القلب
وعمله الروحي
بقلم
قداسة البابا
شنوده الثالث
12/8/2003
جريدة
الجمهورية
للقلب
عمله الأساسي
في الروحيات.
ولعل في مقدمة
ذلك: عمله في
التوبة. وعمله
أيضا في
الفضائل.
وعمله في
العبادة.
القلب
والتوبة
التوبة
الحقيقية هي
التوبة
الصادرة من
أعماق القلب.
وليست التوبة
الصادرة عن
مجرد الإرادة.
لأن الارادة
قد تقوي حيناً
فترفض
الخطيئة. ثم
تضعف حيناً
آخر فتحنّ
إليها. قد
تمتنع
الارادة عن
فعل الخطية.
ولكن - مع عدم
ارتكابها -
تبقي محبتها في
القلب. وبهذا
لا تكون توبة
حقيقية.
إن
التوبة
الكاملة هي
كراهية
الخطية. وهي من
عمل القلب
لأنه
إن كانت توجد
في القلب خطية
محبوبة - ولو ان
الارادة
ترفضها - فلا
تسمي هذه
توبة. إنما هذه
محاولة
للوصول إلي
التوبة. أما
التوبة فهي أن
يرجع الإنسان
إلي الله بكل
قلبه. ولا
يشتهي في
داخله شيئاً
ضد وصايا
الله. وضد
الحياة الطاهرة
النقية.
وبالوصول
إلي الناحية
الإيجابية
يعمل الشخص
علي أن يحب
الله من كل
قلبه. ويقول
كما في
المزمور: "من
كل قلبي
طلبتك"..
***
التوبة
ترتبط
ارتباطا
وثيقاً
بنقاوة القلب
والتوبة
التي من القلب
هي التي
تستمر..
التوبة
ليست كلمات
نقولها
بألسنتنا.
وليست وعوداً
نعد بها الله
في لحظة يقظة
روحية. ثم
نعود
فننساها!!
إنما التوبة
الحقيقية هي
تغيير حقيقي
للقلب. وكأن
الإنسان قد
وهبه الله
قلباً جديدا.
وهي أيضا
تغيير أساسي
في شهوات
الإنسان
الداخلية..
وكما قال أحد
الآباء:
التوبة
هي استبدال
شهوة بشهوة:
فتحل
شهوة الخير
والفضيلة محل
شهوة الشر
والدنس..
وليست التوبة
مجرد امتناع
خارجي عن
الخطيئة.
بينما هي ترعي
في القلب
وتنجسه! تبعد
عنها الإرادة
مضطرة في
تغصب! بينما
يشتهيها
القلب في
الداخل. وكما
قال أحد معلمي
الفضيلة: قد
يوجد البعض
لهم أجساد
عفيفة. لكن
قلوبهم دنسة!.
***
للوصول
إلي التوبة.
ينبغي أن
ينتصر القلب
في الداخل.
ويكون نقياً
زاهدا في
الأمور
الخاطئة.
حينئذ ينتصر
من الخارج..
أتقول:
انني للأسف
الشديد. أعيش
في بيئة فيها الكثير
من المغريات
والعثرات
والحروب الروحية
التي يسهل
معها السقوط..
أقول
لك: إن كان
قلبك منتصراً
من الداخل.
فلا يمكن أن
تؤثر عليه كل
هذه.. إن يوسف
الصديق
المنتصر في داخله.
لم تقو
العثرات عليه.
ولا المغريات.
ولا الحروب
الروحية في
شدتها..
أتقول:
فلان طبعه
متعب. لقد
نرفزني
وأثارني وأفقدني
هدوئي.. فأرد
عليك: بل كان
الأولي بك أن
تقول: إن
فلاناً كشف لي
الخطأ
الموجود في
قلبي. لأنه لو
كان قلبي
قوياً. ما كنت
أقع في
النرفزة! لقد أظهر
لي بعض
ضعفاتي. لكي
أتوب عنها..
***
إن
العثرات
الخارجية
تؤثر وتعود
إلي الخطية. إن
كان القلب
يستجيب لها..
أما
إن كان القلب
يرفضها. فهذه
العثرات لا
تعثره هو. بل
قد تعثر غيره.
إن وجدت في
قلب هذا الغير
قبولاً لها.
كذلك
الكلام
الروحي عن
التوبة. قد لا
يأتي بنتيجة.
إن كان القلب
لا يريده. أو
بالأكثر
يرفضه. بسبب
محبة خاطئة
يتعلق بها
القلب.
اذن
الانتصار علي
الخطيئة. إنما
يأتي من الداخل.
