رحلة
الخبر إلي
أذنيك
بقلم
قداسة البابا
شنوده الثالث
28/9/2004
جريدة
الجمهورية
ليس
كل ما يصل إلي
أذنيك هو صدق
خالص. فلا
تتحمس بسرعة
ولا تنفعل بكل
ما تسمع وكل
ما تقرأ.
ولا تتخذ
إجراء سريعاً
لمجرد كلام
سمعته من إنسان
ما... بل تحقق
أولاً.. واعرف
أن كثيراً من
الكلام يقطع
رحلة طويلة
قبل أن يصل
إلي أذنيك.
ربما تصيبه
أثناءها
تطورات
وتغيرات..
وصدق الحكيم
الذي قال: "لا
تصدّق كل ما
يقال"...
***
اجعل
عقلك رقيباً
علي أذنيك
وافحص كل ما
تسمعه.
ولا
تصدق كل خبر.
لئلا تعطي
مجالاً للوشاة
وللكاذبين.
ولمن يخترعون
القصص. ولمن
يصنعون
الأخبار. ولمن
يدسون
ويشهدون شهادة
زور.. كل اولئك
يبحثون عن
انسان سهل
يصدقهم. وكما
قال عنهم وعن
أمثالهم أمير
الشعراء أحمد
شوقي:
قد صادفوا
أذناً صفواء
لينة..
فأسمعوها
الذي لم
يسمعوا أحدا
وما أجمل ما
قاله أيضا عن
مثل هذا الذي
يصدق كل ما
يسمعه بدون
فحص. ويقبل
الأكاذيب
كأنها صدق:
أثر البهتان
فيه .. وانطوي
الزور عليه
ياله من ببغاء..
عقله في أذنيه
***
نعم.
لو كنا نعيش
في عالم
مثالي. أو في
وسط الملائكة.
لأمكنك حينئذ
أن تصدق كل ما
تسمعه.
ولا
تتعجب ذاتك في
فحص
الأحاديث..
ولكن ما دام
الكذب موجوداً
في العالم.
وما دمنا نعيش
في مجتمع
يشتمل علي
أنواع من
الناس
يختلفون في
مستويات
اخلاقياتهم.
وفي مدي
تمسكهم
بالفضيلة. فإن
الحكمة تقتضي
اذن أن ندقق
ونحقق قبل أن
نصدق.. ونفحص
كل شيء. ولا
نتمسك الا بما
هو صدق وحق...
***
ولكن
قد يقول شخص:
إنني أصدق هذا
الخبر علي
الرغم من
غرابته. لأنني
سمعته من
إنسان صادق لا
يمكن أن يكذب...
نعم. قد يكون
هذا الإنسان
صادقاً. ولكنه
سمع الخبر من
مصدر غير
صادق. أو من
مصدر غير
دقيق!!
قد يكون الشخص
الذي حدثك. أو
الذي حدث من
حدثك. جاهلاً
بحقيقة الأمر.
أو علي غير
معرفة وثيقة أكيدة
بما يقول... أو
قد يكون
مبالغاً. أو
مازحاً أو مداعباً.
أو ربما يكون
قد سمع خطأ. أو
أن المصادر التي
استقي منها
معلوماته غير
سليمة...
***
أو
ربما يكون
المصدر
الأصلي الذي
أخذ عنه هذا وذاك.
غير خالص
النية فيما
يقول.. وله
أسباب شخصية
تدفعه إلي
اختراع
أكاذيب أو
أخبار
وهنا اتذكر
قول أحد
الشعراء: لي
حيلة فيمن ينم
.. وليس في
الكذاب حيلة
من كان يخلق
ما يقول فحيلتي
فيه قليلة
* حقاً. ما أكثر
من يطمس
الحقائق. ومن
يعمل علي الدس
والإيقاع بين
الناس بنفسية
منحرفة. ويفرح
بما يفعل. بل
يفتخر بذلك
ويقول: قد
استطعت أن ألقي
بينهم "زمبة"
ولسوف ترون
نتائجها
الخطيرة...
