المبـالغـات
بقلم
قداسة البابا
شنوده الثالث
5/10/2004
جريدة
الجمهورية
يندر
أن يوجد أحد
لا يقع في
موضوع
المبالغة هذه...
فالذي ليست
المبالغة في
طبعه بصفة
عامة. نراه
يبالغ
أحياناً في
بعض
الموضوعات..
وقد تكون
المبالغة في
الكلام. وقد
تكون في
التصرف.. وعموماً
فإن عبارة
"كل" أو "
جميع" إذا
قيلت في غير
العقائد
غالبا ما تكون
فيها مبالغة.
أو عدم دقة... والناس
يبالغون في
المديح وفي
الذم. في
المعارضة وفي
التأييد.
وأشهر شيء
توجد فيه
المبالغة هو
الشعر. وقد
تحوي
مبالغاته
شيئاً من
الجمال الفني.
حتي أنه قيل
في مبالغات
الشعر: إن
أعذبه اكذبه...
***
ما
أشهر وجود
المبالغة في
الوصف
وبالذات في الشعر:
قال
شاعر يذم آخر.
في شخصه. وفي
بغلته: لك يا
صديقي بغلة ..
ليست تساوي
خردلة تمشي
فتحسبها
العيون علي
الطريق مشكلة
وتخال مدبرة
إذا ما اقبلت
مستعجلة
مقدار خطوتها
الطويلة حين تسرع
أنملة
أشبهتها بل
أشبهتك كأن
بينكما صلة
تحكي صفاتك في
الثقالة
والمهانة
والبله
وطبيعي أنه لا
توجد بغلة في
الدنيا بهذا
الوصف! ولكنها
المبالغة
التي تضفي علي
الشعر لوناً
فنياً يطرب قارئه...
***
ومن
المبالغة
أيضاً في
الوصف. ما
قاله أحد الشعراء
عمن لقبها
بأنها "عجوز
النحس" فقال
فيها: عجوز
النحس إبليس
يراها .. تعلمه
الخديعة من
سكوت تجد
بمكرها سبعين
بغلا .. إذا
شردوا بخيط
العنكبوت
وواضح
المبالغة في رقم
سبعين. وعبارة
إذا شردوا.
وعبارة خيط
العنكبوت! وان
هذه العجوز
يمكنها أن
تعلم إبليس! ويشبه
هذا أيضاً ما
وصف به شاعر
حظه السييء.
فقال: إن حظي
كدقيق .. وسط
شوك بعثروه ثم
قالوا لحفاة ..
يوم ريح
اجمعوه صعب
الأمر عليهم ..
قال قوم
اتركوه إن من
أشقاه ربي ..
كيف أنتم تسعدوه؟!
حقا ما أدق
هذا الوصف
وأروعه! دقيق
تتطاير ذراته
في يوم ريح
عاصف. والذين
كلفوا بجمعه
كانوا حفاة
وفي وسط شوك!
وصف يعطي صورة
للاستحالة.
ولكنها
المبالغة...
***
إنها
مبالغة
لاتتهم
بالكذب. إنما
توصف بالجمال
الفني. وتقدم
حبكة في
الوصف. ودقة
وتصويرا... هناك
مبالغة أخري
ترتبط بلون من
الفكاهة. كما حدث
لما رأي أحمد
شوقي جسر
البسفور
والدردنيل في
حالة سيئة
تحتاج إلي
إصلاح فأرسل
إلي الخليفة
العثماني
يقول له: أمير
المؤمنين
رأيت جسرا ..
أمر علي
السراط ولا
عليه له خشب
يجوع السوس
فيه .. ويمضي
الفأر لا يأوي
اليه ولا
يتكلف
المنشار فيه ..
سوي مر الفطيم
بعارضيه
وطبيعي ان
الجسر لم يكن
علي هذه
الحالة المتهالكة.
وإلا كان قد
انهار منذ زمن.
ولكنها
المبالغة
التي تصوره في
حالة تدفع
القارئ
"الخليفة"
إلي الإسراع
باصلاحه..
***
علي
أن هناك
مبالغات من
نوع آخر: مثال
ذلك نفاق حملة
المحفات أيام
الفراعنة:
حينما كانوا يحملون
فرعونا علي
محفة. فينشدون
له قائلين: إن
وزن المحفة
وهو عليها أخف
من وزنها لوحدها!!
ہ أو قول
الشاعر في ذم
العبيد:
لا تشتر العبد
إلا والعصا
معه .. إن
العبيد لأنجاس
مناكيد ولا شك
أنه غير صادق
في هذا الذم. لأن
التاريخ قدم
لنا أمثلة من
عبيد كانوا في
منتهي
الإخلاص. حتي
أن سادتهم
تركوا في
أيديهم كل
شيء. واثقين
من أمانتهم.
***
هناك
مبالغة أخري.
