الحــروب
الروحيـــة
"ب"
بقلم
قداسة البابا
شنوده الثالث
16/11/2004
جريدة
الجمهورية
تكلمنا
في المرة
السابقة عن
الحروب
الروحية التي
تأتي من داخل
الإنسان. أعني
من أفكاره وشهواته.
واليوم نتحدث
عن الحروب
الروحية التي من
الخارج: من
الشيطان. أو
من الناس سواء
كان أعداء أو
أحباء. أو من
البيئة. ومن
المادة والعالم.
حــروب
مـن
الشيطــان
حروب
الشيطان إما
أن تكون بطيئة
طويلة المدى. أو
أن تكون
فجائية
وعنيفة.
الحروب
البطيئة قد لا
يشعر الشخص
بها. بل الشيطان
يجذب بها
ضحاياه بتدرج
طويل. لا
يكادون يشعرون
فيه بما يحدث
لهم! يحذرهم
قليلاً
قليلاً. وينقص
من حرارتهم
الروحية
شيئاً فشيئاً
علي مدي واسع.
حتى تتغير حياتهم
روحياً وهم لا
يدركون ذلك
إلا بعد فوات
الفرصة. حين
يضربهم بعد
ذلك ضربته
الشديدة وهم غير
مستعدين لها!
كإنسان مثلاً
يغرقه الشيطان
مدة طويلة في
حياة الترف أو
في متعة الرئاسة
والسلطة أو في
الشهرة.
فيتراخى في
روحياته
بتدريج لا
يشعر به. حتى
يصل إلي حالة
من الفتور
الروحي
يستغلها
الشيطان
لإسقاطه.
***
أما
الحروب
العنيفة
الفجائية. فقد
تشبه الرؤى
والأحلام
الكاذبة. التي
يضلله بها. أو
غيرها من
أنواع
الضلالات
الشيطانية.
أو بعض أنواع
المناظر
المفزعة التي
حارب بها بعض
القديسين.
علي أن الله
لا يسمح
للشيطان بأن
يستخدم مثل هذه
الحروب
العنيفة مع كل
أحد. إلا مع
القادرين علي
احتمالها. ذلك
لان الله لا
يسمح بان يُجرّب
البشر فوق ما
يطيقون. كما
أن الشيطان
ليس مطلق
الحرية في
حروبه. علي أن
حروب الشيطان
ليست كلها
فزعاً ومناظر
كما حدث للقديس
الأنبا
أنطونيوس.
وليست كلها
أمراضاً وخراباً
كما حدث لأيوب
الصديق.
***
فهناك
حروب أخري من
الشيطان
بأفكار
يلقيها في
الذهن. أو
شهوات يلقيها
في القلب..
وهذه
الحروب تكون
ضعيفة في
أولها. لأنها
ليست نابعة من
داخل الإنسان.
بل هي غريبة
عليه. وتظل
هكذا ضعيفة.
إلي أن يفتح
لها هذا
الإنسان
باباً تدخل منه
إلي قلبه
ومشاعره. وهنا
يكون قد أخطأ..
إنها خيانة
روحية منك أن
تفتح أبوابك
الداخلية لعدو
الخير الذي
يريد أن يحطم
ملكوت الله
داخلك. خيانة
منك لمحبة
الله أن تُدخل
في قلبك ما
يشاء الشيطان
به أن يبعدك
عن الحياة مع
الله
ووصاياه.. وفي
خيانتك. إذ
ترفض عمل
النعمة فيك.
حينئذ يقوي
عليك الشيطان.
***
لا
تحتج بأن حروب
الشيطان قوية.
إنك تجعلها قوية
حينما تستسلم
لها.
أما
إن قاومت
الشيطان. فسوف
يضعف أمامك.
ويعمل لك
حساباً في
حروبه المقبلة.
إن القلب
القوي الثابت
في طاعة وصايا
الله. والأمين
في محبته.
يستطيع أن
يطفيء جميع سهام
الشيطان
الملتهبة..
