ماذا
يقود
الإنسان؟
بقلم
قداسة البابا
شنوده الثالث
15/6/2004
جريدة
الجمهورية
يختلف
الناس في ماذا
يقودهم أو من
يقودهم. طبقا
لتنوع
شخصياتهم
وظروفهم.
وسنحاول هنا
أن نستعرض شتي
القيادات:
1 هناك
من يقوده
فكره. في
التمييز بين
الخير والشر.
أو بين النافع
والضار.
وبالتالي
تقاد أعماله
وتصرفاته
هذا
النوع من
الناس يقوده
فهمه الخاص.
فما يراه حقا.
هو الحق
بالنسبة إليه.
وما يراه
باطلا فهو
الباطل. ونحن
لا نضمن مدي
كفاءة عقل هذا
الإنسان. ومدي
فهمه وخبرته.
فقد توجد طرق
تبدو له
مستقيمة.
بينما تكون
عاقبتها
ضياعه! وما
أكثر الذين
أضلهم فهمهم
الخاطئ.
وبخاصة لو
كانوا من
المبتدئين أو
صغار السن!
وهناك
أمور تحتاج
إلي عمق في
الفحص
والتفكير. وليس
كل الناس علي
درجة كبيرة من
الذكاء. ولذلك
يُنصحون
بأنهم لا
يعتمدون علي
فهمهم وحده. وإنما
يحتاجون الي
نصح وإرشاد.
***
2
النوع الثاني
إذن هو الذي
يقوده المرشد:
فهو
يعتمد
اعتمادا
كاملا علي ما
يقول له معلمه
أو مرشده. دون
فحص! بل ربما
يعتبر مناقشة
ما يقوله
المرشد لونا
من الكبرياء
وعدم احترام الكبار!
ولكن
يلزم لمثل هذا
الشخص. أن
يكون مرشده
سليم الفكر
والعقيدة.
خبيرا. وغير
متحيز لإتجاه
معين. وإلا
انطبق عليه
وعلي مرشده
المثل القائل
"أعمي يقود
أعمي. كلاهما
يسقطان في
حفرة"..
وقد
يحدث أن يكون
أحد المرشدين
مؤمنا بفكر معين.
يرشد إليه
الكل بغض
النظر عن
نوعيات نفسياتهم
وظروفهم!!
وربما يكون
إرشاده غير
مناسب للبعض..
أو قد يضل
المرشد. فيضل
معه كل
تابعيه. باسم
الطاعة! وفي
العهد القديم
حذر الله بني اسرائيل
قائلا
"مرشدوكم
مضلون". ونحن
لا نؤمن بعصمة
جميع
المرشدين. ولا
نؤلههم.. ولا
نسير في
الطريق
الروحي بعيون
مغمضة. أو بما
يسمونه الطاعة
العمياء..!
فإن
كان شيء من
الإرشاد
يصطدم بوصية
إلهية أو بمبدأ
روحي. حينئذ نضع
أمامنا أنه
"ينبغي أن
يطاع الله
أكثر من الناس".
وحينئذ ينبغي
أن يتوقف
المسترشد
ويناقش. حتي
يستريح
ضميره..
***
3
وهناك نوع من
الناس تقوده
صحبة أو صداقة
أو جو الأسرة
وعلي
رأي ذلك
الأديب الذي
قال : "قل لي من
هو صديقك. أقل
لك من أنت".. أو
علي رأي المثل
"من عاشر قوما
أربعين يوماً.
صار منهم".
فالصحبة كثيرا
ما تؤثر علي
الفكر وعلي
الطباع. ولهذا
ينبغي أن
ينتقي كل شخص
نوعية
أصدقائه
بطريقة سليمة.
فلا تؤثر عليه
سلبيا..
ومن
الناحية
الايجابية قد
يقوده الي
الصلاح صديق
طيب الخلق..
وفي
نفس الوقت.
