دروس
من الأحداث
بقلم
قداسة البابا
شنوده الثالث
15/4/2003
جريدة
الجمهورية
هناك من
يرقب الأحداث.
ومن يسجل
الأحداث. ومن يتناول
الأحداث
بالدراسة
والفحص
والتحليل.
ولكن أعظم
من هؤلاء
جميعاً: من
يأخذ دروساً
له ولغيره من
الأحداث.
وينتفع بها
ويستفيد.
الأحداث التي
تمر بنا ليست
لمجرد الفرجة.
فهذا هو الوضع
الشكلي
الظاهري
للحدث. وإنما
هي للخبرة.
فهذا هو عمق
الحدث وما
يتضمنه من
دروس. وما
يدعونا الي
التأمل
فيه..والذي
يدرك الدروس
التي تتضمنها
الأحداث. يصبح
إنساناً ذا
خبرة في
الحياة. وذا
عمق.. وكلما
مرت عليه
أحداث الحياة.
ازداد خبرة
وفهماً
وعلماً...
* * *
ومن هنا
كانت قيمة
الشيوخ
المتعمقين
كمرشدين
ومعلمين
إنهم
خزانة من
الخبرة. ومن
المعرفة
العملية المستقاة
من الواقع.
وليس من الكتب
والنظريات. وسعيد
هو الشاب الذي
يجلس إلي
أمثال هؤلاء
الشيوخ
ليستمع
ويستفيد..
أما الذي
يجلس
باستمرار الي
الأحداث.
الذين لا
يتعمقون في الأحداث.
فإنه يضيف
فراغا الي
فراغه. ولا
ينمو في عقله
ولا في
معلوماته. ولا
يتعود العمق..
والفرق
بين النوعين
واضح: تماماً
مثل الفرق بين
من يجلس إلي
استاذ لينهل
من علمه. ومن
يجلس الي
تلميذ مثله..
* * *
يستفيد من
الأحداث من
يتناولها
بروية وتأمل
وعمق. بعيداً
عن
الانفعالات.
وعن الانقياد
وراء التيار العام..
فتيناول
الحدث من جميع
أركانه. ويضع
أمامه كل أسبابه
الظاهرة
والخفية. وكل
تطوراته وكل
نتائجه. وما
يمكن أن ينتج
أيضا في
المستقبل. كما
ينظر أيضاً
الي كل ردود
الفعل. حتي
المتناقض
منها..
ويناقش كل
وجهات النظر
في حيدة
كاملة. بميزان
الحق الخالص.
غير متحيز
لجانب منها.
ويدرس مواضع
النجاح أو
الفشل. وأسباب
كل منها. فهذه
هي طبيعة
المحلل
الدارس.
وعليه أن
يدرس طباع
الرجال
المتعلقين
بالحدث
وسيرتهم
وأهدافهم. وما
آلت إليه أمور
كل منهم.
وهكذا يأخذ
درسا من كل ما
يحدث. بل قد
يأخذ عظة
نافعة.
ويستنتج
منهجا سليما
في التعامل والحياة.
* * *
والذي
يريد أن
يستفيد. يدرس
الأحداث
الحاضرة والماضية.
الأحداث
الماضية كما
رواها
التاريخ
الحقيقي
وشهود العيان.
وليس كما كُتب
في تاريخ يهدف
إلي سياسة وغرض..
وكذلك
الأحداث
الحاضرة كما
تبدو بمقارنة
كافة مصادرها
والاستقرار
علي الموثوق
به منها. مع
الدروس
المستفادة من
كل هذا.
الذي يدرس
الأحداث بهذا
الأسلوب. يبدو
كما لو كان
أكبر من عمره.
وينطبق عليه
قول الشاعر:
ومن وعي
التاريخ في
صدره ... أضاف
أعماراً الي عمره
وقد يري
أحياناً أن
بعض أحداث
التاريخ
تتشابه. مع
اختلاف في
الزمان
والمكان
والأشخاص. وكما
يقول المثل إن
"التاريخ
يعيد نفسه".
وهذه إحدي
فوائد دراسة
التاريخ.
* * *
ومن
التاريخ ندرس
طباع الشعوب.
وسير أنواع من
الناس
وتصرفات
للبعض فيها
حكمة. وأخري
فيها جهالة.
فنستفيد
من حكمة البعض
وقد نحاكيها.
ونأخذ دروسا
من جهالة
البعض لكي
نتفاداها.
وهكذا يقول البعض
: لا أريد أن
أقع في الخطأ
الذي وقعت فيه
الدولة
الفلانية. أو
الذي وقع فيه
فلان من القادة
أو من رجال
السياسة..
ومن
الناحية
الإيجابية.
يمكن
الاستفادة من
حكمة بعض رجال
التاريخ في
التصرف. وفي
كيفية
التعامل مع
الأحداث..
وكيفية
التعامل مع
الخصم العنيد.
والخصم
المراوغ.
والمتحايل.
وسياسة كسب
الوقت
أحياناً.