* وقد يكون
صانع الخبر
محباً
للاستطلاع.
يلقي الخبر
الذي يخترعه.
لكي يعرف مدي
تأثيره علي الناس
أو علي بعض
الناس..!
***
وقد
يود شخص أن
يكون الأول في
نشر الخبر.
ويفتخر بذلك.
ولهذا السبب.
فإنه لا ينتظر
حتي يتحقق من صدق
الخبر. وينشره
بما فيه من
زيف..
وما أكثر ما
يقع بعض
الصحفيين في
إغراء ما يسمي
بالسبق
الصحفي! فما
ان يتلقي
الواحد منهم
خبراً. حتي
يسرع بنشره.
ويأخذه
القراء
كحقيقة بينما
يكون كل الخبر
أو بعضه
بعيداً عن
الواقع تماماً!!
هذا بعكس
آخرين لا
يهتمون
بالسبق الصحفي.
وإنما
بالتحقيق
الصحفي الذي
يتميز بالدقة
والصدق..
* شخص آخر يسعي
إلي إحداث ضجة
بنشر أخباره.
أو ما يسمونها
"فرقعة".
ومثل هذا يهمه
الضجة
ويتباهي
بإحداثها. ولا
يبالي بصحة
الخبر..!
* وشخص ثالث
هدفه من نشر
الخبر أن يكون
له تأثير
اقتصادي أو
تأثير سياسي.
وهو يعلم عن
يقين أن الخبر
غير سليم .
إنما المهم
عنده الهدف..
وأنت أيها
القاريء
العزيز تصلك
هذه الأخبار
وما يشبهها
فتصدقها عن
حسن نية. دون
أن تعرف ما
وراءها من
أهداف أو
أغراض..!
***
وربما
يقول مصدق
الخبر: إنني
لم أسمع هذا
الخبر من مصدر
واحد فقط!
ويظن أن سماعه
من كثيرين
يجزم بصحته..!!
وننصح بأنه لا
يجوز أن تحكم
عن طريق
السماع بدون
تحقيق. حتي لو
سمعنا بالخبر
من كثيرين...
فما أكثر ما
يكون كلام
الكثيرين علي
وفرة عددهم له
مصدر واحد مخطيء..
وما أسهل ما
تتفق جماعة من
الناس علي كذب
مشترك.. مثلما
فعل أخوة يوسف
حينما بلغوا
آباهم خبراً
كاذباً عن
ابنه أن وحشاً
قد افترسه...
وقد تتآمر
مجموعة من
الناس وتتفق
علي نشر خبر
يحقق
مؤامرتهم.
ويؤكده كل
واحد من أفراد
هذه
المجموعة..
وما أكثر شهود
الزور الذين
قرأنا عنهم في
أحداث معينة
رواها التاريخ
في قصصه.. لهذا
ليس سماع
الخبر من كثيرين
دليلاً علي
صحته.. فربما
يكون اتفاقاً
بين هؤلاء علي
نشر خبر معين
لغرض في
نفوسهم.. ويكون
الخبر غير
صادق..
***
من
هذا المنطلق.
يمكن أن نتحدث
عن الشائعات
التي تنتشر
بين الناس.
وكلها عبارة
عن أخبار غير
حقيقية...
وقد قيل "إن
أردت أن تشعل
في مجتمع
حريقاً. أو
تسبب فيه
ضجيجاً. اطلق
اذن شائعة
تؤثر علي
الرأي العام
فيه.." والذين
ينشرون
الشائعات. غالباً
ما يكونون علي
دراية بنفسية
الجماهير
ومشاعرهم وما
يمكن أن يؤثر
فيهم ويكون
أقرب إلي
تصديقهم.
وربما تكون
الشائعة
هادفة إلي المساس
بشخصية معينة.
أو بهيئة ما.
أو هدفها
التأثير علي
مجري الأمور
السياسية أو
الاجتماعية.
