النجــــــــاح
بقلم
قداسة البابا
شنوده الثالث
6/7/2004
جريدة
الجمهورية
بمناسبة
نتائج
الامتحانات
لبعض المراحل
الدراسية.
وانتظار
نتائج
امتحانات
أخري. نري من المناسب
أن نتحدث عن
النجاح:
النجاح
هو سبب فرح
لكثيرين
سبب
فرح للناجح.
ولأبويه وكل
أفراد أسرته. وفرح
لأحبائه
وأصدقائه. وإن
كان نجاحاً
عاما. يكون
فرحا للمجتمع
كله.. بعكس
الفشل. إذ
يكون سبب غم
وحزن.
***
والنجاح
صفة من صفات
الإنسان
البار الصالح
هذا
الذي يصفه
المزمور
الأول بأنه
"يكون كشجرة
مغروسة علي
مجاري المياه.
تعطي ثمرها
في
حينه. وورقها
لا يندثر. وكل
ما يفعله ينجح
فيه".. يكون
ناجحا في كل
ما يفعله.
ونلاحظ
هنا أنه نجاح
في كل شئ:
كل ما
تمتد إليه
يده. يصاحبه
النجاح فيه.
نعمة الله لا
تتخلي عنه في
أي عمل. فتكون
كل
أعماله
ناجحة. كذلك
فإن مقومات
النجاح في شخصيته
لا تفارقه في
كل ما يمارسه
من
مسئوليات.
وفي حياته
الروحية أيضا.
وفي حياته
العملية..
وهو
في نجاحه يكون
مثالا لغيره.
وموضع إعجاب من
الناس. كما
تكون له سمعة
طيبة في كل
مكان يحل فيه.
***
والإنسان
المحب للنجاح.
لا يكتفي فقط
بنجاحه. بل
يسعي دائما
إلي التفوق.
وإلي دوام
الترقي. وربما
إلي
الأولوية..
الناجح
روحيا يصعد في
سلم الفضائل.
هادفا إلي
الكمال
النسبي الذي
تقدر عليه
طبيعته
البشرية. والناجح
في أمور
العالم يصعد
إلي سلم
الوظائف وسلم
الشهرة
والترقية.
ويصبح
النجاح كمنهج
حياة. يقود من
علو إلي علو
وهذا ما
نلاحظه في
تاريخ عظماء
الرجال. الذين
بدأوا بنجاح
بسيط. تطور
إلي نجاح في
دائرة أوسع
وأوسع. حتي
وصلوا إلي سجل
التاريخ لما
لهم من مجد
وشهرة..
***
والنجاح
لا يقتصر علي
وظيفة معينة
تدل عليه:
هو
ليس قاصراً
علي مجال
الرؤساء
والعلماء. وإنما
نطاقه واسع
يشمل الكل:
فهناك
التلميذ الناجح.
والاستاذ
الناجح. كما
أن هناك الصحفي
الناجح.
والسياسي
الناجح.
والأديب الناجح.
ولاعب
الكرة الناجح.
والفنان
الناجح.. وكل
منهم له
مكانته في
المجتمع.
الصحفي
الناجح هو
الذي يتهافت
الناس علي قراءة
ما يكتب : سواء
كان ذلك
مقالا. أم
خبرا.
أم
تحقيقا صحفيا.
أم فكاهة. وهو
الذي يثق القراء
بصحة معلوماته.
ودقة أخباره.
وتأثير
كتاباته..
واللاعب
الناجح هو
الذي يقدم في
لعبه فناً وبراعة.
ويمكنه أن
يحرز هدفاً
غير عادي. أو
يصد هدفاً
للفريق الآخر
كان محققاً..!
والممثل
الناجح هو
الذي يتقن
دوره أياً كان
هذا الدور..
