حياة
الشكر
بقلم
قداسة البابا
شنوده الثالث
28/10/2003
جريدة
الجمهورية
ما
أكثر الذين
يطلبون. وما
أقل الذين
يشكرون علي
نوال ما
طلبوا! أو
يكون شكرهم
ضئيلاً إلي جوار
طلبهم. فيطغي
الطلب علي
الشكر..
وفي
الواقع لو
أننا تأملنا
فضل الله
علينا. ما
كانت حياتنا
تكفي لشكره..
لقد
خلقنا الله إذ
لم نكن.
ومنحنا نعمة
الوجود.
وأبقانا في
الوجود إلي
هذا اليوم..
فمن منا يشكر
الله علي هذه
النعمة. نعمة
الحياة
والوجود؟
وقد
ميزنا الله
علي سائر
الكائنات
الأرضية بالعقل.
مع كل ملكات
هذا العقل: من
الفكر. والفهم
والإدراك.
والاستنتاج.
والذاكرة.
والتخزين في
العقل الباطن.
ووهبنا
المعرفة.
والنمو في
المعرفة.
فصرنا نعرف ما
لايعدّ من
الأمور. التي
ما كان يعرفها
الجيل السابق
لنا.. ومع
المعرفة
أيضاً منحنا
موهبة الاختراع
لنبتكر ما هو
نافع لحياتنا
وراحتنا.
ومنحنا
الله حرية
الإرادة.
لنفعل ما نريد.
ولو ضد
إرادته!
ومنحنا أيضاً
الضمير. لنميز
ما بين الخير
والشر. وما
بين ما يلزم
وما يجوز. وما
بين اللائق
وغير اللائق.
لكي نسلك في
حياتنا
ومعاملاتنا
حسناً.. فمن
منا الذي يشكر
علي كل هذه
المنح
والمواهب؟!
***
كذلك
وهبنا الله
الطبيعة التي
حولنا. بكل ما
فيها من خير
لنا..
وهبنا
الهواء الذي
نستنشقه.
والماء
والطعام لغذائنا.
ومنحنا النور
والدفء لنعمل.
والظلمة في
الليل لنهدأ
ونستريح..
ومنحنا هذه
الطبيعة من
أنهار وبحار
وبحيرات. ومن
أرض لنزرعها
أو نمشي عليها
أو نبني فوقها
مساكننا.
ومنحنا الجبال
والتلال بكل
ما تحويه.
والمنخفضات
والوديان. وكل
الثروات
الطبيعية
التي تحويها
الأرض في
جوفها. وسخّر
لنا الله
الحيوان
والدواب.
لتخضع لنا.
فنستخدمها
لاحتياجاتنا..
ووهب لنا
الجمال في
أنواع من
الطبيعة. في
الزهور
الجميلة.
والطيور
المغردة. وفي
الأسماك
الملونة.
والفراشات
المتعددة
الألوان. وفي
المناظر
الطبيعية
الجذابة. وفي
البلابل ذات
الألحان. وفي
الورود ذات
الشذي والعطر..
فمن منا يشكر
الله علي كل
هذا. ويترنم
بشكره في كل
وقت؟!
***
إن
حياة الشكر
ترتكز علي
الرؤيا
السليمة للعطية.
والتمتع بها.
والتأمل في
إحسان معطيها.
وفي محبته
وكرمه وعنايته..
غير
أننا ننظر في
غير عمق.
حواسنا التي
تري وتسمع.
لاتصحبها
قلوب عارفة
بالجميل! كما
أننا قد نتمتع
بالعطية. دون
ان نتأمل في
حب معطيها..
حياة
الشكر ترتبط
أيضاً
بالقناعة.
فالإنسان القانع
يشكر. أما
الطماع فإنه
باستمرار
يتذمر.. إننا
إذا نظرنا إلي
ما في أيدينا.
فطبيعي أننا
نشكر عليه.
أما إذا ظللنا
نفكر فيما
ينقصنا. فسوف
يدركنا الحزن
ونتضايق..
الشكر
أيضاً يرتبط
بالتواضع.
فالإنسان
المتواضع
يقول: لقد
أعطيتني يارب
فوق ما استحق.
أما الذي
تحاربه
الكبرياء
والعظمة. فإنه
يشعر في كل
وقت أنه لم
ينل ما يناسب
قدراته وقيمته..!
حياة
الشكر أيضاً
يصاحبها
الفرح
والسلام. فالإنسان
المشكور يملأ
الفرح قلبه.