وأحياناً
تطلق شائعة
خاصة بأحد الأمراض
أو أحد
الأدوية. أو
لتخويف الناس
من وضع معين.
أو لتحميسهم
لاتجاه خاص.
أو دفعهم لكراهية
سياسة ما...
وكثيراً ما
أدت بعض
الشائعات إلي
هياج شعبي ضد
بعض الأوضاع...
وقد تكون
الشائعة
محبوكة حبكاً
محكماً. وربما
يتباطأ
المسئولون في
تكذيبها. ولا
يعلنون زيفها
إلا بعد أن
تكون قد
انتشرت وتركت
تأثيرها في النفوس...!
وبخاصة في
نفوس العوام
والبسطاء..
والأمثلة عديدة
في تاريخ
الشائعات.
***
والخبر
الكاذب قد
يكون عن عمد.
أو عن جهل. أو عن
طبيعة
كاذبة..ووحيه "
لا تكذب" ليست
موجهة فقط إلي
المتكلم. بل
إلي السامع
أيضاً..
فالذي يسمع
الكذب ويقبله.
إنما يشجع
الكاذب علي
الاستمرار في
كذبه. كما يضر
نفسه إذ يحيط
ذاته بأشخاص
كاذبين غير
مخلصين. كذلك
فإن ناقل الكذب
يعتبر كاذباً.
وشريكاً في
الكذب ونشره
ويدخل في هذا
المجال أيضاً
مروجو
الشائعات الكاذبة.
وقد يقع في
هذا الأمر
أيضا الاناس
"البسطاء"
الذين يصدقون
كل ما
يسمعونه.
ويتكلمون عنه
كأنه حقيقة
بدون أي فحص
أو تدقيق!!
وفي الحقيقة
لا نستطيع أن
نسمي هذه
بساطة لان البساطة
في جوهرها هي
عدم التعقيد.
وقد يكون
الانسان
بسيطاً
وحكيماً في
نفس الوقت.
أما كون
الانسان يقبل
كل ما يسمعه
بدون تفكير.
فهذا له اسم
آخر غير
البساطة!!
اثنان
يشتركان في مسئولية
خطية الكذب:
وهما قابل
الكذب. وناقل
الكذب..وكلاهما
يشتركان مع
الكاذب
الأصلي في نشر
كذبه... وإن
كانت بعض
المشاكل قد تتسبب
عن نقل
الكلام. فإن
أخف الناس
ضرراً من ينقلون
الكلام كما هو
كما يفعل جهاز
تسجيل الصوت
الأمين
المخلص. الذي
لا يزيد علي
ما قيل شيئاً.
ولا ينقص.
ويعطي صورة
دقيقة عما قيل
بدون تعليق...
***
إنما
بعض الناس
يسمعون
الكلام.
ويضيفون عليه رأيهم
الخاص
واستنتاجاتهم
وأغراضهم.
ويقدمون كل
ذلك لإنسان
آخر. كأنه الكلام
المباشر الذي
سمعوه ممن نطق
به..!!
انظروا ماء
النيل وقت
الفيضان. وهو
بني اللون من
كثرة ما حمل
من طمي.. هذا
الماء كان في
بدء رحلته
ماءً صافياً
رائقاً عندما
نزل مطراً علي
جبال الحبشة.
ولكنه طول
رحلته في الطريق.
ظل يفت الطمي
من الصخور
ويختلط
بالطين. حتي
وصل إلينا
بهذه الصورة...
هكذا كثير من
الأخبار التي
تصل إليك
مشبعة بالطين.
ربما كانت رائقة
صافية في
أولها..
والفرق بينها
وبين ماء الفيضان
أن طينه مفيد
للأرض. أما
الطين الذي خلطه
الناس في
نقلهم
للأحاديث.
فإنه ضار وخطر
ومفسد
للعلاقات بين
الناس...
***
كثير
من الأخبار
عندما تصل
إليك تكون
أخباراً
مختلفة جداً
عن الواقع.
