الفـــراغ
وأنواعــــــــه
بقلم
قداسة البابا
شنوده الثالث
27/7/2004
جريدة
الجمهورية
بمناسبة
بدء العطلة
الصيفية
لأبنائنا
الطلبة.
ووقوفهم أمام
مشكلة ربما
تُسمي مشكلة
الفراغ. أود
أن أحدثكم
اليوم
عن الفراغ
وبعض أنواعه:
الفراغ
له أضرار
كثيرة. لذلك
عمل الرب علي
تلافيها من
بدء الخليقة.
فأوجد
لأبينا آدم
عملاً يعمله
في الجنة. علي
الرغم من أن
الخير كان
كثيراً فكان
العمل إذن لملء
الفراغ. كما
أحاطه الله
أيضاً
بأصدقاء من الحيوانات.
كان يدعوهم
ويسميهم
بأسماء. ولكي لا
يقع في فراغ
عاطفي. صنع له
الله من جنبه
امرأة هي حواء.
ونحن
حينما نتكلم
عن الفراغ.
نذكر أنواعاً
منه هي:
فراغ
من جهة الوقت -
فراغ من جهة
العقل والفكر
- فراغ عاطفي -
فراغ في
الشخصية..
ونود أن
نفحصها جميعها..
***
فراغ
الوقت:
كل
الناس يبحثون
عن وسيلة لقتل
الفراغ. وبتعبير
أصح لملء
الفراغ - وفي
هذا المجال توجد
وسائل خاطئة
ووسائل
صالحة..
الفراغ
من جهة الوقت.
يجلب الملل
والضيق. وأحياناً
يجلب أيضاً
الحزن
والكآبة. كما
يحدث مع بعض
الذين يحالون
إلي المعاش.
وهناك
أشخاص يقولون
"نريد وسيلة
لقتل الوقت"!
دون أن يدروا
أن الوقت هو
جزء من
حياتهم.. ففي رغبتهم
قتل الوقت. إنما
يبرهنون علي
أن حياتهم
رخيصة في
نظرهم!!
أمثال
هؤلاء يضيعون
الوقت في
الملاهي أو
المقاهي. أو
في الكلام
والثرثرة. وفي
مسك سيرة الناس.
وفي تبادل
الفكاهات. وفي
التمشي في
الشوارع. أو
في الجلوس طول
وقتهم أمام
التليفزيون أو
في ألوان من
المتعة -
والبعض -
وبخاصة
الشباب - قد
يقضي وقته في
أحلام اليقظة.
فيجلس إلي
نفسه. وقد سرح
فكره بعيداً.
متصورًا أنه قد
صار كذا وكذا
من تخيلات
العظمة أو
المتعة. وصار
وصار.. ثم يصحو
فيجد نفسه لا
شيء!
***
وأحيانا
يصب البعض
فراغهم في
آخرين:
أي
يبحث الواحد
منهم عن زميل
أو صديق. ويظل
يتكلم معه
مباشرة أو في
التليفون. في
كلام مفيد أو
غير مفيد -
وغالباً ما
يكون كلامه
فراغاً أيضاً
مثله.. والمهم
عنده أن يضيع
وقته ووقت زميله
في شيء. أي شيء.
والبعض
يشغلون وقتهم
في الصداقات
الضارة. والبعض
يشغل وقته في
التدخين. كما
لو كان بهذا يسليّ
نفسه!
والبعض
يسد الفراغ
بفراغ. أو
بضياع!!
***
ونحن
نعجب من هؤلاء
الذين
يستهينون
بوقتهم هكذا!
بينما
هناك أشخاص
كبار يبحثون
عن الوقت فلا
يجدونه. من
فرط كثرة
مسئولياتهم
وكثرة انتاجهم.
حتي أنهم
حينما
يفارقون
العالم
الحاضر. يتركون
خلفهم فراغاً
كبيراً لأن كل
واحد منهم كان
مجموعة من
الشخصيات في
ذاته..