كما أن الذي في
قلبه فرح
وسلام. يكون
علي الدوام
شاكراً.
***
غالبية
الناس يشكرون
علي النعم
فقط. وقليلون الذين
يشكرون في
الضيقات
إنما
يشكر في
الضيقة. القلب
الواسع الذي
يضيق بالضيقة.
والذي له
الإيمان
العميق
بعناية الله ورعايته.
شاعراً بأن
لابد وراء هذه
الضيقة خيراً.
وإن كان هو
لايري هذا
الخير الآن.
فسوف يعلنه له
الله أخيراً.
أعلي
من الشكر في
الضيقة. الشكر
علي الضيقة..
الشكر
في الضيقة
يدخل في فضيلة
الاحتمال. أو
فضيلة
التسليم للإرادة
الالهية.
لأنه إن كان
الله قد رضي
لنا بهذه الضيقة..
وهو صانع
الخيرات.
فلماذا لا
نرضي بها لأنفسنا؟!
أماالشكر
علي الضيقات.
فمعناه أنها
بركة لها إكليلها.
وليست ضيقة.
ومثال
ذلك شكر الذين
كانوا
يتقدمون إلي
ساحة الاستشهاد.
شاعرين أنهم
سوف ينالون
شرفاً يشكرون
عليه. لا أنهم
يواجهون
عذاباً
يتألمون به..
وطبيعي أن
الذي يشكر علي
الضيقات. لابد
أن يشكر علي
النعم.
***
عموماً
إننا نشكر علي
النعم التي
ندركها. ولكن
هناك نعماً لا
ندركها الآن.
يلزمها أيضاً
الشكر. حينما
تنكشف لنا
وندركها بعد
حين..
ما
أكثر إحسانات
الله إليك
التي لا
تعرفها! فأنت
ربما تشكر
الله لأنه
نجاك من ضيقة
معينة تعرفها.
ولكن هناك
ضيقات أخري
كانت في
طريقها إليك.
ومنعها الله
عنك. ربما
دسائس كانت
مدبرة ضدك
وأنت لا تدري.
وقد منعها
الله فلم
تحدث. وأنت لا
تشكر علي ذلك
بسبب عدم
المعرفة.
ربما
خطيئة كانت زاحفة
إليك لتسقطك.
وحماك الله
منها قبل
وصولها. ربما
شيطان كان
قادماً إليك
ليغريك.
فانتهره الله
ولم يأت. وأنت
لا تدري فلا
تشكر.
إن
الله كما
أمرنا أن نفعل
الخير في
الخفاء. هو
أيضاً كذلك
كثيراً ما
يفعل الخير
لأجلنا في الخفاء.
ونحن لا ندري.
ولكن نؤمن.
***
اذن ليتنا
نشكر علي كل
شيء: علي
النعم
الروحية. وعلي
النعم
المادية. علي
النعم التي
نراها. والتي
لا نراها.
وعلي الضيقة
لأنها أيضاً
نعمة..
ربما
يصيبك مرض
وتلزم الفراش.
فتقول: اشكرك
يا رب من
أعماق قلبي
علي هذا
المرض. لأنه
قربني إليك.
وجعلني أعود
إلي صلواتي.
وأحاسب نفسي
وألومها علي
خطاياها.
وأسرع إليك
بالتوبة. كما
أشكرك علي هذا
المرض. من أجل
ما لمسته اثناءه
من محبة
الكثيرين
المحيطين بي
في مرضي.
وتقول
أيضاً: اشكرك
يا رب لأن هذا
المرض أعطاني
فرصة أخلو بك
فيها. كما
أعطاني المرض
الشعور ببركة
الألم. كما
أشعرني
بالتقصير السابق
الذي لي من
جهة زيارة
المرضي. بل
بالأكثر
أعطاني المرض
استعداداً
لأبديتي..
حقاً ما أكثر
بركات هذا
المرض. وما
أحمق أن نشكر
عليه.
***
عقبات
أمام الشكر
هناك
عقبات كثيرة.
تمنع الإنسان
من حياة الشكر.
نذكر منها:
1-
أحياناً لا
نشكر. لأننا
لا ننظر إلي
النقط
المضيئة في
حياتنا
بل
نركز فقط علي
المتاعب
وحدها.
وتركيزنا علي المتاعب
يجلب لنا
الحزن والقلق
والتشاؤم.. وكل
هذا لا يعطي
مجالاً للشكر.