وسياسة الحل
الدبلوماسي.
وما أشبه..
* * *
وأحداث
التاريخ
نستفيد بها في
وقت الحرب وفي
وقت السلم
لا شك أن
دراسة المعارك
الهامة في
التاريخ. لها
أهميتها عند
رجال الحرب.
من حيث قيامها
وأبطالها
ونتائجها.
وعوامل
الانتصار أو
الهزيمة
فيها..
* إن موقعة
أبي قير
البحرية قد
وضع عنها
الاستاذ
الدكتور محمد
فؤاد شكري
كتاباً قيماً
ضخماً شرح فيه
تكتيك
المعركة
ومواضع السفن
وتحركاتها.
وسير المعركة
ونتائجها.
وتأثيرها علي
السياسة الفرنسية
وقتذاك. مما
كان لهذا
الكتاب
فائدته..
* وحرب
أكتوبر سنة 1973
تقوم بعض
الكليات
العسكرية في
العالم
بتدريسها.
لمعرفة
الحكمة في
خطتها
وتوقيتها.
وسير المعركة
وسرعتها.
وطريقة عبور
القناة.
وبسالة الجند.
وأثر هذه الحرب
في سياسة مصر
وفي
استرجاعها
لأراضيها..
* كذلك كانت
لمعركة
"العلمين"
أهميتها في
نهاية الحرب
العالمية
الثانية.
وتغيير دفة
القتال ما بين
المانيا ودول
الحلفاء. مما
جعلها مجالاً
للدراسة
والتعليق.
* وأتذكر
أنني في سنة 1945
كتبت بحثاً عن
النزاع بين
انجلترا وفرنسا
في استعمار
الهند قدمته
إلي الاستاذ الدكتور
أحمد عزت عبد
الكريم. وكنت
قد قرأت عنه
مراجع هامة من
دار الكتب
شرحت كل معركة
بتفاصيلها.
ولم نقتصر في
هذا البحث علي
هزيمة فرنسا
في ذلك
النزاع. إنما
كان المهم هو
أسباب تلك الهزيمة.
مما يجعلها
درسا في عالم
الحرب.
* * *
ومن
الدروس
الهامة التي
تجني من
الحروب : الخطط
الحربية
والتكتيك
اللازم لكل
معركة. ودراسة
الطوبغرافية
وما يناسبها
من خطط. ومن
أنواع
الأسلحة. ومن
عنصر
المفاجأة في
الحرب. أو
عناصر التمويه
والمخادعة.
وأساليب
المناورة.
ومتي يوقف القتال
ومتي يستمر؟
ومتي ينفع
التهديد ومتي
يسيء؟
كذلك
معرفة وسائل
الدفاع. ومنها
أيضا الهجوم المضاد.
كل ذلك
يرينا الفرق
بين قائد دارس
ومحنك بأساليب
الحرب. وله
دراية
بتاريخها
وأساليبها. وبين
قائد آخر ليست
له هذه الخبرة
ولا هذه المعرفة..
إن دروس
الحرب ذات
شقين : فهي من
الناحية الإيجابية
تعطي اسباب
الانتصار. ومن
الناحية السلبية
تقدم عوامل
الهزيمة. وكل
من الأمرين له
منفعته.
* * *
كذلك من
الدروس
الهامة في
مجال الحرب.
ما يعرف باسم
"ميزان
القوي" Balance of Powers
فقبل أن
تدخل دولة في
حرب مع دولة
أخري. لابد أن
تدرس قوتها
أولاً دفاعاً
وهجوماً.
وقديماً
كانوا يهتمون
بعدد الجنود المقاتلين.
أما الآن
فالأهمية
القصوي تتركز في
نوع الأسلحة
المستخدمة.
ومدي خطورتها.
وطريقة
التعامل معها
أو الوقاية
منها. كذلك ما
هي فروع
قواتها : في
البر والجو
والبحر...
ويُوزن كل
ذلك بميزان
دقيق. مع
المقارنة بما
يقابله في
الناحية
الأخري. ومدي
القدرة والمقاومة.
وهل وسائل
الدفاع
تتوازن مع قوة
الهجوم؟ وإلي
أي مدي تصمد؟
* * *
وفي ميزان
القُوي. يوضع
أيضاً عنصر
"التحالف"
فحالياً
قد لا تدخل
دولة إلي
الحرب وحدها.
بل قد تتحالف
معها دولة
أخري أو
دولتان أو
أكثر. وقد
لاحظنا هذا في
الحرب
العالمية
الثانية.
حينما قامت دول
الحلفاء ضد
هتلر. وحينما
انضمت روسيا
الي الحلفاء
قرب نهاية
الحرب. وكان
ذلك أمراً
غريباً
لإختلافها
عنهم في
الايدولوجية..
ولذلك قيل
وقتذاك: لعله
تحالف مؤقت
يعاد النظر
فيه بعد
الحرب.