فقد يكون بطل
الفيلم يمثل
دور خادم وليس
دور أحد
العظماء.. لا
تبحث اذن عن
وظيفة كبيرة
تظهر فيها
نجاحاً.. إنما
كن ناجحاً في
أية وظيفة تعهد
اليك.
***
والنجاح
يدخل في أمور
الدين
وتادنيا علي
السواء:
فالانسان
الروحي
الناجح. هو
الذي ينتصر في
كل الحروب
الروحية. فلا
تقوي عليه
خطية أو
إغراء. ولا
أية حيلة من كافة
حيل
الشيطان..وكمثال
لهذا النجاح
كان يوسف
الصديق. إذ
كان باراً
ناجحاً لم تقو
عليه اغراءات
الخطية ولا
إلحاحها
وضغطها كذلك
كان الشهداء
الذين حافظوا
علي إيمانهم
ضد الوثنية
والإلحاد.
ونجحوا في
ثباتهم
وصمودهم أمام كل
التهديدات
والمخاوف.
وأيضا أمام كل
ألوان التعذيب..
فنالوا
الاكاليل
نتيجة
لنجاحهم. كذلك
الذين كانوا
ناجحين في
جهادهم
الروحي. فعبروا
فترة التوبة
بنجاح كبير.
وبدأوا
يجاهدون في
طريق النمو
الروحي لكل
نجاح.
***
هناك
نجاح واضح في
مجال العلم.
ونقصد العلم
الذي يستخدم
لأجل البشرية.
وليس
المستخدم في
هلاكها!
كان
النجاح في
مجال الذرّة
له دوي هائل
في تاريخ
العالم.
ولكن
استخدامها في
الحروب وفي
تخريب المدن ليس
نجاحاً.
نجاح
العلم في
المجال الطبي
هو شرف كبير
للعلوم. ومنه
إجراء
العمليات
الجراحية
بالليزر. واجراء
عملية للجنين
في بطن أمه.
كذلك
كافة
الاكتشافات
في عالم
الأدوية
والصيدلة وقد
كان نجاحاً
قديماً في عهد
الفراعنة ما
وصلوا اليه في
فن التحنيط.
يضاف
إلي هذا نجاح
آخر للعلم
حالياً في
مجال الاجهزة
الحديثة. مثل
الفاكس.
والموتيل فون.
والكمبيوتر
الذي يتقدم
يوماً بعد
يوم. كذلك النجاح
في الإنترنت
واستخدامه في
جمع المعلومات
في شتي الفنون
والأخبار
والبحوث العلمية..
ولكن
ليس نجاحاً
استخدام هذه
الأجهزة
بطريقة خاطئة!
***
في
مجالات
النجاح أيضا:
النجاح في
الحروب:
مثال
ذلك نجاح مصر
في حرب أكتوبر
سنة 1973. حيث أمكننا
عبور القناة
بطريقة
يدرسونها في
الكليات
الحربية.
وبهذا تمكن
جيشنا الباسل
من استرداد
أراضينا في
شبه جزيرة
سيناء. وسجل
هذا النجاح
تاريخاً
مشرفاً لمصر
وقواتها
المسلحة.
ومن القصص
البارزة في
تاريخ الحروب.
ما قام به
هتلر من
انتصارات
مذهلة اكتسح
بها بلاداً قوية.
ولكن نجاح هذا
القائد لم
يستمر. بل
انهزم في
معركة
العلمين.
وضاعت هيبة
نجاحه السابق.
واعتبر من
مجرمي الحرب.
وأضطر إلي
الانتحار.
يذكرنا هذا
بنجاح
نابليون
بونابرت من
قبل. حتي أصبح
هو أيضا
أسطورة. ولكن
استدرج إلي
الداخل
بطريقة
أوقعته في
حصار اقتصادي.
وانهزم وقبض
عليه. ونفي في
إحدي الجزر.
وكانت نهايته
مأساة أضاعت
كذلك هيبة
تاريخه
ونجاحه
السابق.
