك.
أو إلي ثورة
في النفس تهدف
إلي الانتقام..
سواء بالنسبة
إلي الغضوب أو
المغضوب عليه
لأن ما
يخطيء به
الإنسان في
غضبه. ربما لا
يستطيع أن
يعالج نتائجه.
فما تلفظ به
من شتائم أو إهانات.
أو اتهامات
باطلة. أو جرح
شعور أو تهديدات..
هذا كله قد
يترك في نفسية
الطرف الآخر
تأثيرات
عميقة. قد
تدفعه هو أيضا
إلي الخصومة
والعداوة
والانتقام.
حتي لو تاب
الغضوب عن
غضبه. ربما
تظل نتائج غضبه
باقية.. كذلك
قد يريد
الغضوب أن
ينتقم لنفسه.
لكرامته أو
لحقوقه. يريد
ان يكافيء
الشر بالشر.
وبهذا يدخل في
الانتقام.
وهذا يحدث
إن لم يستطع
أن يصرف غضبه.
بل استبقاه في
داخله ينمو ويتفاعل.
وينتج أفكارا
ومشاعر.
***
* والغضب قد
يكون مصحوبا
بالجهل. أو
بخطية التهور
والاندفاع
فغالباً
ما يكون الغضب
مصحوباً
بالتسرع. أو نتيجة
للاندفاع
وعدم الروية.
حيث يأخذ
الإنسان
قرارات خطيرة
وهو في حالة
انفعال. وتكون
هذه القرارات
ضد نفسه أو ضد
الآخرين. وقد
ينذر نذرا بأن
يفعل كذا
وكذا..!
أما عن كون
الغضب
مصحوباً
بالجهل. فنعني
به جهل
الإنسان بما
ينفعه وما
يضره.. وجهله
بالنتائج
السيئة التي
تغضبه: إذ
يفقد كثيراً
من علاقاته
بالناس. وقد
يدمر سلام
بيته وأسرته.
ويفقد سمعته
وفكرة الناس
الطيبة عنه.
وقد يفقد
وظيفته أو
ترقيته. إذا
كان غضبه
عنيفاً مع
رؤسائه في
العمل أو مع
بعض زملائه..
وربما في
لحظة. يضيع ما
بناه في
سنوات.
***
* وللغضب
نتائج أخري
ليست في صالح
الغضوب:
فنحن نري
كثيراً من
قضايا الطلاق
والمشاكل الزوجية
سببها الغضب.
وكما يفقد
الغضوب
علاقته مع
أسرته. قد يفقد
أيضا علاقته
مع أصدقائه
وزملائه. كما
يقول سليمان
الحكيم:
"لاتستصحب
غضوباً. ومع
رجل ساخط لا
تجئ". ويقول
أيضا: "الرجل
الغضوب يهيج
الخصام.
والرجل
السخوط كثير
المعاصي". "لا
تسرع بروحك
إلي الغضب.
لأن الغضب
يستقر في حضن
الجهال". وما
أكثر ما قاله
الحكماء في ذم
الغضب..
* والإنسان
الغضوب يفقد
سلامه
الداخلي. سلام
قلبه وفكره..
لأن ساعة
الغضب. هي
ساعة نكد
وكآبة. للغضوب
ولغيره أيضاً.
* وما أكثر
الأمراض
الجسدية التي
تنتج عن الغضب
والنرفزة.
منها ما يتعلق
بالقلب وضغط
الدم. وما
يتعلق
بالأعصاب.
وأمراض أخري.
***
علي أن
هناك أنواعاً
ودرجات من
الغضب:
يوجد غضب
ظاهر واضح. في
حالة عدم ضبط
النفس
كما يوجد
غضب داخلي
مكبوت. هو غضب
الفكر والقلب..
فقد يسيء
إنسان إليك.
وأنت لا ترد
الإساءة بمثلها.
وقد لا تجرحه
بأية كلمة.
وتبدو صامتا.
ومع ذلك كله
قد يكون الغضب
في فكرك وفي
مشاعر قلبك.
وربما تكون
هناك ثورة في
داخلها
ولكنها مكبوتة.
استطعت
التحكم فيها.
وهنا لا نقول
إنك لم تغضب.
ولكنك غضبت.
وضبطت نفسك.
وتكون قد
احتفظت
بالسلام
الخارجي مع
الناس. ولكنك
لم تستطع أن
تحتفظ بسلامك
الداخلي. وتركت
الغضب يدمرك
من الداخل.
والوضع
السليم أن
تحتفظ بسلامك
في الداخل كما
في الخارج.
***
وربما
يكون سبب
سكوتك. هو
لحكمة معينة
تراها
فأنت صامت.
لا لأنك
احتملت. ولا
لأنك غفرت وسامحت.
وإنما لأن
الفرصة الآن
غير مواتية
للرد! كما أن
الغضب الظاهر
يكشف نواياك.
وأنت تري من الحكمة
أن تظل هذه
النوايا في
الكتمان إلي
أن يحين الوقت
الذي فيه
تنتقم لنفسك.
وبقوة. وبدون
الوقت في
مسئولية.
وهنا يكون
القلب قد
أخطأ. مع أن
اللسان لم يخطيء
إذن كيف
نتعامل مع
الغضب. وكيف
نعالجه؟
أود أن
أحدثك عن ذلك
في عدد مقبل.
إن أحبّت نعمة
الرب وعشنا.