علي أية
الأمر. ينبغي
أن يحسب ميزان
القوي في حالة
وجود تحالفات
ضد بعضها البعض.
لأن التحالف
قد يفتح للحرب
أكثر من ميدان.
فلا تكون
مركزة وضاغطة
في ميدان
واحد...
ولا شك أن
الذي يقف وحده
ضد تحالفات.
يكون موقفه
ضعيفاً.
وبخاصة لو
كانت تلك
التحالفات
لها قوتها.
* * *
وهنا يدخل
في الأمر
الحلول
الدبلوماسية
من لجوء
إلي معاهدات.
أو إلي ألوان
من التفاوض
ومن محاولة
كسب الطرف
الآخر.
بالصلح. أو
بتأخير الحرب
ريثما يتم
الاستعداد. أو
بمحاولة تحويل
العدو إلي
صديق. أو علي
الأقل اتقاء
شره. أو العمل
علي كسب
أصدقاء
آخرين.. ومن
الحلول الدبلوماسية.
الدخول في مجال
الشرعية
الدولية. عن
طريق
المؤسسات
الدولية
كمجلس الأمن
وهيئة الأمم
المتحدة
ومحاولة
ممارسة ضغوط
سياسية علي
الطرف الآخر.
أو العمل
علي ايجاد
صلح. أو
الدخول في
هدنة. إن كانت
الحرب قد بدأت
بالفعل...
* * *
ومن دروس
الأحداث لا
ننسي أموراً
في حديث الحرب
والسلم:
** لا ننسي
الاستعداد
للحرب. حتي
وقت السلم:
فكلما
كانت الدولة
مستعدة. لا
يطمع فيها
الطامعون. إذ
يرون قوتها.
واسلحتها
المتطورة.
والتدريب
المستمر
لقواتها
المسلحة. وما
تقوم به من
مناورات. وما
تتزود به من
تكنولوجيا
الحرب. وما
تبرمه مع دول
أخري من
اتفاقات دفاع
مشترك..
* كذلك لا
ننسي ما تقوم
به بعض الدول
من أساليب الحرب
النفسية.
لتقوية الروح
المعنوية عند
جنودها
وأفراد شعبية.
وما تحدثه تلك
الحرب النفسية
من تأثير عند
خصومها.. ولكن
تلك الحرب النفسية
قد تفقد
تأثيرها. أو
تتحول إلي
العكس. عن
طريق
المبالغة
فيها. فيكتشف
الخصم زيفها.
وتصير لونا من
الدعاية الباطلة
بلا تأثير ولا
فاعلية.
* * *
ومن
الدروس
الهامة:
الأخطاء
أثناء الحروب:
** من هذه
الأخطاء :
الاعتداء علي
المدنيين. الذين
لا علاقة لهم
بالحرب.
وليسوا
عسكريين متنكرين
في زي مدنيين.
من ذلك
الاعتداء علي
الأطفال والنساء.
وعلي
المستشفيات.
وبيوت
العبادة. وعلي
لوازم الحياة
بالنسبة الي
الناس مثل
مصادر الماء
والكهرباء.
وتدمير
المنشآت التي
لا تخدم أي
غرض حربي
كمساكن
المدنيين
وتخريب مؤسساتهم
وطرق
مواصلاتهم.
* ومن أخطاء
الحرب :
استخدام
الأسلحة
الفتاكة. كالغازات
السامة. وكافة
الأسلحة
البيولوجية.
والقنابل
الذرية والهيدروجينية.
والنابالم.
وكل الأسلحة
غير المصرح
بها دوليا.
* ومن أخطاء
الحرب
المعاملة غير
الانسانية للأسري.
لكل هذا
أمكن من تسموا
في الحروب
الماضية بمجرمي
الحرب وطولب
بمحاكمتهم
دوليا. أو علي
الأقل ساءت
سمعتهم في التاريخ.
* * *
ونذكر في
أحداث
التاريخ
أمثلة طيبة
* منها
"المهاتما
غاندي"
الزعيم
الروحي للهند.
الذي كانت
سياسته هي
"المقاومة
السلمية" دون
اللجوء
إطلاقا إلي
الحرب. أو قتل
إنسان حتي في
مجال الدفاع
عن النفس..
وبهذه
المقاومة السلمية.
واحتمال
الاضطهاد
والسجن. أمكنه
الحصول علي
الاستقلال
لبلاده من
أيدي الحكم
الانجليزي.
* ومن
الأمثلة
الطيبة
الزعيم
الأفريقي
"مانديلا"
الذي احتمل
السجن سنوات
طويلة. وخرج
منه ليحكم
بلاده ولكي
ينقذها من
سياسة
الاضطهاد العنصري
من البيض ضد
السود.
* ونذكر من
قصص التاريخ
"ثورة يوليو"
في مصر التي
غيرت نظام
الحكم دون أن
تسفك دما لأحد
من الأسرة
المالكة كلها.
وخرج الملك
السابق من مصر
بكرامته إلي
حيث استقر
خارجها.