عندما كان قلب
موسي النبي
قوياً. تضاءلت
أمامه قوة
فرعون وكل
جيشه. ولم
تخفه أمواج
البحر.. وأنت
كلما كان قلبك
من الداخل
قوياً. فسوف
لا تضعف
مطلقاً أمام
حروب
الشياطين. كل
ما يعمله
الشيطان أن يقدم
لك أفكاراً
ومقترحات. دون
أن يرغمك.
ويترك الأمر
لإرادتك
تقبلها أو لا
تقبلها. وهو
يسعد بقبولك.
إن قاومته
ورفضته.
يحترمك
ويخافك. أما
أن ضعفت أمام
عروضه. فانك
تعطيه كرامة
ليست له.
وتمنحه
الفرصة في أن
يتجرأ عليك..
لذلك لا تخف
من الشيطان
لئلا يقوي
عليك. احترم
نفسك في
التعامل معه.
***
من
أمثلة حروب
الشيطان
المعروفة:
حروب الشك في
الله:
الشك
في وجود الله.
أو في رعايته
للبشر. ومن تلك
الأفكار نتج
الملحدون.
الذين قال
بعضهم إن الله
يعيش في برج
عالي في
السماء. لا
يهتم بشئون
البشر. ويترك
الفقير إلي
جوار الغني.
لذا أنشأوا
الاشتراكية
الملحدة.
وكلها
وأمثالها يغرسها
الشيطان في
الأذهان.
ويسميها
فلسفة!
وبعد أن يلقي
الشيطان بفكر
الإلحاد.
يتبعه بفكر
اليأس
فيقول لضحيته
"لا خلاص لك
وقد أنكرت
وجود الله"!!
فإذا ما أوصله
إلي هذا الحد.
يقول له
"مادام لا
نصيب لك في
السماء. تمتع
أذن بما تشاء
علي الأرض"!!
وبهذا يقوده
إلي حياة الاستهتار..
وفي كل ذلك
يقول له "وما
أدراك أن هناك
سماء وحياة
أخري؟!".
***
ويحاول
الإنسان أن
يقاوم الفكر.
ولكنه يلح عليه
ويستمر ...
ومقاومته
للفكر تدل علي
أن الفكر محاربة
من الشيطان.
وليس سقوطاً...
نصيحتي لك: لا تيأس.
ولا تظن انك
سقطت. واستمر
في مقاومة الفكر.
واستعن
بالصلاة
ليخلصك الله.
وحاول أن تغيرّ
مجري أفكارك
إلي غيرها.
كذلك امتنع عن
القراءات
التي تجلب لك
الشك وفي سائر
المسلمات الثابتة
في الضمير.
وكذلك ابعد عن
المعاشرات
الرديئة التي
تسبب لك مثل
هذه الأفكار.
وأدرس عكسها
من الناحية
الايجابية.
***
ومن
محاربات
الشيطان
أيضاً السحر
والتنجيم وما
يشابهه:
علي
انه ليس كل ما
يظنه الناس
سحراً هو سحر
بالحقيقة.
فالسحر
الحقيقي
غالباً ما
يكون مصحوباً
بما يشبه
الأعاجيب.
التي هي مجرد
أمور Fantastic تخلب
الذهن ولكنها
من ضلالات
الشياطين..
أما ما يسميه
الناس
"العمل"
ويخافونه.
فلعله بعض الحيل
البشرية
لخداع
البسطاء
واستغلالهم. كذلك
من محاربات
الشيطان
التنجيم. وكل
الطرق الأخرى
في إدعاء
معرفة
المستقبل.
لأنه لا يعرف المستقبل
والخفيات إلا
الله وحده.
***
من
حروب الشيطان
أيضاً عرضه
المعونة في
إيجاد حلول
وتحقيق
رغبات!!
فقد
يعرض مساعدته
- بطرقه
الشيطانية -
أن يوصل الشخص
إلي ما يبتغي.
وبهذا يوقعه
في وسائط خاطئة.
ولكنها تحقق
غرضاً! فإن
كانت لك رغبة
ولم تجد حلاً.
فلا تقبل
تعاون
الشيطان معك
لتحقيقها.
فالشيطان إذا
أعانك علي
تحقيق رغباتك.