لا تخلو من
الكذب: منها
المبالغات التي
يلجأ اليها
التجار في
الدعاية إلي
ما يريدون
بيعه. فيصفونه
ربما بما ليس
فيه المزايا. بقصد
تشويق الشاري
لاقتنائه.
وغالبا لا
تخلو أوصافهم
من المبالغة.
ونفس الأمر
ينطبق علي الدعاية
لأمور عديدة.
ويختارون
لذلك موظفين
مشهورين باسم PROPAGANDISTS
يعملون في
البروباجندا
ومنهم
الكثيرون ممن يقومون
بالاعلانات.
وربما يكون
كلامهم صحيحاً.
ولكنه يشتمل
علي شيء من
المبالغة.
وتشمل المبالغة
أيضاً
الدعاية في
الانتخابات
علي أنواعها:
حيث يصورون
المرشح. أو
يصور المرشح
نفسه. بأنه
هدية الله
لهذا الجيل!
وأنه علي يديه
سيتم كل إصلاح
يرجوه
الناخبون! كل
ذلك بمبالغة
بعيدة كثيرا عن
الواقع. وربما
بعد أن يتم
انتخابه. يظهر
أن تلك
الدعاية لم
تكن تعبر عن
الأمل المرجو.
***
تأتي
أيضاً
المبالغات في
نشر الأخبار:
سواء بطريقة
ايجابية أو
سلبية. أي نشر
الخبر
بمانشتات
عريضة أو بخط
أحمر. أو نشر
الخبر بطريقة
لا تظهره وفي
الحالتين لون
من المبالغة
من جهة إظهار
أهمية الخبر
أو عدم
أهميته. حسب
سياسة
الجريدة أو
المجلة التي
تنشر. يضاف إلي
هذا الأمر:
التعليق علي
الخبر. تأييدا
له أو معارضة
أو تجاهلا..!
وقد تظهر
المبالغة في
نوع الإثارة
التي تنشر بها
الأخبار:
فقد توضع بعض
الأخبار تحت
عنوان "مذبحة
مروعة" أو
"فضيحة كبري"
أو "تحقيقات
خطيرة" أو "أسرار
مثيرة"... وما
أكثر ما وصفت
بعض الأحداث
بأنها جرائم.
ثم حكم عليها
القضاء
بالبراءة!! وربما
ما ينشر في
جريدة معينة.
يكون غير ما تنشره
جريدة أخري.
سواء
بالمبالغة في
النشر. أو
المبالغة في
التقليل من
قيمة الخبر.
وعلي القارئ
أن يكون حكيما
في الحكم علي
هذا أو ذاك.
***
نفس
المبالغة قد
تكون في
التقارير أو
الشائعات... ما
بين سياسة
التهويل.
أوسياسة
التهوين!! مبالغة
في خطورة
التقرير
وخطورة الشائعة.
أو مبالغة في
الاستهانة
بهذه أو تلك..
وربما
التهويل في
التقارير.
تتبعها
تحقيقات وإجراءات
إدارية حازمة.
وينتهي الأمر
إلي لا شيء!
ولكنها
المبالغة
التي علي رأي
المثل "تجعل
من الحبة
قبة"..
أما المبالغة
في التهوين من
أمر معين. قد
تنتج عنه فيما
بعد نتائج
خطيرة لم يعمل
لها حساب.
بينما الدقة
في التقارير.
وفي نقل
الأخبار ونشرها.
تكون وسيلة
لتقديم الحق
خالصاً
بعيداً عن كل
لون من
المبالغة..
***
هناك
أيضا
المبالغة في
الحياة
الاجتماعية. وفي
المناهج
السياسية:
فمثلا الحرية
ما بين
المبالغة في
التسيب. والمبالغة
في القمع:
الطفل في
أمريكا إذا
بلغ السادسة
عشرة من عمره
يصبح لا سلطان
لوالديه عليه.
وإذا أدبه
أبوه. ما أسهل
أن يطلب
البوليس
ليحقق مع
أبيه. يضاف إلي
ذلك لا تدريس
للدين في
المدارس
الحكومية. لتكون
الحرية
للطالب في
اختيار الدين
الذي يريد أو
اللا دين!
ونتيجة لهذه
المبالغة في
الحرية. أن
انتشرت
الأفكار المنحرفة
خلقيا ودينيا.
وكما انتشر
الشذوذ الجنسي
باسم الحرية !
ووجدت جماعات
الهيبز والبيتلز.
كذلك انتشرت
الانحرافات
الدينية والفكرية
في عشرات
المذاهب
والنحل. واصبح
المجتمع
مرتعاً خصبا
لجماعات شهود
يهوه.
والسبتيين الأدفنتست.
والمورمون.
والعلم
المعارض
للدين. ومدارس
النقد
الكتابي
وغيرها...!
***
ومن
الناحية
المضادة.
وجدنا
المبالغة في
القمع. في
البلاد
الشيوعية. من
جهة الإلحاد.
