الــــــــــــروح
بقلم
قداسة البابا
شنوده الثالث
20/1/2004
جريدة
الجمهورية
كما
خلق الله
المادة. خلق
أيضا الروح
وعالم الأرواح..
الملائكة
أرواح لهم
طبيعة خاصة لا
علاقة لها بالمادة.
ولها قدرات
هائلة وعجيبة.
تنتقل بين السماء
والأرض تنفذ
مشيئة الله
حيثما يرسلها.
وهي
أرواح طاهرة
بارة. تسبح
الله وتمجده.
وتمثل القوات
السمائية..
والشياطين
ايضاً أرواح غير
أنها أرواح
نجسة شريرة.
وقد
كان الشياطين
ملائكة
وسقطوا. فقدوا
قداستهم.
ولكنهم لم
يفقدوا
طبيعتهم.
فمازالت لهم قوة..
لقد عصوا
الله.. ولم
يكتفوا بهذا
بل يحاولون إغراء
البشر علي
عصيان الله
ايضاً.
أما
البشر فهم
طبيعة فيها
الروح وفيها
الجسد المادي
ايضاً.
***
والإنسان
العادي يعيش
في صراع بين
الجسد والروح.
يقاوم أحدهما
الآخر.
أحيانا
يسلك حسب
الروح فيحيا
في البر..
وأحيانا يسلك
حسب الجسد.
فيسقط في
الخطيئة
ويتحول إلي إنسان
مادي. وأحيانا
يتأرجح بين
الحالين.
فيسقط ويقوم
وقد عبر ايليا
أبو ماضي عن
هذه الحالة في
قصيدته
الطلاسم.
فقال:
انني
ألمح في نفسي
صراعاً
وعراكاً وأري
نفسي شيطانا
واحيانا
ملاكا
هل
أنا اثنان
يأبي هذا مع
ذاك اشتراكا أم
تراني واهماً
فيما أراه؟
لست أدري
نعم.
هو هنا واهم
فيما يراه..
فالإنسان
كيان واحد مع
تنوع تكوين
عنصريه: الروح
والجسد. ويمكن
ان يعيش
الاثنان في
وحدة وتعاون
أو في تكامل. في
حياة روحية
بارة.
***
في
الحياة
الروحية يخضع
الجسد لمشيئة
الروح. ويخضع
الاثنان معاً
لمشيئة الله
يخضع
الجسد للروح.
لأن الروح من
طبيعة أسمي.
وايضاً ابقي
واقوي.. فهي تبقي
بعد ان يتحول
الجسد إلي
تراب.. وتظل
باقية حتي
تعود إلي
الجسد في
القيامة
العامة والذي
يسلك حسب
الروح في حياة
طاهرة. يستطيع
بهذا أن يقوي
روحه حتي
تنتصر علي
الجسد اذا
انحرف.. وفي
نفس الوقت
تنتصر علي
المادة والخطيئة
والشيطان..
والسلوك
الروحي له
جانبان سلبي
وايجابي. فمن
الناحية
السلبية
يقاوم انحرافات
الجسد بحياة
التوبة. أما
الجانب
الايجابي فهو
السير في حياة
الفضيلة
والبر. والنمو
في هذا الطريق
الروحي. مع
استمرار
النمو حتي يصل
الإنسان إلي
حياة الكمال
النسبي. حسبما
تستطيع
القدرة
البشرية.
وحسبما
يمنحها الله من
نعمة.
قوة
الروح
للروح
قوة عظيمة
بحكم طبيعتها.
وبخاصة إن كانت
روحاً طاهرة
وتوجد
عند الهندوس
تداريب كثيرة
لتقوية الروح.
كنا نراها
قديماً عند
المهاتما
غاندي الزعيم
الروحي عند
الهنود. وكان
ناسكاً شديد
النسك. ويحل غالبية
مشاكله
بالصوم. كما
نراها ايضاً
عند جماعات
اليوجا في
نسكهم وصوم
وتخلصهم من
رباطات الجسد.
حتي تنطلق
ارواحهم حرة.
ولهم في ذلك قصص
تشبه
الأعاجيب.