وبهذا خرجنا
بنتيجة هامة
وهي أن النجاح
يحسب باستمراريته.
***
العنصر
الأساسي في
النجاح ليس هو
نقطة البداية
فيه. إنما
المهم هو
نهايته
واستمراريته.
ہ مثال
ذلك تلميذ بدأ
حياته
الدراسية
ناجحاً ومتفوقاً.
ثم صادق
مجموعة من
الأصحاب أضاعت
وقته. أو
انشغل بحب
فتاة شغلت
ذهنه. فما عاد
يركز ذهنه في
دروسه. أو أنه
وقع في عادة
رديئة جعلته
يهمل مذاكرته.
أو أصابه
الغرور بسبب تفوقه.
فاعتمد علي
عقله فقط دون
إعطاء الوقت الكافي
لاستذكار
العلوم..
فلذلك كله فقد
التفوق. بل
رسب أيضاً. ہ مثال
آخر: رجل أعمال
أسس شركة كانت
ناجحة جداً.
حتي تحولت إلي
مؤسسة كبيرة.
ولاتساعها لم
يكن له الوقت
الكافي
للإشراف
عليها.
فاستخدم
مساعدين
وشركاء لم
يكونوا علي
درجة من
الكفاءة
والإخلاص. مما
اضطر الشركة
إلي
الاستدانة. ثم
انتهي به
الأمر إلي
الافلاس!_!
نهاية لا
تتفق مع
البداية
الناجحة!
ہ
مثال ثالث:
زوجان بدأت
حياتهما
الزوجية ناجحة
جداً في مشاعر
من الحب
والألفة
والاتفاق. ثم
دخلت بينهما
عوامل أخري.
وانفعالات.
واصطدامات في
تفاصيل معينة.
أو تداخلات من
أسرتيهما.. وانتهي
الأمر
بالخصام
والانفصال. ثم
بالطلاق!
هل تظنون كل
أسرة انتهت بالطلاق.
قد بدأت
الحياة
الزوجية
بالنفور والكراهية؟!
كلاً. بل
غالباً ما
تكون قد بدأت
بالحب في حياة
عائلية ناجحة.
ثم انتهت بعكس
ما بدأت.
***
علينا
إذن أن ندرس
قصص الناجحين.
ومقومات نجاحهم.
ولعلنا
نجد في أسباب
النجاح
الجوهرية:
العقلية وقوة
الشخصية
يلزم
للنجاح
العقلية التي
تتصف بالذكاء.
والقدرة علي الفهم
والاستنتاج
مع الذاكرة
القوية.
وبالإضافة
إلي ذلك
الحكمة
فكثيرون
يفشلون في
حياتهم
الروحية أو
المادية أو
العائلية أو
في معاملاتهم.
بسبب نقص في
الحكمة وحسن
التصرف. أو بسبب
عدم إفراز في
السلوك
الروحي. أمثال
هؤلاء يحتاجون
إلي ارشاد
وخضوع لأبوة
واعية حكيمة.
ويحتاجون إلي
صلاة لكي
يرشدهم الرب
في طرقه. ويمنحهم
حكمة من فوق
من عنده.
وبمناسبة
أهمية الحكمة
في النجاح..
نذكر قول
الشاعر:
إذا
كنت في حاجة
مرسلاً ..
فارسل حكيماً
ولا توصيه
وإن
باب أمر عليك
التوي .. فشاور
لبيباً ولا
تعصيه
***
والنجاح
يحتاج إلي قلب
قوي. لا تهزمه
المشاكل
فإن
وقفت مشكلة في
طريق نجاحه.
لا يهتز ولا
يتزعزع. ولا
ينزعج بسببها.
ولا يخاف ولا
يتراجع. بل
بعزيمة قوية
يصمد. ويفكر
في علاج
وينتصر. تكون
له الأعصاب
الهادئة
والفكر
الهاديء والنفس
الهادئة.
وإن
فشل مرة.