لذلك نصيحتي
لكم ان تذكروا
كل الأمور
المفرحة التي
مرت بكم. وتشكروا
عليها.
2- كذلك
نحن لا نشكر
الله. لأننا
لا ننسب اليه
الأمور
المفرحة في
حياتنا
بل
ننسبها إلي
أسباب أخري.
فإن نجحنا
ننسب ذلك إلي
ذكائنا. أو
إلي مجهود
مدرسينا. أو
إلي سهولة
الامتحان.
وتختفي معونة
الله في كل
ذلك!
وأيضاً
إذا شفينا من
مرض ننسب ذلك
إلي الأطباء.
دون أن نذكر
يد الله مع
الطبيب. وإذا
تم لنا التوفيق
في عملنا.
نرجع ذلك إلي
قدراتنا
وكفاءتنا! وإن
نجونا من
حادثة. نقول
إن السبب هو
مهارة السائق!..وفي
كل هذا تختفي
يد الله من
أسباب
أفراحنا. فلا
نشكره علي
شيء!
***
3-
وأحيانا لا
نشكر علي شيء.
إلا إذا
فقدناه أو حرمنا
منه!
لا
نحس بالنعمة
التي نحن
فيها. إلا إذا
ضاعت منا! فلا
نشكر علي وجود
الوالدين. ولا
نشعر ببركتهما.
إلا إذا توفي
أحدهما. ولا
نشكر علي ما
نحن فيه من
صحة ولا نعرف
قيمتها. إلا
إذا مرضنا. بل
لا نشعر ببركة
النور في
الحجرة. إلا
إذا انقطع
التيار
الكهربائي!
4-
وأحياناً لا
نشكر. لأن
الأمر في
نظرنا أقل من ان
نشكر عليه!
أو
هكذا نراه..
وحسناً قال
أحد الآباء
الروحيين:
الذي لا يشكر
علي القليل.
كاذب هو إن
قال انه يحيا
حياة الشكر.
بالنسبة إلي
النعم
العظيمة!
فمثلاً:
لماذا لا نشكر
علي الجو إن
كان صحواً؟!
هل ننتظر إلي
أن يكفهر
الجو. ثم نشكر
ان عاد فاعتدل!
كذلك لماذا لا
نشكر علي
الطبيعة
الجميلة. أم
هي أمر عادي لا
يستحق الشكر؟!
***
5- اننا
كثيراً ما
نفرح بالنعمة.
ونكتفي بالفرح
دون أن نشكر!
نفرح
بالخير الذي
نحن فيه. دون
أن نشكر علي
هذا الخير..
كتلميذ يفرح
بنجاحه. أو
فتاة تفرح بخطوبتها.
أو موظف يفرح
بترقيته. دون
أن يتقدم أحد
من هؤلاء
بالشكر لّله
علي ما قد
ناله من خير.
ان
الله ليس
محتاجاً إلي
شكرنا. ولكننا
نحن نحتاج إلي
ذلك:
لاننا
بالشكر نتذكر
احسانات الله
الينا ومحبته
لنا. فتزداد
رابطتنا به
عمقاً. ونحبه.
وهذا مفيد لنا
روحياً. كذلك
ندل بهذا
الشكر علي نقاوة
قلوبنا. لان عدم
الشكر فيه عدم
العرفان
بالجميل. وعدم
تقدير من
أحبنا.
***
6-
وأحياناً نحن
لا نشكر.
لاننا لم
نتعود ذلك في حياتنا:
إذا
كنا لا نشكر
اخوتنا من
البشر علي
خدماتهم لنا.
فطبيعي أننا
قد لا نشكر
الله أيضاً.
كما يقول
الكتاب: "ان
كنت لا تحب
أخاك الذي
تراه. فكيف
تحب الله الذي
لا تراه؟!".
وينطبق هذا
علي الشكر أيضاً.
لذلك
عوّد نفسك أن
تشكر غيرك علي
كل أمر يعمل من
أجلك. مهما
كان ضئيلاً.
ثم بعد ذلك قل
في داخل نفسك:
"أشكرك يا رب
لانك أرسلت لي
من يساعدني.
ومنحت هذا
الانسان قدرة
علي أن
يخدمني".. وهكذا
تشكر الله
والناس في نفس
الوقت. تشكر
أخاك الانسان
لانه كان
العامل المباشر
المرئي. وتشكر
الله لأنه
مهّد كل هذا لك.
بطريقة غير
مرئية.
***
7-
وأحياناً نحن
لا نشكر بسبب
أنانيتنا..
