الحياة
والموت
بقلم
قداسة البابا
شنوده الثالث
1/4/2003
جريدة
الجمهورية
بمناسبة
الحرب
القائمة الآن
في العراق
وفلسطين. أود
أن أحدثكم
اليوم عن بعض
نقاط خاصة بالحياة
والموت.
الله وحده
هو صاحب
السلطان فيما
يتعلق بالحياة
والموت
الحياة هي
منحة منه.
ولذلك فهي
ملكه. بدايتها
من عنده.
ونهايتها
تكون حسب مشيئته:
من جهة
الموعد. ومن
جهة الكيفية.
وليس لأحد
أن يتدخل
بمشيئته
الخاصة في
إنهاء حياة
إنسان. أو
إنهاء حياة
مجموعة من
الناس. وإلا
فإنه يتدخل في
اختصاص الله.
إلا لو كان حسب
أمر من الله
وضعه في
شريعته. أو
أوحي به إليه...
وإن كان
الله قد منح
إنساناً أن
يحيا. فمن حقه أن
يعيش العمر
الذي أراده
الله له. وليس
من حق أي
إنسان أن
يسلبه إياه...
كذلك حياة
الإنسان مِلك
للمجتمع الذي
يعيش فيه. وله
أن ينتفع
بحياة هذا
الفرد وبعقله
ومواهبه
وإنتاجه.
ومن هنا
كان حرمان أي
إنسان من الحياة
بدون أي مسوّغ
شرعي هو خطأ
وشرّ ضد اختصاص
الله. وضد
حقوق هذا
الإنسان
ووطنه.
***
وقد سمح
الله بقتل
القاتل. فتؤخذ
نفس عوضاً عن
نفس
وسافك دم
الإنسان. بيد
الإنسان يسفك
دمه
ليس عن
طريق
الانتقام
الشخصي. إنما
بالطريقة الشرعية
لمن استؤمن
علي أرواح
الناس ليقيم
العدل بينها.
ويأخذ لكل ذي
حق حقه.
احتراماً
للدم المسفوك
الذي سفكه
القاتل...
ولكن هناك
فرقاً بين أن
يأخذ أحد
أقرباء القتيل
بالثأر من
القاتل. أو من
يظنه القاتل.
أو يقتل أحد
أقارب
القاتل.. وبين
أن ثمن الدم
يؤخذ عن طريق
العدل
والقضاء. بعد
فحص دقيق
وبتحقيق. وبعد
ثبوت الأدلة.
ومعرفة من هو
القاتل الحقيقي.
وما هي
الدوافع التي
دفعت به إلي
القتل.
***
ننتقل إلي
نقطة أخري وهي
إنهاء الحياة
عن طريق
الحرب...
وما هي
مسئولية
الجندي الذي
يشترك في
الحرب
لا شك أن
الحرب
مسئوليتها
أكبر وأخطر.
فمن جهة
العدد. تزهق
فيها أرواح
كثيرة من
الجانب
المدافع ومن
المهاجم أيضا.
وأيضا من جهة
السلاح ومدي
قدرته في
الفتك بالأرواح.
يضاف إلي ذلك
تعطيل الحياة
بالنسبة إلي
المصابين
الذين قد
تتحول
غالبيتهم إلي
معاقين. لا
يحيون
بالسهولة
التي كانوا
يحيون بها من
قبل. وكذلك
تعقيد حياة
الكثيرين
الذين يفقدون
مصدر رزقهم
بالخراب أو
التدمير الذي تحدثه
الحرب.
والبعض قد
يصاب بهزات
نفسية أو
عصبية مما يراه
من أهوال. وما
يحدث لغيره.
وتأثير موت
الناس عليه.
أو صرخات
المتألمين. أو
خوف وانزعاج
الأطفال أو
تيتمهم أو
ترمل أمهاتهم.
***
إن شرور
الحروب لا
تحصي. فمن يتحمل
مسئوليتها
أمام الله.
وأمام
التاريخ. وأمام
الضمير. وأمام
المجتمع؟
إنه ليس
الجندي
العادي طبعاً.