كما
نلاحظ في
الأمراض. انه
ان كانت الروح
قوية "الروح
المعنوية"
فإن المريض
يصمد أمام المرض.
فإذا ضعفت
روحه. انهارت
صحته.
وحتي
في الصوم: إن
كانت الروح
قوية. فإنها
تحمل الجسد
وتحتمل الجوع.
وتصبر. أما
الروح الضعيفة.
فإنها تري
الصوم ثقلا.
وتحاول ان
تتهرب منه.
وتشتهي أن
ينتهي.
***
الروح
القوية تظهر
قوتها في نواح
متعددة. منها
حرارة الروح
فالإنسان
البار يكون
حاراً في
الروح. صلواته
حارة جداً
ملتهبة بالحب
الالهي وتظهر
حرارة الصلاة
في قوة
ايمانها. وفي
انسحاقها. وفي
حرارة الطلب
ولجاجته.
وربما
تكون حرارتها
قي ألفاظها
وتعبيراتها.
والإنسان
الروحي تظهر
حرارته في
غيرته المقدسة
في خدمة الله
والناس. في
حماسه. وفي
سرعة نجدته للآخرين.
وفي سعيه لرد
الضال. كما
يظهر ذلك ايضاً
في قوة الكلمة
وتأثيرها..
هذا كله بعكس
الخدمة
الخاملة
الذابلة
الخالية بين
الروح. التي هي
مجرد روتين
وبلا تأثير.
كما
تظهر حرارة
الروح في
المحبة. من
جهة الله والناس.
وكما قال
سليمان
الحكيم "مياه
كثيرة لا
تستطيع ان
تطفيء المحبة.
والسيول لا
تغمرها".
***
الروح
القوية لها
أيضاً سلطان..
فالإنسان
الروحي له
سلطان علي
جسده: يخضعه
ويؤدبه. ويضع
له حدوداً لا
يتعداها.. وله
أيضاً سلطان
علي الشياطين.
لا يقدرون
عليه. بل ان
روحياته لها
هيبة تخيفهم.
فلا يقدرون ان
يقتربوا اليه
انه مدينة
محصنة.. ان
الشيطان من
عادته ان يجس
نبض الإنسان.
ليعرف حقيقة
معدنه.. فهو
يجربه أولاً
بشهوات
الحواس.
ليستطيع ان
يجد مدخلاً
إليه.. ثم
يجربه بالفكر.
ليري هل من
النوع الذي
ينقاد وراء
الفكر الشرير.
ويستسلم له أم
يقاومه؟! كما
يحاربه
بالرغبات
وبأنواع
مشاعر أخري.
فإن لم يجد
استجابة في كل
ذلك. حينئذ
تصبح لهذا
الإنسان هيبة
يعمل لها
الشيطان
حسابا. ويخاف
ان يقترب
إليه.
ولكن
الروح تفقد
هيبتها. إن
خضعت للشيطان.
وفتحت له أحد
أبواب الفكر
أو القلب!
وأعطته مجالاً
أن يعمل فيها
ويوجهها!!
لذلك
ايها القاريء
العزيز. احتفظ
بهيبة روحك
أمام
الشياطين.
وأمام جنودهم
من الناس
الأشرار.. لا
تعطهم سمعاً
لإغراءاتهم. ولا
لأقوالهم
الملقة. والا
انطبق عليك
قول الشاعر
قد
صادفوا أذناً
صفواء لينةً
فأسمعوها
الذي لم
يسمعوا أحدا
***
إن
الأرواح التي
تهابها
الشياطين. هي
الأرواح التي
جاهدت لأجل
البر. وانتصرت
في جهادها. هي
الارواح التي لا
تستطيع
الشياطين ان
تغريها أو
تغويها. ولا حتي
بصعوبة. مهما
حاولت إلقاء
الشباك حولها
زمناً.. انها
أرواح لا
تستسلم لعدو
الخير. ولا في
الهفوات التي
تبدو بسيطة..!
هي
أرواح مخلصة
لخالقها. لا
تخونه في شيء.
بل تسلك بتدقيق..
وهي
أرواح قوية..