***
الاستفادة
من الوقت:
إما
أن الشخص
يستفيد من
وقته بطريقته
الخاصة. أو
تكون هذه هي
مسئولية
المجتمع
المحيط به. أو
هي مسئولية
الدولة: في
ملء فراغ وقت
الشباب.
فمن
جهة الدولة:
توجد مراكز
الشباب.
ومراكز للثقافة.
للذين
يلتحقون بهذه
المراكز. كما
توجد مراكز
للقراءة كدور
الكتب.
وقد
رأيت في
الإسكندرية.
كيف يمنح
الشباب فرصة
للاشتراك في
تنظيم المرور.
والحفاظ علي
نظافة
المدينة.
وبهذا تنتفع
الدولة بهم
وبوقتهم وأيضاً
ينالون بعض
المكافآت.
ويتدربون علي
خبرات وعلي
محبة بلدهم
ولهم في عملهم
هذا. زيّ خاص
يميزهم..
***
·
وهناك وسيلة
أخري
للاستفادة من
الفراغ. وهي
العمل
والإنتاج:
فهناك
نشاط يُسمي
"الأسرات
المنتجة". حيث
توجد فرصة
للفتيات
والنساء
عموماً. لعمل
العديد من
أنواع
الأطعمة
وتعبئتها. أو
يشتغلن بالخياطة
والنسيج
والتريكو وما
أشبه. ويباع
كل هذا في
معرض.
·
وسيلة أخري
لملء الفراغ.
وهي ما تسمي بالمشروعات
الصغيرة
الدولة
نفسها تساعد
الشباب في هذا
المجال. وتمنح
الشباب قدراً
من المال
للقيام
بمشروع صغير.
مع تقديم
قائمة بتلك
المشروعات
الصغيرة - وهي
فكرة رائعة
لمن يريد أن
يعمل ويكتسب من
عمله. دون أن
يطلب معونة مع
البقاء في
دائرة الكسل.
وفي مشكلة
الفراغ.
***
وعندنا
في اسقفية
الخدمات في
الكنيسة
القبطية
برنامج للعمل
اسمه
Vocational Training
"أي التدريب
المهني"
للتدريب
علي أنواع من
المهن. حسب
نوعية الشباب
وهوايته.
*فالشاب
المثقف يمكنه التدرب
علي أعمال
الكمبيوتر.
والإنترنت.
والفاكس.
والتمكن من
دراسة لغات
معينة تفتح له
مجالا للتوظف
- ليس فقط في
الوظائف
الحكومية وحدها
- وإنما أيضا
في البنوك
والشركات
والفنادق والسياحة
والطيران
والهيئات
الأجنبية.
·
وبالنسبة إلي
غير المثقفين
أو أصحاب الحرف
المهنية. يمكن
أن يتدربوا
علي أنواع من
العمل اليدوي
في الآلات
الكهربائية.
وفي أعمال السباكة.
والماكينات
المتنوعة.
وحتي في
البناء والزراعة.
فياليت
شبابنا
يستخدمون وقت
فراغهم في
اكتساب
مهارات
وقدرات جديدة.
فإن التوظف
حالياً لا
تكفيه مجرد
شهادات
دراسية..
إنما
حينما يتقدم
شخص لطلب
وظيفة. لابد
أن تكون
للمهارات
الخاصة
أفضلية
وأولوية تضاف
إلي شهادته
الدراسية.
فتميز طلبه..
***
أيضًا
هناك ما يعرف
باسم "النشاط
الصيفي" في كثير
من الهيئات
والجمعيات.
ومراكز
الشباب..
في
بدء قيامة
ثورة يوليو.
في أواخر
الخمسينيات.
كانت هناك
حركة واسعة في
تشغيل الشباب
في عملية تشجير
لبعض المناطق
الصحراوية..