لأنه لا يملك
من أمره
شيئاً. وليس
له اختيار سوي
أن يطيع...
إنما
المسئولية
تقع علي
القادة وعلي
رؤساء الدول.
وما يصدرونه
من أوامر. وما
يضعونه من خطط.
وما يستخدمونه
من أسلحة. وما
يضربونه من
أهداف. وما
يحصدونه من
أرواح...
وما هي
أهدافهم من
الحرب؟ وهل هم
علي حق أم علي
باطل؟
وهل هم في
حربهم.
يحافظون بقدر
الإمكان علي
العالم
الإنساني. أم
هم يقاتلون
بوحشية. سواء
وُجدت ضرورة
تبرر القتل أم
لم توجد!
وهل هم
يعتدون علي المستشفيات
أو المدارس أو
دور العبادة.
أو الملاجيء.
أو بيوت
المسنين. أو
رياض الأطفال.
أو ما شاكل
ذلك مما يقف
ضده الضمير..؟
وهل هم يهدمون
مصادر الحياة
مثل ينابيع
المياه. أو
أماكن الغذاء
والدواء.. كل
هذه من
المحرمات في
الحروب.
***
ومع أن
الحرب هي
ميدان قتال. إلا
أن هناك قواعد
مرعية يجب
اتباعها
فيها. تدخل في
إنسانية
الحروب أو آدابها
أو قوانينها
منها
أسلوب معاملة
الأسري. وقد
تحدثت عنه معاهدة
جنيف. ويدخل
في ذلك معاملة
من يسلّمون
أنفسهم.
ويرفعون
الراية
البيضاء
إشارة إلي
وقفهم القتال.
كذلك معاملة
الأطفال
والعجائز
والضعفاء غير
القادرين علي
الحرب. كل
هؤلاء وأمثالهم
ينظر إليهم من
جانب إنساني.
ذلك لأن
دخول البشر في
الحرب لا يعني
فقدانهم لإنسانيتهم
المقاتل
هو إنسان.
ويحارب
إنساناً.
وعليه ألا ينسي
ذلك. بل إن وقع
في يده أسير
جريح. عليه أن
يداويه حتي
يشفي. ولا
يتخذها فرصة
لكي يجهز
عليه...
قد تضطر
بعض الدول إلي
الحرب. ولكنها
تُدان إن دخلت
فيما يسمونه
"بشاعة
الحروب".
وفيها يتحول
الإنسان إلي
وحش كاسر.
ويفقد كل ما
في الإنسانية
من مباديء
وقيم وأخلاق...
ومن بشاعة
الحروب
استخدام
الأسلحة
المدمرة التي
نهت عنها
القوانين
الدولية.
ومنها أيضا
وسائل
التعذيب
المتنوعة.
ومنها قتل
الأسري...
***
وماذا إذن
إن كانت الحرب
دفاعية
من حق كل
إنسان بل من
واجبه أن
يدافع عن وطنه
فكم
بالأولي لو
كان جندياً أو
ضابطا
مؤتمناً من
دولته علي ذلك
بل إن الضابط
في تخرجه في
كليته
العسكرية أو
معهده يتلو
تعهداً يلتزم
فيه بالدفاع
عن وطنه
وسلامة
أراضيه.
ومن أهمية
الدفاع عن
الوطن. نجد أن
كثيراً من الدول
قد غيرّت اسم
وزارة
الحربية إلي
وزارة الدفاع.
لأن الهدف
الأساسي من
وجود القوات
العسكرية هي
الدفاع عن
الوطن وليس
الهجوم علي الغير.
علي أننا
لا ننسي
أحياناً أنه
من وسائل
الدفاع إذا
بدأت الحرب ما
يسمي بالهجوم
المضاد.
وحينئذ يكون
هدف الهجوم هو
الدفاع. وليس
أكثر من هذا.
فلا يتوغل.
وإنما يلتزم
بضمان أمن
حدوده.
وفي
الحالين
الهجوم
والدفاع يجب
في الحرب: الحرص
علي أقل عدد
من الضحايا
البشرية.
للجيش أن يحطم
في الآلات
العسكرية
ليضمن عدم
استخدامها
ضده. أما من
جهة أرواح من
يقاتلونه.