سرعان ما يقوم
ولا ييأس.. ولا
مانع عنده من أن
يبدأ من جديد..
وإن فاتته
فرصة يلتمس
غيرها. في
رجاء وفي
صمود.
***
وفي
كل هذا يحتاج
إلي الصبر
والتأني:
ربما
لا يدرك
النجاح من أول
خطوة ولا من
أول محاولة.
فلا يتضايق بل
يصبر. فالنجاح
يحتاج إلي
مثابرة وإلي مداومة
الجهد.
والإنسان
الذي يدركه
الملل والضجر
والضيق ولا
يستمر. هذا لا
يستطيع أن
ينجح.
انتظر
معونة الرب
فسوف تأتيك
مهما تأخرت في
نظرك. وكل عمل
تعمله. لا
تقلق علي
نتيجته..
انتظر الثمرة
حتي تنضج.
حينئذ تجدها
في يديك بغير
صعوبة. ولا
تسرع إلي
قطفها قبل
أوانها...
***
النجاح
أيضاً تساعد
عليه المواهب
والموهبة
منحة من الله.
يولد الانسان
بها قبل أن
يدرسها. وربما
دون أن
يدرسها. وما
الدراسة الا
لتنظيم
الموهبة
لإنشائها.
فالشاعر مثلاً
يوُلد شاعراً.
دون أن يتعلم
الشعر كما كان
الشعراء في
الجاهلية.
أما
تعلّم أوزان
الشعر وبحوره
وتفاعيله.
فذلك لمجرد
ضبط الموهبة.. ونفس
الكلام نقوله
عن الموسيقي
والفن والرسم..
غير ان
الانسان
الناجح هو
الذي ينمي
مواهبه.. ولا
يتركها لتذبل
دون رعاية.
***
والنجاح
كذلك. تساعد
عليه البركة
والمعونة
يحتاج
الإنسان إلي
بركة من الله
لكي ينجح. وقد
ينجح بسبب
بركة
الوالدين
ورضاهما عنه.
وربما بسبب
بركة أخري
تأتيه من دعاء
أشخاص سبق أن
ساعدهم
فصاروا يدعون
له بالخير.
علي
أن الجهد
الكبير بدون
بركة قد لا
يوصل إلي نجاح
لذلك علي
الانسان أن
يسعي إلي
البركة في
حياته. ويطلب
المعونة
الإلهية
بالصلاة.
ويوجد
أشخاص ينجحون
بسبب معونات
خارجية تصل
إليهم. علي أن
هناك أشخاصاً
عاشوا
عصاميين بدون
أية معونة ونجحوا
بالكد والجهد
والصبر.
***
لا
يفوتنا هذا
الموضوع. دون
أن نتحدث عن
نجاح الأشرار
للأسف
يوجد أشرار
كثيرون
ناجحون في
حياتهم! هؤلاء
وصلوا إلي لون
من النجاح
المادي.
عن
طريق المكر أو
الخبث أو
التحايل. أو
عن طريق الرشوة
أو الكذب أو
الإدعاء أو عن
طريق الغش أو
التزوير أو
تملق
الرؤساء.. أو
بطرق غير
شريفة...
هؤلاء نجاحهم
زائف ومؤقت.
وقال القديس
أوغسطينوس عن
أمثال هؤلاء:
إذا أشعلت
ناراً. يرتفع
الدخان إلي
فوق وتتسع رقعته.
وفي كل ذلك
يتبدد. أما
النار فتبقي
تحت. لا ترتفع
مثل الدخان.
ولكنها تبقي
في قوتها
وحرارتها
وفاعليتها.
ولا تتبدد مثل
الدخان في
ارتفاعه.
لذلك
لا تفر من
الأشرار اذا
نجحوا في هذه
الحياة
الدنيا
وهؤلاء قد
استوفوا
خيراتهم علي
الأرض. ولا
نصيب لهم في
السماء.