ومهما
دقق الوعاظ
علي اجتناب
المظاهر
الخارجية
الخاطئة. فلن
يجدي ذلك
نفعاً. ما لم
يأتِ الإصلاح
من الداخل..
تقول
لاحدي
الفتيات
مثلاً:
ملابسك. شكلك.
زينتك.
مكياجك.. وتظل
تؤنب وتوبخ..
ولكنها لن
تغيرّ شيئا من
كل هذا. ما لم
يتغير القلب
من الداخل. وتتغير
المباديء. ثم
تتغير
السلوكيات..
حقاً
إن التغيير
الخارجي. لا
يأتي إلا
بالتحديد
الداخلي:
بذهني يفكر
بطريقة جديدة
روحانية.
ينفعل بها
القلب
ومشاعره..
أولي بنا في
الوعظ
والإرشاد أن
نتفاهم مع
قلوب الناس
وعقولهم. وليس
مع آذانهم
فقط. نقول لهم:
"تغيروا عن
شكلكم. بتجديد
أذهانكم".
***
إننا
كثيراً ما
نركز علي
خطايا اللسان.
وخطايا
الحواس
والعمل. دون أن
نركز علي
مصدرها الذي
هو القلب!!
إنسان
يحتد ويثور
ويشتم ويتلفظ
بما لا يليق. فننصحه
بأن يبعد عن
خطايا اللسان.
دون أن ننصحه
بأن يغير ما
في قلبه. لكي
يكتسب فضائل
الوداعة
والهدوء
والاحتمال
ومحبة
الآخرين. ذلك
لأنه إن كانت
هذه الفضائل
في قلبه. فلن
يخطيء مطلقاً
بلسانه. ولن
يحتد أو يثور..
إنسان
يثور علي
ملابس المرأة.
ويقول إنها
توقعني في
الشهوة!
بينما
الذي يوقعه في
الشهوة هو
قلبه. وأيضا
فكره من جهة
المرأة
والجسد. فلو
كان قلبه
نقياً من جهة
المرأة. ما
كانت شهوة من
جهتها تتحرك في
قلبه!
فليت
الوعاظ كما
ينتقدون ملابس
النساء. إنما
يركزون أيضا
علي مشاعر
الرجال
وشهواتهم.
وصدق الشاعر
الذي قال
لامرأة خاطئة:
ودَعَوْك
بائعة الأثيم
من الهوي *** كذبوا
فإن الذنب
ذنبُ المشتري
إن
خطيئة الزنا
مصدرها هو
القلب. قبل أن
تصل إلي شهوة
الحواس وشهوة
الجسد. فخطيئة
النظر هي أولا
خطيئة قلب.
ولو كان القلب
نقياً ما كان
ينظر نظرة شهوانية..
كذلك
نظرة الحقد.
تأتي من الحقد
الذي في القلب..
ونظرة القسوة
تأتي من قسوة
القلب. وكذلك
نظرة
الكبرياء.
وهكذا..
***
العمل
الإيجابي
للقلب
تكلمنا
عن الخطأ في
مشاعر القلب.
ويعوزنا أن نتكلم
عن عمله الإيجابي
في الفضيلة.
فالقلب
مصدر كل حماس
للحق. وكل
دعوة للخير.
وكل غيرة
مقدسة
كل
محبة للناس
وخدمتهم. وكل
عمل لانقاذهم
من كل ورطة
وقعوا فيها.
كل هذه هل
نضعها تحت
عنوان الخدمة
الاجتماعية؟
أم نقول إن
القلب هو مصدرها
والداعي
إليها؟..
وإن
لم تكن صادرة
عن القلب. تتحول
إلي روتين.
ولا تُعدّ
فضيلة. وهنا
نميز الفرق
بين الخدمة
الملتهبة
الصادرة عن
القلب. وخدمة
الموظف
الرسمي في
المجال
الاجتماعي.
في
هذا. نميز
أيضا بين
الكاتب الذي
يدافع عن الحق
باقتناع قلبي
وإيمان
بالخير. وبين
كاتب آخر يكتب
من ناحية
نظرية..
***
ما
أعظم الفرق
أيضا بين
السلوك
الفاضل
النابع من حب
للفضيلة
ومحبة للّه.
وبين من يسلك
حسناً لمجرد
طاعة القانون!
سواء
كان يؤمن بهذا
القانون أو لا
يؤمن. ينبغي
أن تكون محبة
ومحبة الخير
هي مصدر لكل
عمل صالح بهذا
يكون الصلاح
صادرا عن
القلب. وليس
عن إرادة تحت
ضغط خارجي.
يقودها إلي
التنفيذ
مرغمةً.
إن
الاستشهاد -
وهو أرفع
درجات البذل -
كان صادرا عن
إيمان مصدره
القلب. ومحبة
لله نابعة من القلب..