فيحرص علي عدم
إنهاء حياتهم
بكل حرص. ولا
يلجأ إلي
القتل إلا في
الضرورة
الملزمة جداً.
لأنه كما
سبق وقلت:
حياة كل إنسان
هي ملك للّه. والله
وحده هو الذي
له الحق في
انهائها. في
الوقت الذي
يشاء...
***
علي أن
شخصاً قد يلجأ
إلي إنهاء
حياة شخص آخر
بحجة الدفاع
عن الشرف.
سواء كان
قريباً أو
عدواً...
مثال ذلك
من يقتل ابنته
أو اخته
الزانية. أو يقتل
من يزني معها.
ويظن أنه يغسل
شرف الأسرة بالدم!
وبهذا
المنطق تُنهي
حياة إنسان
وهو في حالة خطيئة
أو دنس . وكما
يفقد حياته
علي الأرض.
يفقد أبديته
أيضاً. إذ
يواجه الحياة
الأخري دون أن
يعطي فرصة
للتوبة عما هو
فيه من سقوط
ونجاسة...
فالذي يحب
ابنته أو اخته
إذا سقطت.
عليه أن يقيمها
من سقوطها
بقيادتها إلي
التوبة أو
إبعادها عن كل
أسباب السقوط.
لا أن يقتلها
في خطيئتها.
فيقضي عليها
دنيا وأخري!
ويظن أنه قد
فعل خيراً!
***
وهناك في
عالم الطب
مشكلة تسمي
"قتل الرحمة"
ويقصد بها
أن مريضا
يتعذب في مرضه
عذابا شديدا.
ولا أمل علي
الإطلاق في
شفائه. فيري
بعض المشفقين
عليه أن إنهاء
حياته يكون
رحمة به لتخليصه
من عذابه ومن
مقاساته. وفي
نفس الوقت
يكون رحمة
بأحبائه. وهم
يرونه في عذاب
المرض ولا
يستطيعون أن
يفعلوا لأجله
شيئا.
وقد كان
هذا الموضوع
"قتل الرحمة"
مجال نقاش وحوار.
وبخاصة بين
الأطباء من
ناحية. ورجال
الدين من
ناحية أخري.
أو كان موضع
حوار بين رجال
الفكر بصفة
عامة...
ويبقي
السؤال قائما:
هل من حقنا
إنهاء حياة
إنسان أيا كان
السبب أو الدافع
لذلك. ولكن
الدافع هو
رحمة به؟
ثم ما هي
رسالة الطبيب
هل هي شفاء
المريض وتخفيف
آلامه. أم هي
قتله ولو
لتخليصه من
آلامه؟ وهل
الغاية تبرر
الوسيلة حسب
رأي
مكيافيللي؟!
ثم ما هو
رأي رجال
القانون في
هذا الأمر؟
***
يجرنا هذا
الموضوع إلي
موضوع آخر
مشابه. وهو:
ماذا عن
قتل الجنين.
إذا ثبت أنه
سيكون معاقا أو
متخلفا عقليا
المعروف
أن الإجهاض أي
إسقاط الجنين
ميتا. هو جريمة
قتل. لأنها
تعني حرمان
كائن بشري من
نعمة الحياة
والوجود. لغير
ما سبب جناه
سوي أن والديه
يريدان التخلص
منه. أو يكون
قد حبل به
سفاحا. وكما
يقول الشاعر:
هذا جناه
أبي عليّ وما
جنيت علي أحد
ولكن
البعض
يتحايلون علي
إيجاد شرعية
للإجهاض بسبب
آخر يرونه
تبريرا له. هو
إن كان الجنين
سيصير بعد
ولادته معاقا
أو متخلفا
عقليا.. فمن
أجل إراحته من
هذا المصير
المتعب. تنهي
حياته قبل أن
يولد!
وإن سألت:
ما الضمان وما
التأكيد في
أنه سوف يولد
معاقا أو
متخلفا.
يقولون إن
الأطباء يستطيعون
أن يؤكدوا ذلك
بوسائل علمهم.