يمنحها الله
نعمة لا تخاف
من الحروب
الخارجية. بل
تصمد لها
وتقاوم.
معتمدة علي
معونة الله.
الذي يري
اخلاصها
فيقويها ويشجعها..
انها أرواح
عفيفة.. لم
يحدث انها
طلبت من
الشيطان
شيئاً. وليست
لها شهوة علي
الإطلاق يتطوع
الشيطان ان
يحققها لها..
إنها أرواح
كبيرة.
***
الأرواح
الكبيرة
أرواح
كبيرة في
محبتها للخير.
وكبيرة في
عفتها. وفي
قوتها
واستطاعتها..
كبيرة في
مستواها الروحي.
لم تقف عند
حدود الجهاد
والتوبة..
وإنما ظلت
تنمو في حياة
البر. ساعية
بكل طاقتها ان
تصل إلي
الكمال
النسبي
المحكم.. أرواح
لا تسعي فقط
إلي خلاص
ذاتها. بل
ايضاً خلاص الذين
تقابلهم في
طريق الحياة
والذين
يسمعونها..
أرواح يحس
الناس ان
كلماتها
تقتدر كثيراً
في فعلها.
ولها قوة.
وقدرة في
التأثير علي
الناس. ولها
سلطان ان تدخل
إلي الفكر
والقلب. وتستقر
هناك وتعمل
عملاً.
أرواح
كبيرة أيضاً
في معرفتها.
وهبها الله
الحكمة
والافراز. ولها
الفهم
والإدراك.
والقدرة علي
قيادة الآخرين
وارشادهم.
***
هناك
أرواح كبيرة.
لم يقتصر
عملها علي
خدمة الله
والناس هنا
علي الأرض بل
حتي حينما
تترك الجسد
وتصعد إلي
السماء. يكون
لها عمل
أيضاً. إما أن
تشفع في الناس.
أو أن ينتدبها
الله لبعض
خدمات علي
الأرض.
ينتدبها
لانقاد البعض
ضيقة. أو
لشفاء مريض بمعجزة.
أو لأداء
رسالة معينة.
كما يحدث من
بعض أرواح
القديسين.
الذين
انتقلوا من
عالمنا. ولم تنته
حياتهم
بالموت. بل
مازال لها
امتداد في العمل
لأجل الآخرين.
وهناك
أرواح كبيرة
فيما يعلنه
لها الله من
رؤي
واستعلانات
هذا
نوع من الكشف
الالهي Revelation. هي
حالة إنسان
"مفتوح
العينين" يري
ما لا يراه
غيره.. وتكون
هذه الرؤي في
وضع اسمي من
حواس الجسد
العادية.
وأعلي من
مستواها في
الإدراك. انها
هبة من الله..
أو هي "بصيرة
روحية" يكشف
فيها الله
للروح ما يريد
ان يكشف من
أسراره. فتري بينما
المحيطون بها
"لهم عيون
ولكنها لا تبصر".
***
مادام
الأمر هكذا.
ومادامت
الروح لها
طاقات غير
طاقات الجسد.
ولها في رؤاها
حواس تبصر ما
لا يبصره
الجسد. ولها
مواهب يمنحها
الله إياها فوق
مستوي الجسد
وطاقاته.. ولها
ايضاً بقاء
بعد موت الجسد
وانفصالها
عنه. لذلك يجب
ان نبذل كل
الجهد
للاهتمام
بالروح.
الاهتمام
بالروح
واضح
جداً اننا
نبذل جهداً
كبيراً في
الاهتمام
بالجسد من كل
ناحية فهل علي
قدر النسبة
والنوع نهتم
بالروح؟!
فلنبحث ذلك
معا
*
النقطة
الأولي: غذاء
الروح
أنت
تعطي جسدك
غذاءه كل يوم.
وغالباً ثلاث
مرات في
اليوم. وتعطيه
الغذاء
بكميات كافية
حسبما يلزمه.
فهل تعطي
الروح غذاءها
كل يوم؟
وأنت
تعطي الجسد
غذاء من كل
العناصر
والاصناف
اللازمة:
فمثلاً تعطيه
الكلسيوم
لبناء العظام.