نشدد علي
تأثير الأسرة
وقيادتها. فهي
النبع الأول
الذي يتلقي
منه الإنسان
مبادئه
وطباعه.. وكما
قال الشاعر:
وينشأ
ناشئ الفتيان
منا.. علي ما
كان عوّده أبوهُ
ونفس
الكلام أيضا
نقوله عن عمل
المدرسة من جهة
القيادة. وعن
تأثير النادي.
والوسط الذي
يعيشه البعض
في جمعيات
معينة لها
تأثيرها.
***
4
أشخاص آخرون
يقودهم الرأي
العام
والمجتمع
ونخص
بالذكر
العامة وغير
المثقفين.
وغير الناضجين
في الفكر
والسن
والشخصية.
فهؤلاء يجرفهم
التيار في أي
اتجاه يسير.
فحسب الأمثلة
التي أمامهم
ينقادون. وحسب
روح الجماعة
يسيرون. بالتيار
السائد.
ويعتبرون أنه
من الخطأ أن
يشذوا عن
الأسلوب
العام. وعن
المجتمع..
بعكس
ذلك المصلحون
الذين يغيرون
المجتمع إذا
وجدوه في خطأ.
ولا يغيرهم
المجتمع في
أخطائه. ذلك
لأنهم لا
ينقادون وراء
التيار العام.
أما
المنقادون
فيأخذون
مبادئهم
وقيمهم من المجتمع
الذي يعيشون
فيه.. لهذا
كثيرا ما نسمع
أن الشعب
الفلاني له
طبع معين أو
عادات معينة.
ذلك لأن الكل
ساروا في تيار
واحد. يقودهم
التقليد
ونوعية
القدوة.
***
5 نوع
آخر تقوده
الكتب ووسائل
الإعلام.
والصحافة:
فهو
يصدق مايقرؤه.
ويعتنقه
ويعتقده.
ويصبح صدي لكل
صوت يسمعه من
تلك الكتب. أو
من الصحافة عموما.
أو من وسائل
الإعلام.
ويردد ذلك كله
بلا فحص ولا
تفكير وينشره
بين الآخرين..!
ومن
جهة الكتب.
ننصح القارئ
أن يقرأ بعقل
وتمييز. وأن
يحترس بالذات
من أمرين: من
الشئ الغريب
الذي يطرق
ذهنه لأول
مرة. كما
يحترس من الفكر
الذي يحطم فيه
ثوابت قديمة
مستقرة. وهكذا
يقرأ بفحص.
ويسأل
ويسترشد.
ويرفض ما يجب
عليه رفضه..
وفي
هذا المجال
أيضا. لابد أن
نذكر الدور
الكبير الذي
يقوم به
التليفزيون
في التوجيه
والقيادة.
وترسيخ بعض
أفكار تشكل
عند مدمن
التليفزيون
اتجاهات
ومفاهيم خاصة.
***
6 هناك
أشخاص تقودهم
الأحلام
والرؤي:
وليست
كل الأحلام
والرؤي من
الله. لذلك
ينبغي: علي كل
إنسان أن يكون
لديه الافراز
الكافي. الذي
يدرك به هل
الأحلام التي
رآها هي من
الله. أم من
الشيطان. أم
من العقل
الباطن. أم من
امور مترسبة في
نفسه نتيجة
لقراءات أو
سماعات أو
مناظر. أو قصص.
أو رغبات
كامنة في نفسه
تحولت إلي
أحلام؟!
ويقال
عمن تقوده
الأحلام.
ينطبق أيضا
علي الذين
تقودهم ما
يسمي بالحظ أو
البخت أو
ماتقوله النجوم!
أو قارئو الكف
أوالفنجان..!
***
7
غالبية الناس
"الصالحين"
يقودهم
الضمير:
ونقصد
بالضمير هنا
الضمير
الصالح.
والضمير يقود
دائما إلي
الحق والخير.
فنقول عن
هؤلاء أن
الذين يقودهم
هو الحق
والخير.
غير
أن الضمير إذا
انحرف. يقود
صاحبه الي
الانحراف.
فالذي يأخذ
بالثأر ويقتل.
