التشجيع والتقدير

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

7/10/2003

جريدة الجمهورية

ما أنبل القلب القوي. الذي لا يحتقر شخصاً ضعيفاً ولا يستصغره. ولا يسقطه من نظره. بل يأخذ بيده ويشجعه ويقويه..

شاعراً بأن الطبيعة البشرية معرضة للضعف. وكثيراً ما تضغط الظروف الخارجية. فلا تقوي عليها النفس فتضعف.

إن في احتقار الضعيف لوناً من كبرياء الذات. إذ تشعر بقوتها وتقارن غيرها بما لديها من قوة فتحتقره. وفي احتقارها له تثبيط لهمته بالأكثر. وإحباط لنفسيته. وإذلال له.

بينما هذا الضعيف هو أخ لنا في البشرية. من الواجب علينا أن نحنو عليه. وأن ننقذه من ضعفه علي قدر ما نستطيع. حتي يقوي. فهذا هو النبل المطلوب منا.. واضعين في ضمائرنا أن نفسية الضعيف أمانة في أعناقنا يجب أن نتعهدها بالرعاية والعناية.

****

ولكن من هم المحتاجون إلي التشجيع منا؟

* إنهم كثيرون: لعل في مقدمتهم الأطفال والصغار بصفة عامة. الذين لم ينضجوا بعد. وكلمة التشجيع تدفعهم إلي قدام. وتقوي عامل الخير فيهم. وتشعرهم أنهم يستطيعون أن يفعلوا شيئاً. كما أنهم يحبون الذي يشجعهم أكثر من الذي يوبخهم علي أخطائهم وينتهرهم.

* ومع الصغار أضع الناشئين أيضاً. وكمثال لذلك نذكر بينهم الناشئين في الفرق الرياضية "كالفريق الثاني". فإن تشجيعهم يحفزهم علي مزيد من العمل الجاد يرفعهم بالوقت إلي صف الفريق الأول.

* كما أن تشجيع الطالب في الدراسة يمنحه دفعة قوية لمداومة الاجتهاد. حتي يصل إلي التفوق والامتياز. وقد يكون من مظاهر تشجيعه أن يمنح مكافأة. أو يكتب اسمه في قائمة الشرف. أو يُعلن عن تفوقه.. بل إن مجرد كلمة تقدير من أستاذه تترك في نفسه أثراً عميقاً.

****

التشجيع نافع أيضاً بالنسبة إلي الفنانين والمبدعين

فكثيراً ما يبذل البعض كل جهدهم. ولا يُقابلون بمجرد كلمة تقدير! مما يثبطهم.. إن الفنان مهما كبر واشتهر يحتاج إلي عبارات من الأطراء تشجعه علي مزيد من الإنتاج وسمو فيه.

ونذكر هنا ما تقدمه الدولة من جوائز تقديرية وجوائز تشجيعية في كافة نواحي العلوم والفنون والآداب في كل عام.. وتقدم كل ذلك لجهابذة من الممتازين. ومع أنهم كبار ولهم مراكزهم. إلا أن التشجيع لازم لهم يشعرهم بأن الدولة لم تنس ما بذلوه من جهد وما وصلوا إليه من مستوي رفيع. كما أن هذا يشجع غيرهم أيضا حتي يصلوا هم كذلك إلي ما وصل إليه أولئك الكبار.

إن عبارة "الكاتب المثالي" أو "صاحب أشهر كتاب" أو "الصحفي المثالي". وسائر هذه الألقاب. هي تقدير لأصحابها وتشجيع علي المزيد.

****

لا ننسي أيضاً الإعلان عن الأمهات المثاليات

سواء علي مستوي القطر أو المحافظات أو غير ذلك.. إنه تقدير للأم بصفة عامة. ولشخصيات معينة باذلة. وتشجيع لهن علي ما قد قمن به من جهد في تربية أولادهن.

يضاف إلي هذا ما تقيمه الدولة كل عام من عيد للأم. حيث تبدي تقديراً للأمهات بصفة عامة. بحيث تشعر كل أم في محيط أسرتها بأن عملها كأم هو موضع اهتمام وإعجاب. ومجال تُقدم فيه أيضاً هدايا تذكارية. وعبارات الحب والعرفان بالجميل.

وأحياناً يشركون الأب أيضاً في هذا التقدير. ويسمون ذلك اليوم "عيد الأسرة". لكي يحتفل فيه الأطفال بوالديهم.

****

هناك أيضاً نوع من التشجيع المادي أو المالي

أهم مظهر له الترقية والعلاوة والمكافأة المالية

ويأتي هذا الأمر بطريقة دورية. كعلاوة سنوية تمنح للموظف. أو ترقية لمن تمر عليه سنوات معينة في وظيفته. كمن يرقي مثلاً من مدير إدارة إلي مدير عام. وهيئات تمنح نسبة معينة من الربح.