سرعان ما
يجعلك أنت من
أعوانه.
***
نقطة
أخري من مصادر
الحروب
الخارجية هي:
الصداقات
الضارة
أعني
بها الصداقات
التي تضرك في
روحياتك. أو في
عقيدتك. أو في
فكرك. والتي
تتلف قلبك
ومشاعرك. لذلك
أنصحك
باختيار
أصدقائك
الذين يؤثرون
عليك
بأفكارهم.
بحيث يكونون
من النوع ذي
التأثير
الفاضل.. كما
أنصح بحسن
اختيار شركائكم
في الحياة
الزوجية. لان
لهم بلا شك
تأثيراً علي
حياتكم
الروحية إن
علواً أو
هبوطاً. فالأزواج
في تأثيرهم
أكثر عمقاً من
الأصدقاء أو
المعارف أو
الزملاء
الصديق قد
يلتقي بك في
أوقات محددة.
أما الزوج فهو
شريك الحياة باستمرار.
فيجب أن يكون
انتقاؤه
صالحاً من كل
جهة. ليس من
الناحية
الاجتماعية
فحسب. بل
أيضاً من
النواحي
الروحية
والعقائدية.
ويكون ذلك الانتقاء
بعمق. ولا يصح
الاكتفاء فيه
بالمظاهر
والشكليات.
ولنضع أمامنا
ذلك المبدأ: إن
المعاشرات
الرديئة تفسد
الأخلاق
الجيدة.
***
ما
أكثر الآباء
والأمهات
الذين يفسدون
تربية
أبنائهم:
إما
بالقسوة. أو
بالتدليل
الزائد. أو بالقدوة
السيئة التي
يقدمونها لهم.
أو بالتدخل
المسيطر في
خصوصياتهم.
مما يضعف
شخصياتهم. ويفقدهم
الخبرة وحسن
التصرف. كذلك
الزوج غير
المتدين. الذي
يجر زوجته إلي
نفس الضياع
الذي هو فيه.
ويسخر من
تدينها. ولا
يعطيها فرصة
لممارسة
حياتها
الروحية.. وكل
هذه محاربات
روحية تأتي من
الخارج:
أحيانا
بأسلوب هاديء.
وأحياناً
بضغوط.
والإنسان
ربما لا
يستطيع أن ينفصل
عن مثل هذا
النوع من
أقاربه وأهل
بيته. ولكن
ينبغي أن يحب
الله أكثر
منهم. ويطيع
الله أكثر
منهم.. ولا
يضحي
بروحياته أو
بماله من
مباديء وقيم.
مجاملة
لأقربائه..!
لأنه هكذا
يعلمنا الدين:
"ينبغي أن
يطاع الله
أكثر من الناس".
***
ومع
ذلك فهناك نوع
معين من
الأقارب
والأصدقاء
ينبغي البعد
عنه.
إن لم
يكن ابتعادا
بالجسد. فعلي
الأقل يكون
بعدم
الاشتراك
معهم في
أخطائهم. سواء
في التصرف أو
الحديث
الخاطيء. علي
أن البعض قد
يمنعه الخجل
من البعد عن
الخاطئين:
أقارباً
كانوا أو أصدقاء..
وبهذا
يشتركون معهم
في الخطأ بسبب
الخجل.. وهنا
ينبغي
للإنسان
الروحي أن
يعرف أن هناك
حدوداً للخجل.
وان هناك
مواقف تحتاج إلي
حزم وقوة
شخصيته للبعد
عن أسباب
الخطية. لقد
صدق المثل
القائل "إسأل
عن الرفيق قبل
الطريق".
فربما يؤثر
عليك أحد
أقربائك أو
أصدقائك تأثيراً
يتلف نفسك. أو
يُدخل إلي
قلبك أو ذهنك
أفكاراً أو
مباديء تقود
حياتك في طريق
خاطيء. اعلم
أن قريبك
الحقيقي. هو
الذي يقربك إلي
الله وصديقك
الحقيقي هو
الذي يكون
صدّيقاً.
وصادقاً في
إخلاصه
لروحياتك
ويكون صادقاً
أيضاً في حفظه
لسمعتك. وفي
اهتمامه
بخلاص نفسك..