قبل أن يكون
تعذيباً
للجسد أو
قتله.. كذلك
فإن الطاعة
بكل أنواعها:
إن كانت صادرة
من القلب.
يكون لها معني
أسمي بكثير من
الطاعة الخارجية
عن اضطرار..
***
القلب
والعبادة
العبادة
الحقيقية
المقبولة من
الله. هي التي مصدرها
القلب وهي
تتميز عن
العبادة
الشكلية المظهرية
تلك
العبادة
الزائفة التي
يقول عنها
المثل العامي:
"يصلي الفرض
وينقب الأرض"!
علي أن العبادة
الحقيقية
للقلب ليست
مجرد فرض.
إنما صلة حقيقية
بالله تبدأ من
القلب. وتستمر
في القلب.
مصدرها محبة
القلب بالله.
وإيمانه به.
وبالعمل علي
مرضاته. وشهوة
الوجود معه..
فالصلاة مثلا
ليست مجرد
كلام تتلوه
أمام الله. بل
هي
مشاعر
قلب ينسكب
أمام الله.
حتي بدون
كلام!
مجرد
خشوعك أمام
الله صلاة.
كذلك مجرد رغبتك
في أن تكون في
حضرة الله.
ورفع يديك إلي
السماء كقول
المرتل في
صلاته لله:
"باسمك أرفع
يدي. فتشبع
نفسي كما من
شحم ودسم".
***
ليس
المهم في
صلاتك
كلماتها.
وإنما مشاعرك
وليس المهم في
الصلاة طولها
وإنما عمقها.
"الصلاة"
النابعة من
القلب هي جسر
واصل من الأرض
إلي السماء.
بل الصلاة هي
مفتاح السماء.
كلمة
"الصلاة" في
اللغة
العربية هي
أعمق من معناها
في اللغات
الغربية. لأن
منها يُفهم
معني "الصلة"
بين الإنسان
والله وإذا لم
تكن هذه "الصلة"
موجودة. لا
تكون الصلاة
صلاة.. والصلة هي
صلة القلب
بخالقه..
والصلاة
ليست مجرد واجب
روحي. وإنما
حب لله. ومتعة
في الوجود
معه.. والذي
يملّ الصلاة.
إنما يقدم
دليلا عمليا
علي خلو قلبه
من محبته لله.
***
والصلاة
هي رفع القلب
إلي الله.
وليس مجرد رفع
اليدين أو رفع
العينين إلي
فوق
هي
رفع القلب عن
كل الماديات
والأرضيات.
لكي يتجه إلي
الله بكل عواطفه.
كمن يقول للرب
في صلاته:
ليتني يارب أنسي
الكل. لكي
تبقي أنت وحدك
في ذاكرتي.
في
سماء أنت حقاً
إنما *** كل قلب
عاش بالحب
سماك
عرشك
الأقدس قلب *** قد
خلا من هوي
الكل فلا يحوي
سواك
هي ذي
العين لقد
أغمضتها *** عن
رؤي الأشياء
علّي أن أراك
وكذا
الأذن لقد
أخليتها *** من
حديث الناس
حتي أسمعك
***
ليست
الصلاة فقط.
إنما كل
الممارسات
الدينية. ينبغي
قبل كل شيء أن
تنبع من
القلب..
الصدقة
مثلاً - أو
العطاء - هل
أنت فيه تعطي
من جيبك أم
تعطي من قلبك؟
وهل تخلط
عطاءك
للمحتاج بحبك
له؟ وهل تفرح
عندما تعطي.
لأنك أسعدت
إنسانا؟ أم
تعطي عن
تغصب؟!.
إن
الله لا
يكافئك علي
مقدار عطائك.
إنما علي نوع
مشاعرك فيه.
فهل تعطي
كسخيّ يعطي
لفقير. إنما
كإنسان يأخذ
من الله ما
يعطيه لرعية
الله. فما أنت
إلا موصل توصل
عطايا الله
للناس. الله
هو المعطي.
وأنت عبد
المعطي..
كذلك
في ذهابك إلي
بيت الله: هل
تشعر بشرف
الوجود فيه؟
وهل تشعر بالخشوع
اللائق به؟
وهل في داخلك
تشكر الله الذي
سمح لك أن
تدخل إلي
بيته. علي
الرغم من كسرك
لوصاياه في
كثير من
المناسبات.
بهذه
المقاييس
كلها. اسأل
نفسك عن نوعية
عبادتك كيف
هي؟ وما علاقة
القلب بها؟
وحاول
أن كل علاقة
لك بالله.
إنما تصدر عن
قلبك.