وانعدام
الملكية في
المنازل
والأراضي..
كانت المبالغة
في الرفاهية
قد انتشرت قبل
ذلك في عهد القيصرية
في روسيا. حتي
اصبحت سرج
الخيول من
الذهب. وبراويز
الأيقونات
وأغلفة الكتب
المقدسة من الذهب
أيضاً.
ومازالت
بقايا هذا
الثراء موجودة
إلي الآن في
متحف
الكرملين.
وقباب
الكنائس من
الذهب أيضا.
يضاف إلي هذا
استخدام
الأحجار الكريمة
بمبالغة..
فإذا
بالشيوعية
تعالج العكس
بالعكس. تعالج
المبالغة في
رفاهية رجال الدين
والقصر.
بالمبالغة في
الغاء الدين
والتملك.
واصبح الشخص
لا يملك بيتا
بل يستعمله. وأصبح
المتقدم لشغل
وظيفة يجتاز
اختباراً شخصياً.
يعترف فيه
بعدم وجود
الله. وبأن
الدين هو
أفيون الشعوب.
وبأن رجال
الدين كلهم
كذبة ومضللون!
مبالغة في
القمع. كانت
رد فعل للمبالغة
في حكم
القيصرية من
جهة الرفاهية
والتملك والتدين!!
***
كذلك
فإن المبالغة
في النسك
وقوانين
التوبة في
العصور
الوسطي. كانت
لها ردود فعل
في مبالغة
عكسية: قوانين
التوبة
المتشددة. كما
شرحها يوحنا
كليماكس في
كتابه "الأرجي".
مع العقوبات
الكنسية من
جانب الكنسية
الكاثوليكية.
أحدثت مبالغة
في رد فعل من
جانب
البروتستانتية
في عدم
الاعتراف
بالرهبنة جملة.
وبالقوانين
الخاصة
بالصوم
والخاصة بالعقوبات
الكنسية..
كذلك فإن
الإباحية
والمبالغة في
الغناء
والجواري
أوجدت من
الناحية المضادة
تشددا في
الدين أكثر من
ذي قبل. لذلك
فإن البعض
يعرف الفضيلة
بأنها وضع
متوسط بين
تطرفين: بين
تطرف في
التشدد. وتطرف
في التسيب..
بين الضمير
الواسع الذي
يقبل ويبرر
أخطاء كثيرة.
والضمير
الضيق
الموسوس الذي
يظن الخطأ حيث
لا يوجد خطأ.
أو يبالغ في
قدر الأخطاء
ويوقع صاحبه
في عقدة الذنب
SENSE OF GUILT.
***
المبالغة
قد توجد أيضا
في الحزن وفي
الفرح في التباهي
والاتضاع.
هناك من
يبالغون في
الحزن
ومظاهره.
وأيضاً في زيارة
المقابر. وفي
فترات الحداد.
وبخاصة ما تقوم
به النساء من
البكاء
واللطم.
والبعض يبالغون
في حزنهم بطرق
غير مقبولة
اجتماعياً.
ومن ناحية
أخري هناك من
يبالغون في
أفراحهم.
بحفلات تستمر
الليالي بميكروفونات
تذيع الأغاني.
وقد تشتمل
حفلاتهم علي
الرقص
والضجيج.
وينفقون
عليها انفاقات
باهظة.
ويزعجون الحي
كله.. والأمر
يحتاج إلي حكمة
واعتدال في
التصرف.
أيضا نفس
المبالغة في
الفخر وفي
الاتضاع:
* فمن
المبالغة في
الافتخار. قول
عنتر بن شداد:
ولو
أرسلت رمحي مع
جبان .. لكان
بهيبتي يلقي
السباعا
* أما
المبالغة في
الاتضاع.
فمثالها من
يحقر نفسه.
وينسب إلي
ذاته أخطاء
وضعفات ليست
له..
***
هناك
مبالغات أخري
في بعض أمور
اجتماعية وتربوية:
* مثال ذلك
المبالغة في
القسوة في
تربية الأبناء.
حتي اننا
قرأنا في بعض
الجرائد أن
أباً في تأديبه
لابنه علي
غلطة معينة.
ظل يضربه حتي
مات!! يقابل
ذلك المبالغة
في تدليل
الأبناء. مما يفقدهم
الأدب
واحترام
الكبار.
ويوقعهم في أخطاء
أخري..
* ومن
المبالغات أيضاً
مبالغة بعض
النساء في
الزينة. حتي
يصلن إلي
التبرج. كذلك
مبالغة بعضهن
في عدم
الزينة. مما
يجعلهن موضع
انتقاد
الأقارب
والأصدقاء والغرباء.
* ومن
المبالغات
الاجتماعية
المبالغة في
تقييد حرية
المرأة. حتي
تصبح وكأنها
سجينة في بيت.
وإن خرجت منه.
تخرج في قيود أخري.