ويقف
أمامنا نفس
السؤال: هل من
حقنا إنهاء
حياة المعاق
أو إنهاء حياة
المتخلف
عقليا. سواء كان
حيا يعيش
بيننا. أو
أننا نتوقع أن
يولد هكذا؟ هل
من حقنا إنهاء
حياته بدعوي
إراحته
مستقبلا من
حياة فيها
تعب؟ أم أن
السبب
الحقيقي هو
إراحتنا نحن
الأحياء من احتمال
مثل هذا
المعاق أو
المتخلف
عقليا؟ مع أنه
توجد مؤسسات
إنسانية تعني
بأمثال هؤلاء
المعاقين.
ويدخل عملها
في الخدمة
الإنسانية الاجتماعية...
***
يذكرنا
هذا الموضوع
بعادة "وأد
البنات" أي قتلهن
أحياء عقب
ولادتهن.
وكانت عادة
رديئة معروفة
بين العرب في
الجاهلية..
ولكن
بمجيء
الاسلام نهي
عن وأد
البنات. لأنه
ما ذنب البنت
أنها وُلدت
هكذا؟! وأليس
من حقها أن
تعيش. وقد
تصير عضوا
نافعا في المجتمع؟..
ولكنها كانت
عادة يؤمن
الناس بها لتقليل
عدد الإناث.
ولشهوتهم في
أن يكون
المولود ذكرا.
يصير رجلا
يسند قبيلته.
***
سؤال آخر
يعرضه البعض
في موضوع
إنهاء حياة الغير.
وهو هل يجوز
أن يقتل
الإنسان غيره.
في الدفاع عن
نفسه؟
قبل أن
نجيب بنعم أو
لا. علينا أن
نضع بعض
تحفظات أو
تحوطات:
أولا: هل
بالإمكان أن
يدافع
الإنسان عن
نفسه بغير قتل
عدوه؟ وهل جرب
الإنسان كل
الوسائل وفشل.
واضطر أن يقتل
غريمه مضطرا؟
هناك من لا
يساعده ضميره
مطلقا علي قتل
أحد. ولو
دفاعا عن
نفسه. وهناك
من يساعده
ضميره أو تساعده
نفسيته علي
ذلك.
المسألة
إذن مسألة
ضمير. أو
مسألة قلب.. أو
مدي القدرة
علي التخلص من
العدو بدون
قتله. أو إنقاذ
النفس بطريقة
ما.
وموضوع
الدفاع عن
النفس. قد
يشمل الدفاع
عن الحياة. أو
الدفاع عن
العرض. أو
الدفاع عن
القريب إذا
تعرض للموت.
كدفاع شخص عن
ابنه مثلا أو
عن أبيه.
***
إن إنهاء
حياة الغير.
فيه قسوة
وجسارة قلب
والإنسان
الرقيق القلب
لا يستطيع أن
يقتل أي كائن
حي. ولو كان
حيوانا.
والمهاتما
غاندي الزعيم
الروحي للهند
كان من هذا
النوع.. وحتي
حينما كان
الانجليز
يقتلون
الهنود في
احتجاجهم السلمي
علي "ضريبة
الملح". كان
يأمرهم بعدم
الدفاع
بالمثل..
فتساقطوا
قتلي. وهاجمت
الصحف
الإنجليزية
ما يفعله
الإنجليز في
الهند. ووصفوا
غاندي
بالقداسة.
كذلك فإن
مناظر الموت
تثير المشاعر
الإنسانية
وأيضا
مناظر الجرحي
بجروح
مأساوية..
وإنهاء
حياة النفس
التي يريدها
الله أن تحيا. هو
تدخل في
مشيئته تبارك
اسمه وكبرياء
من الإنسان
الذي لا يبالي
أن يقوي علي
غيره. ويفقده
الحياة. وأيضا
لا يبالي بأن
يتيتم أطفاله.
أو تترمل
زوجته. أو أن ينهدم
بيته.
إن كان هذا
عن إنهاء حياة
الفرد. فماذا
نقول عن إنهاء
حياة
الجماعات!
بقتل جماعي لا
يفرق بين كبير
وصغير.
فليرحم الله
العالم كعظيم
رحمته