وسأضرب لذلك
مثلاً...
يقول شخص لآخر
"ألم تسمع؟
لقد حدث كذا
مع فلان"
فيجيبه "لا شك
انه غضب لذلك
جدا". فيقول له
محدثه"طبعاً
غضب بلا شك".
ويصل الخبر إلي
ثالث بأن
"فلاناً غضب
جداً بسبب ما
حدث له" فيجيبه:
"من غير
المعقول أن
يكون قد غضب
فقط. لابد أنه سينتقم".
ويصل الخبر
إلي رابع انه
سينتقم فيجيب
"حسب معرفتي
لطبعه. لابد
أنه سيدبر
دسيسة لمن
أغضبه". ويصل
الخبر إلي
خامس فيقول:
"ربما يرسل
خطاباً إلي
مكان وظيفته.
يتهمه
باتهامات
كيدية".
فيجيبه سادس
"لا يبعد أن
يقول عنه إنه
ضد الدولة.
ويشترك مع آخرين
في تدبير
مؤامرات
خطيرة". ويصل
الخبر إلي سابع.
فيسرع إلي
الشخص
المقصود.
ويقول له: خذ
حذرك فلان
أرسل خطاباً
إلي مكان
وظيفتك يتهمك
فيه بأنك
تشترك في
تدابير خطيرة
ضد الدولة!!"..
يحدث كل هذا.
وربما يكون
الشخص الذي
يتحدثون عنه
قد تضايق في
وقتها.
واستطاع أن
يصرف غضبه ويسامح
من أغضبه.. أو
يكون قد أخذ
الأمر ببساطة ولم
يتأثر..! أو قد
يحدث سوء
تفاهم بسبب
الخطاب المزعوم
المرسل إلي
مكان وظيفته.
الذي لا وجود
له علي
الإطلاق..!
***
لذلك
أكرر وأقول
"لا تصدق كل ما
يقال. ولا تكن سماعاً..
وأيضا لا تصدق
كل ما يكتب.
فهناك من
يكتبون بقصد
الإثارة. ومن
يظنونها شجاعة
وجرأة. ان
يشوهوا سمعة
بعض الكبار عن
طريق
كتاباتهم
وبعض من
هؤلاء. ترفع
ضدهم قضايا سب
علني وقذف..
ومنهم من
يعتبرون
تقديمهم إلي
قضايا النشر
لوناً من
الشهرة.. وبعض
الصحف تنشر
مقالات تحت
عنوان "آراء
حرة" تقول في
مقدمتها إنها
"تحت مسئولية
الكاتب"...
وبعض الكتاب ينشرون
آراء خاصة
بهم. لا ترقي
إلي مستوي
المعرفة التي
يتفق عليها
الجميع.
والآراء
الخاصة هي
مجرد آراء. لا
تستطيع أن
تصدقها جميعاً...
ونلاحظ أن
خبراً واحد قد
تتناوله صحف
المعارضة
والصحف
القومية.
بتعليقات
ربما يوجد
فيها شيء من
التناقض..
ويقف القاريء
حائراً بين
هذه وتلك.
يتساءل: يا
تُري أين توجد
الحقيقة؟!
لهذا. لا تصدق
كل ما يكتب.
إنما تناول كل
الأخبار
بالفحص
والتدقيق.
***
إن عقليات
الناس
ومفاهيمهم
ليست واحدة.
وكذلك فإن تعليقاتهم
علي الخبر
الواحد ليست
واحدة...
ولقد خلق الله
لك أذنين:
تسمع بهما
الرأي. والرأي
الآخر.
وجعل العقل
بينهما تحكم
به علي كل ما
تسمع. ولا
تقبل إلا ما
يوافق عقلك
وتفكيرك..
وبعض الأخبار
تحتاج منك إلي
مدي زمني. حتي
يظهر ما فيها
من حق أو من
الزيف. فلا
تسرع إذن في
حكمك.