***
ننتقل
إلي نقطة أخري
من الحروب
الروحية. وهي: العثرات
العثرة
هي ما يسبب الخطية.
وكل ما يسبب
السقوط
للإنسان هي
مسببات الخطية.
سواء تجلب
فكراً خاطئاً.
أو شهوة خاطئة.
وقد تأتي
العثرات من
السمع أو
النظر أو القراءة
أو من باقي
الحواس..
فعليك أن تبعد
بقدر طاقتك عن
كل مسببات
الخطية. ولا
تكون أنت عثرة
لغيرك.
والعثرات
ربما تفرض
نفسها علينا.
وربما نسعى
نحن برغبتنا
إليها. فالتي
تفرض نفسها
تكون حرباً
خارجية. والتي
نسعى إليها تكون
حرباً داخلية
تطلب إشباعا
من الخارج.
وفيها تجتمع
الحربان
الداخلية
والخارجية.
وهذه دينونتها
أشد. والنجاة
منها أصعب.
وعلي الإنسان
أن يقطع نفسه
من الأحباء
والأعزاء
الذين تأتي
بسببهم
العثرات
لتفقده
أبديته. وتجلب
له حروباً
خارجية لا
يضمن هل سيصمد
أمامها أم لا.
المهم إن تبعد
عن الحرب
الخارجية
ومسبباتها.
ولا تقع فيها
بإرادتك.
***
إن
هناك عثرات
تستهوي
الإنسان.
فيحوم حولها كما
تحوم الفراشة
حول النار.
تظل
الفراشة تحوم
حول النار حتى
تحترق.. مع
إنها تري
فراشات
كثيرات قبلها حتى
احترقت
بالنار. إلا
أنها لا تهدأ
حتى تحترق
مثلها.. هكذا
الإنسان فيما
يحوم حول
العثرة إلي أن
يضيع كما ضاع
أمثال له من
قبل... قد يوجد من
بعثرك ويسقطك.
ثم يفلت هو
وتضيع أنت.
وقد يمكنه هو
أن يتوب. وتجد
أنت صعوبة في
التوبة! لذلك
احرص بكل قوتك
وبكل عمل
النعمة فيك.
أن تبعد عن
الأمور
المتعثرة.
وتهرب بذلك من
كل حرب خارجية
علي قدر
طاقتك.
***
ومن
مصادر
العثرات
أنواع معينة
من القراءات. والقراءات
تؤثر علي
أفكار
الإنسان
ومشاعره.
وربما
تشكّل مبادئه.
وتقود مساره
في الحياة. هناك
قراءات تجلب
شكوكاً أو
بلبلة وأخري
تثير مشاعر
وشهوات. ولا
يكفي الإنسان
الروحي إن يبعد
عن القراءات
الضارة. إنما
ينبغي
ايجابيا أن
يقرأ ما يعمق
في قلبه محبة
الفضيلة
والخير. كما
يكون هذا
أيضاً إجراء
وقائياً له في
الحروب
الخارجية. وان
كان محباً
للمعرفة. فليعلم
تماماً انه
ليست كل معرفة
نافعة. فقد
توجد معارف
تفقده بساطته.
أو تفقده
نقاوته. وتجعل
نظرته إلي
الأمور تتحول
إلي أسوأ.
فعليه أن يدقق
في القراءة
اتقاءً لحروب
خارجية. لأنه
من مشاكل
القراءة
أيضاً أنها
تلصق بالعقل
أفكاراً ليس
من السهل عليه
أن يمحوها أو
ينساها. وقد
تحتاج إلي وقت
طويل جداً حتى
تفارق ذاكرته...
***
من
مصادر الحروب
الخارجية
أيضاً: البيئة
إن
كان بإمكانك
أن تعيش في
بيئة بارة
فهذا هو الأفضل
وان لم تستطع
فلتصمد. ولا
تجعل أخطاء البيئة
تسيطر عليك
وتصبح جزءاً
من حياتك. بل
جاهد. وثق إن
نعمة الله سوف
تعينك.