لا
نفكر إلا في
ذاتنا! فإن
أخذت. تكون قد
اكتفت. ولا
تفكر في اليد
التي أعطتها.
كانسان جائع
يُوضع أمامه
طعام. فيأخذ
في التهامه
دون أن يفكر
فيمن قدمه له.
أو في شكره
علي ذلك.
كذلك
نحن ننشغل
بذاتنا في
أخذها. دون أن
نتطلع إلي وجه
المعطي.
كانسان
فتح له الله
أبواب الرزق.
فانشغل بالرزق
يجمعه وينميه.
ولا يتفرغ ولو
إلي لحظة لكي يشكر
من وهبه
الرزق!
8- ونحن
أحياناً لا
نشكر. لأننا
ننسي..
ننسي
العطية. وننسي
المعطي. وننسي
الشكر. فلو اننا
دربنا أنفسنا
علي الشكر.
لكان هذا
التدريب يحفر
في ذاكرتنا
أشياء لا
ننساها: منها
ما نلناه من
الحياة
والصحة
والعمل
والمال. وكل عطية
من الله.
***
9-
وأحياناً لا
نشكر علي خير.
بسبب المقارنة
بمن هم أفضل
منا
لا
نشكر علي ما
أعطانا الله.
لأننا نري أن
غيرنا عنده
أكثر منا. أو
لأن غيرنا أخذ
مثلنا وهو لا
يستحق.. مثال
ذلك موظف في
شركة يتقاضي
مرتباً ما كان
يحلم به. هو
أضعاف أضعاف
مرتبات زملاء
له في وظائف
عادية. ومع
ذلك لا يشكر
الشركة. لان
بعض موظفيها
يأخذون أكثر
منه. وبالتالي
لا يشكر
الله..قارن
نفسك اذن بمن
هو أقل منك
فتشكر الله.
ولا تقارن بمن
هو أعلي.
10-
وهكذا هناك من
لا يشكر بسبب
طموحاته في
مستوي أعلي
ولذلك
فانه
باستمرار
يستصغر ما وصل
اليه فلا يشكر.
والطموح في
حدود
الاعتدال ليس
خطية. وهو لا
يمنع الشكر.
فاشكر لكي
يعطيك الله
أكثر. وقد قال
أحد الآباء:
ليست موهبة
بلا زيادة إلا
التي بلا شكر.
فلا
تدع الطموح
يجعلك تحتقر
ما وهبك الله
إياه. فكثيرون
هم ضحايا
الطموح
الخاطيء
المتكبر. الذي
ينسي احسانات
الله. بروح
الطمع الذي لا
حدود له!
***
11-
وأحياناً البعض
لا يشكر. لأن
من طبعه
التذمر
والجشع
مثل
هذا النوع لا
يعيش أبداً في
سلام قلبي. ولا
يعترف بفضل
الله عليه.
وهو لا يكتفي
مهما أخذ.
وكما قال
سليمان
الحكيم "كل
الأنهار تجري
إلي البحر.
والبحر ليس
بملآن"!
كالموت الذي
لا يكتفي.
مهما أخذ من
أرواح!
افرح
اذن بما في
يديك واشكر
الله. ولا تقل:
ملء يدي لا
يكفي. أريد
أيضاً امتلاء
جيوبي
وخزائني.
واعرف ان الجشع
يمنع الشكر.
ويسبب
التعاسة.
وأحياناً
يكون عدم
الشكر. بسبب
ضعف الحياة الروحية
كلها:
كانسان
لا يشكر الله.
لانه لا علاقة
له بالله اطلاقاً.
فلا شكر.
وأيضاً لا
صلاة ولا صوم.
ولا قراءة في
كتاب الله.
ولا حضور
اجتماعات
دينية.. مثل
هذا من أين
يأتيه الشكر؟!
***
12-
أحياناً لا
نشكر. لأننا
لا ندرك حكمة
الله في ما
يحدث لنا!
أمور
عديدة تمر
بنا. ولا نشكر
عليها. بل علي
العكس قد
نتضايق منها
أو نتذمر
بسببها. لاننا
لا ندرك حكمة
الله في
حدوثها.
ان
بيع يوسف
الصديق.
والتهمة
الكاذبة التي
التصقت به.
والقاؤه في
السجن. كان
وراءها كلها خير
لمصر وله.
ربما لم يره
يوسف في ذلك
الوقت.. لكنه
عرفه أخيراً.
وشكر الله
عليه.