والحديد
لبناء الدم.
والبروتين
لبناء الأنسجة.
كما تعطيه
السكر
والكربوهيدرات
لمنحه الطاقة
التي يحتاجها.
وتعطيه ايضاً
ألواناً متعددة
من
الفيتامينات
والمعادن minerals. فهل
تعطي الروح ما
يلزمها من
الغذاء؟
الروح تحتاج
في غذائها إلي
القراءات
الروحية: من
كتاب الله
والكتب
النافعة.
وتحتاج إلي
التأمل الروحي.
والي
التراتيل
والترانيم.
والي الوعظ
والفكر
الروحي.
والمعاشرات
الروحية
والقدوة الصالحة
التي تتغذي
بها.. والصلاة..
فهل انت
تعطيها كل
هذا. وكل يوم
وبكميات
مناسبة؟!
***
*
النقطة
الثانية الطب
والعلاج
الجسد
إذا مرض تعرضه
علي أطباء.
وحسبما أمروا تنفذ.
وتأخذ الدواء
اللازم
والعلاج..
والروح ايضاً
في مرضها تحتاج
إلي أطباء
روحيين. من
المرشدين
الذي يلزمك ان
تأخذ ما
يصفونه من
علاج.. وأنت
تعطي الجسد
راحته.. كذلك
الروح تحتاج
إلي الهدوء.
والخلوة
الروحية.. فهل
تقدم لها ذلك..
وهل تريحها
ايضاً
بالايمان
والسلام
القلبي؟
وان كان
في الطب
الجسدي.
الوقاية خير
من العلاج.. ففي
الطب الروحي
ايضاً. تبعد
عن كل ما يضعف
روحك من اسباب
الخطية.. كأن
تبعد عن
"المعاشرات
الرديئة التي
تفسد الاخلاق
الجيدة".. لأنه
كما يقول
المزمور
"طوبي للرجل
الذي لم يسلك
في مشورة
الاشرار وفي
طريق الخطاة
لا يقف. وفي
مجلس
المستهزئين
لا يجلس".
وهكذا
تقوي الروح.
بالبعد عن
الاجواء التي
تضعفها أو
تحطمها.. كل ما
سبق هو تقويات
عادية. فكم
بالأكثر يكون
حال الروح.
إذا ما كان
الله نفسه
يعينها
بنعمته..؟!
***
زينة
الروح
عجيب
ان الإنسان..
قبل ان يخرج
من بيته.. يقف
أمام المرأة
يتأمل نفسه.
ليطمئن علي
أناقته
وزينته وحسن منظره..
بينما لا تهمه
روحه ومنظرها
وحسن زينتها..!!
فما
هي زينة الروح
إذن التي
تتجمل بها؟
ان
الروح تتزين
بالفضائل
التي تجعلها
جميلة في أعين
الله والناس..
فهناك
من يتزين
بالحكمة. ومن
يتميز بالروح
الوديع
الهاديء. أو
بالكلمة
الطيبة وحسن
التعامل مع
الناس.. أو من
يتميز بالرقة
واللطف.. فهل
ان تتزين هكذا
بأنواع من
الفضيلة
والبر. أمام
الله والناس؟!
هل روحك هكذا
جميلة؟ كل من
يراها يمجد
الله بسببك
علي ما وهبك
إياه من فضل.
ومن قدوة
حسنة. تشبع
قلب من يتصل
بك..!
بل
بهذه الزينة
ايضاً تتجمل
الروح. حينما
تفارق الجسد.
وتتقابل مع
الله في
السماء..
فتفرح
الملائكة
باستقبالها.
وقد فاحت منها
رائحة زكية.
فتدخل الروح
إلي السماء
"كعروس مزينة
لعريسها".
لقد
خلقنا الله من
قبل. بهذه
الروح
المزينة. بالبساطة
والنقاوة قبل
ان يخطيء
الإنسان ويسقط..
ويريدنا ان
نعود إليه
هكذا أنقياء
بالتوبة انقياء
بزينة الروح..
ليتنا نكون
هكذا.