يدفعه ضميره إلي
القتل. وإذا
لم يقتل يوبخه
ضميره وكذلك
من يظن أنه
بالقتل يغسل
شرف الأسرة.
كذلك
الذين يشنون
الحروب بكل ما
فيها من ضحايا
بشرية ومن
تدمير وتخريب.
إنما يفعلون
ذلك بضمير مستريح.
وضميرهم
يقودهم إلي
الحرب. أيضا
المتطرفون
دينيا. ضميرهم
يقودهم الي
التطرف.
لذلك
قلنا في
القيادة
العامة
للضمير. شرط
أن يكون
الضمير صالحا.
***
8 هناك
كثيرون جدا
تقودهم
المنفعة أو
المصلحة:
ومع
أن العديد من هؤلاء
يخالفون
ضمائرهم في
الوصول إلي
هذه المنفعة.
إلا أن الواحد
منهم قد يخدع
نفسه ويقول:
هذا من حقي.
ومن الحق أن
آخذه.. أو يقول
هذه المنفعة
هي الخير
بالنسبة لي.
وعجيب أن
كلمتي الحق
والخير
ترتبطان هنا
بالمنفعة.
والمنفعة
ليست فقط تقود
افرادا. بل
أيضا تقود دولا
وأمما وشعوبا.
وقد تخالف هذه
الدول ضمائرها
للوصول إلي ما
تري فيه
منفعتها. أو
تجعل ضمائرها
توافق علي
ذلك. وتعلن أن
من مصلحة
الدولة أن
تسير في هذا
الطريق. بغض
النظر
اعتباره في نظر
الغير شرا..
***
9 بعض
الأشخاص
يدعون أنه
يقودهم
الروح!!
وربما
يكون هذا لونا
من الهوس
الديني. يظن
فيه الشخص أنه
مقاد بروح
الله. أو بروح
قدسي من عند
الله!! وهكذا
تسمعه يردد
مثل هذه
العبارات :
الروح قال لي
كذا. أو أمرني
الروح أن أفعل
كذا. أو
أرشدني الروح
أن أقول لكم
الشيء
الفلاني ومثل
هذا الشخص لا
ندري أي روح
يقوده. إن كان
هناك روح يقوده!
أو ربما تكون
هناك
اقتناعات في
داخله بأمور
معينة. يظنها
أنها صوت
الروح في
داخله! وقد
يكون مضللا
بروح ما..
علي
أنه بادعائه
أن الروح
يقوده. قد
يجذب إليه
اتباعه
وينقادون بما
يقول. علي
اعتبار أنه يأخذ
من فوق
ويعطيهم..!
***
10 يوجد
أنواع من
الناس تقودهم
الشهوة أو
الغريزة:
الشهوة
من أشهر
الأمور التي
تقود الإنسان.
فتوقف عقله
وضميره.
وتسيطر عليه
تماما فلا
يفكر الا
فيها! سواء
كانت شهوة
المال أو شهوة
العظمة. أو
شهوة
الامتلاك. أو
شهوة الجسد.
أو شهوة المناصب
والألقاب. أو
غير ذلك من
الشهوات.
الشهوة
تنبع من القلب.
وتصعد إلي
الفكر. وتمتلك
الإرادة.
وتسعي توا إلي
التنفيذ.
وتدوس علي كل
العوائق التي
أمامها..
والشهوة
يلزمها ضبط
النفس. لو
استطاع ضبط
النفس أن
يبعدها عن
غيها. ولكن
ذلك ليس سهلا
في غالبية
الأحوال..
الانسان
أيضا تقوده
الغريزة.
فالأم مثلا
تقودها غريزة
الأمومة فهي
تشتهي أولا أن
تصير أما. ثم
تسيطر الأمومة
علي عواطفها
في كل
تعاملاتها مع
ابنها ومع
المتصلين به.
والبعض
قد تقوده
الغريزة في
الغضب. وآخر
قد تقوده
غريزة الزني
أو تصبح فيه
غريزة تتعبه
في فترة
الشباب أو
المراهقة..
***
11 علي
أن الكثيرين
قد يقودهم
الدين. أو
مشاعر
التدين..