وقد يكون التشجيع بأجر إضافي Overtime يعطي للموظف أو العامل عن ساعات قضاها في العمل أزيد من الحد المعين.

كما أن هناك ما يسمي بالترقية الاستثنائية تقديراً لعمل مميز وهناك أيضا مكافآت مالية. تمنح في بعض المناسبات. أو اعترافاً بجهد خاص. كل هذه الألوان من التقدير أو التشجيع. ترفع من نفسية العامل أو الموظف. وتشعره أن الإدارة لا تغفل من يحسن عملاً..

وفي مجال الخدم يوجد نوع من التشجيع أو المكافأة بالإصطلاح المعروف باسم "البقشيش". ومع أنه اختياري لكنه لازم لاستمرار العمل.

****

من مظاهر التشجيع والتقدير أيضا الألقاب والأوسمة والنياشين:

في عهد الملكية كانت توجد مثلاً ألقاب مثل "بك". "باشا". ومع أنها قد ألغيت. إلا أنها تستعمل في التعامل بطريقة غير رسمية.

كذلك كانت توجد للوزراء وكبار الرسميين ألقاب أخري مثل صاحب المعالي. وصاحب الدولة. وصاحب الرفعة. وصاحب العزة. وصاحب السعادة. وكلها ألوان من التقدير لأصحابها.

والأوسمة والنياشين لا تزال موجودة يمنحها رئيس الدولة لبعض الأشخاص تقديراً لهم. وقد يمنحها رئيس دولة لرئيس دولة أخري في زيارة له. كما توجد ألقاب علمية شرفية تمنحها بعض الجامعات..وفي بعض المدن في بلاد الغرب يمنح عمدة المدينة شهادة تقدير لأحد الأشخاص. أو عضوية مواطنة شرفية له Honorary Citizenship.

****

ومن نواحي التقدير أيضا منح الدروع. والكؤوس:

كأن يمنح شخص درع محافظة معينة. أو درع أحد الجيوش. أو درع نقابة مهنية. أو درع إحدي الكليات أو إحدي الجامعات.

كلها ألوان من التقدير. ونفس الوضع في الرياضة أو المسابقات. إذ يحصل الفريق الفائز علي كأس اعترافاً بفوزه وتقديراً لمهارته.

وقد يمنح نجمة خاصة.. يأخذها اللاعب اعترافاً بنجوميته.

****

كل ما ذكرناه هو تشجيع للكبار والفائزين. يبقي الجانب الآخر وهو:

تشجيع الضعفاء بكافة أنواعهم:

وهذا عمل إنساني واجتماعي. وهو أيضا عمل محبة وإشفاق.

وفي هذا المجال. هناك مجموعة من الضعفاء سنتحدث عن تشجيعهم طائفة بطائفة. وهناك أشخاص ليسوا ضعفاء بطبيعتهم. ولكن تمر عليهم أوقات ضعف طارئة يحتاجون فيها أيضا إلي تشجيع.

مثال ذلك الحزاني: كأب فقد ابنه. أو امرأة فقدت زوجها. وفي مثل هذه الحالة يحتاج كل منهم إلي كلمة عزاء تخفف من حزنهم. وتشجعهم علي احتمال ما قد أصابهم بوفاة عزيز عليهم.

****

تشجيع صغار النفوس

وصغار النفوس هم الذين إنهارت معنوياتهم من الداخل. وصارت نفوسهم صغيرة في أعينهم. فأحسوا بالعجز. وقاربوا اليأس.

هؤلاء يحتاجون إلي تشجيع. وإلي من يمسك بأيديهم ويقيمهم من الانهيار لئلا يفشلوا ويضيعوا. يحتاجون إلي من ينقذهم من روح الكآبة المسيطرة عليهم ومن شعورهم أن كل شيء قد انتهي. ولا فائدة!!

بعض هؤلاء قد يحتاجون إلي الطبيب النفساني. أو إلي المرشد الروحي أو المرشد الاجتماعي. أو إلي قلب محب شفوق يعطيهم من حنانه وعطفه ما يرفع من نفسياتهم ويزيل حزنهم ويأسهم.

****

لعل من هذا النوع من تضغط عليه المشاكل والأحزان. فيلجأ إلي الانتحار

وحتي هذا أيضاً يمكن تشجيعه وإنقاذه. واقناعه بأن الانتحار لن يحل له مشكلة. وأن حياته عزيزة لا يصح أن يفقدها. كما يمكن مناقشة الأسباب التي تدعوه إلي الانتحار. وكيف يمكن النجاة منها.

عموماً كل أصحاب المشاكل الصعبة يحتاجون إلي تشجيع..