وحالياً بعض الهيئات
تجند الشباب
لخدمة
المناطق
العشوائية. أو
لخدمة
المعوقين علي
اختلاف
نوعياتهم. من
صم وبكم.
ومكفوفين.
وأصحاب إعاقة
عضوية. والاهتمام
بهم من كل
ناحية.. كذلك
تدريب الشباب
علي محو
الأمية في بعض
المناطق
كالريف والأحياء
الشعبية.
والبعض يعمل
في ميدان
الافتقاد.
والبحث عن الشباب
الضائع. وفي
خدمة الذين
ليس لهم أحد
يذكرهم.
***
كذلك -
في ملء فراغ
الوقت عند
الشباب - هناك
من يكتشف
مواهبهم
الفنية.
ويشجعها
ويوظفها
فهناك
شباب لهم مواهب
فنية في كتابة
القصة. وفي
الموسيقي
والشعر. وفي
الرسم والنحت
وكافة أنواع
الفن. ولكنهم
لا يجدون من
يشعر بهم. ولا
من يهتم بهم.
وكان الأولي
أن تكتشفهم
مدارسهم التي
تعلموا فيها.
أو مراكز
الشباب. وأن
تقام مسابقات
يساهم فيها هؤلاء
الشباب. وتظهر
فيها مواهبهم.
وتجد من
يرعاهم.
ولعل
من المظاهر
التي نبغ فيها
البعض. نحت
تماثيل صغيرة
تشبه ما يتطلع
السائحون إلي
اقتنائه من
معالم
التاريخ
المصري
القديم.. ونشر
ذلك الفن في
المناطق
السياحية. وما
يدره من دخل مالي
ومن شهرة.. مع
أمور أخري
يتخصص فيها
فنانون لخدمة
السياحة
***
مما
يمكنه شغل وقت
الفراغ أيضاً
ما يسمي Advanced Courses "أي
المناهج أو
الكورسات
المتقدمة"
وذلك
في مجالات
متعددة ترفع
مستواهم
الثقافي كما
ترفع مستواهم
المهني
وتزيدهم
مهارة في التدريب.
وفي نفس الوقت
تملأ الفراغ
بما يفيدهم
ويسمو بعلمهم.
* * *
الفراغ
العاطفي
الفراغ
العاطفي قد
يوجد عند
الصغار وعند
الكبار.
الفراغ
العاطفي عند
الصغار:
هو
عدم إشباع
عواطفهم من
نحو والديهم
واخوتهم
وأقربائهم
وأصحابهم. ومن
مظاهر هذا
الفراغ وجود
ابن وحيد ليس
له أخ يسليه
لذلك فأنا
انبه دائماً
إلي خطورة
الاكتفاء
بولادة طفل
واحد فيجب مراعاة
شعور الابن من
حيث وجود أخ
أو اخت له: يلعبان
معا ويتحدثان
معا
ويتسامران
معا ويتشاجران
معا ثم
يصطلحان في
نفس الوقت..
ان
الأطفال ان لم
تشبع عواطفهم
داخل بيوتهم يتعرضون
إلي خطورة
اشباع
العاطفة خارج
البيت مما لا
تضمن نتائجه..
* * *
وقد
يحدث ذلك إما
لعدم اهتمام
الوالدين
بهذا الجانب
العاطفي في حياة
أبنائهم أو
ظنهم ان الطفل
حينما يكبر
بعض الشيء
لايحتاج إلي
الإشباع
العاطفي كما
كان في طفولته
الأولي وهذا
خطأ واضح
فأبناؤكم يحتاجون
إلي العاطفة
مهما كبروا..
انما تتنوع
هذه العاطفة
في كيفيتها
وفي درجتها
حسب نوع السن
ونوع النضوج
العاطفي ونوع
الاحتياج.