أو
يقودهم قانون
الدولة. أو
قواعد النظام
العام
فيرون
أنفسهم
خاضعين لما
يأمر به
الدين. وما يسمعونه
من أفواه
الوعاظ. وما
يقرأونه في
كتب التفسير.
ويلتزمون
بذلك التزاما
شديدا ودقيقا..
علي
أن البعض من
هؤلاء قد
يغالي في بعض
أمور الدين.
أو يتطرف فيه.
أو يفهمه فهما
خاطئا. أو
يقاد به في اتجاه
خاص.. ويظن أنه
علي حق فيما
يراه. ويتحمس
لذلك. وتكون
قيادته
خاطئة..
كذلك
فإن القانون
يقود الناس.
كل الناس.
ويصبح من
الواجب عليهم
جميعا أن
يلتزموا
بمواد القانون.
وإن لم
يلتزموا
يُلزمون
بالقوة
وبالعقوبة.
والبلد الذي
لا يقوده
القانون.
تسوده
الفوضي..
والنظام
العام ملزم
أيضا للناس.
حتي إن لم يوجد
له نص في كتب
القانون. لكنه
من القواعد
المرعية
دائما. وكمثال
له قواعد
المرور..
***
12 هناك
أشخاص -
وبخاصة
البسطاء منهم
- تقودهم الأمثال
الشعبية:
فقد
يرفض شخص أن
يتزوج بفتاة
جميلة. إن
كانت أمها
شديدة الطبع.
وفي ذهنه
المثل القائل
"إقلب القلة
علي فمها.
والبنت تطلع
لأمها".
وقد
يتحاشي شخص
آخر أي لون من
المخاطرة. وهو
يردد المثل
القائل "إمشي
سنة ولا تخطي
قنه". أو إن
كان يقود
سيارة. يقوده
مثل يقول
"إمشي علي مهلك.
علشان توصل بسرعة"...
والأمثال
كما تقود بعض
الناس. كذلك
تقودهم أبيات
من الشعر..
وتصبح
هذه الأبيات
كأنها حجج
ثابتة أو
قواعد متبعة.
كمن يتبع قول
الشاعر:
أصبر
علي كيد
الحسود فإن
صبرك قاتله
فالنار
تأكل بعضها..
إن لم تجد ما
تأكله
أو
كان يحدث في
زمن الرق. أن
يتمثل البعض
بقول الشاعر:
لا
تشتر العبد
إلا والعصا
معه.. إن
العبيد لأنجاسى
مناكيدُ
***
13 بعض
الناس أيضا
تقودهم
العاطفة. أو
يقودهم الانفعال:
البعض
تقودهم في
حياتهم مشاعر
الحب أو الرغبة
في السلام.
بينما غيرهم
تسيطر عليهم
الكراهية
والحقد. إن
كان هناك حقد
في قلوبهم..
آخرون
يقودهم الخوف
في كل
تصرفاتهم. أو
يقودهم القلق
والاضطراب.
كل
أولئك تقودهم
العواطف
والمشاعر.
فالخائف يقوده
الخوف حتي لو
لم يوجد سبب
للخوف. أو يقوده
القلق حتي إن
لم يوجد سبب
للقلق..
بعكس
هؤلاء اشخاص
تقودهم مبادئ
وقيم وشعارات
يثبتون عليها
وتصبح
هذه القيم
أساسا تبني
عليه كل
أعمالهم.
ويتعبهم ضميرهم
جدا إن حادوا
عن شئ منها.
***
14 غير
ذلك نوعية من
الناس تقودهم
السياسة
سواء
كانت سياسة
البلد. أو
سياسة حزب ما.
يتبعون سياسة
ويلتزمون بها.
أو تقودهم
السياسة بمعني
الدبلوماسية.
والحكمة في
التعامل وفي
تصريف الأمور..
*
أخيرا لا اريد
أن اتحدث عن
الذين يقودهم
الخيال. أو
أحلام اليقظة.
فهؤلاء في
الغالب بغير قيادة.