يحتاجون لأن يعرفوا أن كل مشكلة لها حل أو حلول. وأن الله قادر أن يتدخل ويحلها. وربما الأمر يحتاج إلي شيء من الصبر. وبالوقت تنحل. ومع مناقشة المشكلة. يمكن الوصول إلي منافذ للخروج منها.

إن التشجيع معناه منح الشخص شجاعة لمواجهة الموقف..والوقوف معه في مشاكله قلباً وفكراً. وإشعاره أنه ليس وحده. وإنما هناك من يسنده ويساعده ويشاركه في شعوره.

****

نقطة أخري هي تشجيع الساقطين علي القيام من سقطتهم

هناك من يشعر أن سقطته لا قيام منها. وأن الخطيئة قد أصبحت تجري في دمه وتسيطر علي كل إرادته وفكره ومشاعره. كما أنه لا نجاة من نتائجها. مثل هذا الساقط يحتاج إلي تشجيع بأن التوبة ممكنة جداًَ. وإن كثيرين كانوا في أسوأ حالة منه وقد تابوا. وأن نعمة الله قادرة أن تخلصه. فالله يريد له التوبة. ويساعده عليها. ويقيلها منه. ويغفر له كل ما فعله. وعلي من يشجعه أن يسهل له طريق التوبة بأساليب عملية تنجيه مما هو فيه.

ويدخل في هذا النطاق أيضا من يقعون في الإدمان:

هؤلاء لا ينفعهم التوبيخ أو العقوبة. إنما ينفعهم تشجيعهم علي التخلص من إدمانهم. مع إقناعهم بأن هناك طرقاً للتخلص من الإدمان. والمهم فقط أن يستجيب المدمن. ويبدأ علاجه.

***

في مجال التشجيع أيضا: تشجيع المريض

وبخاصة في الأمراض التي تبدو مستعصية. وأصحاب العاهات

من المهم جداً رفع معنويات المريض. فحالته النفسية لازمة جداً في علاجه. وإذا أدركه اليأس من الشفاء. تهبط مقاومته. وتنهار صحته مع انهيار نفسيته. لذلك فالتشجيع لازم له جداً.

وهذا التشجيع يأتي من الأطباء. ومن الأقارب والزائرين.

فابتسامة الطبيب. وكلماته المطمئنة. لها مفعول يقارب مفعول الدواء والعلاج. وعلي الأقل لا يزيد المرض ثقلاً.. وكذلك أيضا ما يسمعه المريض من كلمات زائريه. وبخاصة رجال الدين منهم.

إن من أخطر الأمور بالنسبة إلي المريض. أن يزوره بعض أقربائه وأحبائه. وينظروا إليه في أسي. أو يبكوا محبة له وإشفاقاً عليه..!

****

من المحتاجين أيضا إلي التشجيع. الطبقات التي تبدو محتقرة في المجتمع

نذكر كمثال لذلك أنه كانت توجد في الهند في أيام زعيمها الروحي المهاتما غاندي طائفة تُسمي "المنبوذين" Outcasts. وكان ظل الواحد منهم يُعتبر كأنه ينجس أي هندوسي!! فكان من الزعيم غاندي تشجيعاً لأولئك المنبوذين واشفاقاً عليهم. أنه جعل مسكنه في وسطهم. كما أنه طالب بأن يكون منهم أعضاء في البرلمان. وصام من أجلهم حتي بدأ دمه يتحلل. وأخيراً استجيب طلبه.

ومع أنه لا توجد حالياً أمثال جماعة المنبوذين في الهند. إلا أنه توجد جماعات لا تنال الاحترام الكافي من المجتمع.. حالياً يحتاجون إلي تشجيع علي احتمال وضعهم. بأن يحترس الناس في عباراتهم الموجهة إليهم. علي الأقل لا تكون جارحة لشعورهم. بل علي العكس تحمل معاني التقدير والشكر.

***

أمثلة أخري تحتاج إلي تشجيع..

منها الطلبة الذين فشلوا في امتحاناتهم. يحتاجون إلي التشجيع بأن أمامهم فرصاً أخري للنجاح. وكذلك أصحاب الأعمال الذين فشلوا في مشروع معين. هؤلاء أيضا قد يصادفهم النجاح في مشروعات أخري.

كذلك الفقراء والمديونون. يحتاجون هم أيضاً إلي تشجيع. ليس بمجرد الكلام. إنما بتعضيدهم اقتصادياً ليجتازوا أزمتهم.

أيضا الذين فشلوا في حياتهم الاجتماعية أو حياتهم الزوجية. يحتاجون كذلك إلي تشجيع لكي تستمر حياتهم بنفسية سليمة علي الرغم من ظروفهم.

ممن يحتاج أيضا إلي تشجيع: الغريب والضيف. وكل عائلات المسجونين وفاقدي عائل الأسرة. علي أن يكون التشجيع عملياً. وليس مجرد كلام.