* * *
وقد
لايهتم
الوالدان
باشباع عاطفة
أبنائهم بسبب
انشغالهم
الأب
بسبب انشغاله
طول اليوم في
العمل لكسب المال
أو الشهرة حتي
إذا رجع إلي
البيت يكون منهكا
وغير متفرغ
لتدليل
أولاده أو
يرجع لمجرد حفظ
الضبط والربط
في محيط البيت
فينتهر
ويعاقب ويفقد
مشاعره كأب
ليحتفظ بمسئوليته
وهيبته كرب
اسرة!
كذلك
إذا كانت الأم
من النساء
العاملات
وتنشغل عن
أطفالها
وتتركهم إلي
عناية
المربيات وقد
حرموا من
عواطف
الأمومة.
* * *
وقد
يفقد الأطفال
عاطفة البيت
بسبب التمييز Discrimination
كأن
يهتمون
بالولد أكثر
من البنت وقد
تكون الابنة
جوعانة إلي
هذه العاطفة
ولا تجدها وقد
يحدث التمييز
بسبب تفضيل
البكر علي
الصغير أو
العكس أو تفضيل
الابن
المولود
حديثا عمن
سبقه. أو
تفضيل ابن
أكثر جمالا أو
"دردحة" علي
الأقل معه.
وكل
ذلك يوجد غيرة
عند الأطفال
ويشعر بعضهم
انه مضطهد أو
مهمل أو لا
يجد عناية مثل
غيره وقد يلجأ
إلي خال أو عم
أو جد أو جدة
لتعويضه عما
فقده من حنو
ولكن الخطورة
أن يبحث عن
ذلك خارج
البيت.. وربما
يكون سبب
فقدانهم
الحنو. هو ما
يدعيه بعض
الآباء من
الحزم!
* * *
صدقوني
ان الاشباع
العاطفي
يحتاج إليه
بعض الكبار
أيضاً
من
هذا النوع
المسنون
والمسنات ممن
ننشيء لهم
بيوتا
لرعايتهم بعد
وفاة أحد
الزوجين وتعيين
الأولاد في
وظائف ف بلاد
بعيدة أو
تزوجهم وتفضيلهم
أن يحيوا
وحدهم. أو
بسبب الهجرة
وهكذا يبقي
الكبار
يعانون
الوحدة.
وليسوا فقط
يحتاجون إلي
الرعاية. بل
أيضاً إلي ملء
الفراغ
العاطفي.. نفس
العاطفة
تحتاجها الأرامل
ممن فقدوا
شريك الحياة
رجالاً أو نساءً.
ويحتاج إليها
الذين احيلوا
إلي المعاش. وفقدوا
ماكان يقدم
لهم من كلمات
طيبة أثناء عملهم.
وكذلك من
كانوا في مركز
له سلطة
وخرجوا منه.
* * *
إشباع
الروح والفكر
هناك
من يشبعون
أنفسهم عن
طريق العقل
والفكر. كبعض
العلماء
وأساتذة
الجامعات
الذين
يتفرغون للدراسة
والبحث
والإنتاج
العلمي
ويجدون في ذلك
ما يشبع
نفوسهم ويرضي
مشاعرهم.
والبعض
يشبع عاطفته
بمحبة الله
ومن هذا الاشباع
قال القديس
اوغسطينوس في
صلاته إلي
الله "سيظل
قلبي قلقا إلي
أن يجد راحته
فيك" علي أن
البعض يشبعون
عواطفهم
بمحبة الذات
والتمركز
حولها مما يسميه
علماء النفس
بالنرجسية. إذ
يعبدون
ذواتهم.
* * *
وهناك
أشخاص عندهم
فراغ في الفكر
اذ ليست لهم قدرة
علي التفكير
العميق
وليس
لهم سوي تفكير
سطحي وأحيانا
لا يفكرون علي
الإطلاق
تفكيرا
يشبعهم. وليست
لهم قدرة علي
التأمل.
وبالتالي
ليست لهم
أهداف كبيرة
في حياتهم. فهم
يعيشون علي
هامش الحياة.
وحياتهم
عبارة عن
فراغ.