رعاية الشباب

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

15 أبريل 2006

جريدة أخبار اليوم

 

الشباب طاقة جبارة، من قوة وحماسة وحيوية واندفاع... سعيدة هى الدولة التى تستخدم شبابها خير استخدام فيما ينفع.. أما إهمال الشباب فقد يدفعه إلى الإنحراف، أو تستغله قوى اخرى وتدفعه إلى طريق لا ندرى نتائجه...

والشباب يبدأ من مرحلة التعليم الثانوى، أو قبلها بقليل فى أواخر المرحلة الاعدادية. ويشمل طبعاً مرحلة التعليم الجامعى، وما يناسبها فى السن خارج كليات العلم...

ومسئولية الشباب تقع على عاتق الأسرة أولاً، ثم المدرسة والكلية والجامعة. كما تقع على عاتق الدولة أيضاً فى مراكز الشباب

****

وسؤالنا الأول هنا: ماذا تفعله المدارس فى رعاية الشباب؟

كانت فى بادئ الأمر تظن أن اختصاصها هو نشر العلم. لذلك كانت وزارتها تسمى "وزارة المعارف". ثم تطور الإسم فاصبح اسم هذه الوزارة "وزارة التربية والتعليم". وبقى أن نعرف كيف تقوم مدارس هذه الوزارة بالتربية، وليس بمجرد التعليم؟

قديماً كان يوجد ما يُعرف باسم "مدرس الفصل" يجلس مع طلابه خارج نطاق العلم والمقررات، مرة أو أكثر كل أسبوع يتفاهم معهم، وينصحهم بروح الأبوة. وكأنه لهم فى مركز المرشد الروحى...

وكان هناك أيضاً المشرف الإجتماعى لمجموعة من الفصول. فهل لا تزال هذه الوظيفة قائمة؟ وحينئذ نسأل: ما هى اختصاصات المشرفين الاجتماعيين فى كل مدرسة؟ وكيف يقومون بمسئولية رعاية الشباب؟

أعتقد أن المدارس الأجنبية، أو ما تُعرف باسم مدارس اللغات، تقوم بدور أعمق فى المسئولية عن رعاية شباب مدارسها...

****

يبقى التعليم الجامعى لغزاً من جهة مسئولية رعاية الشباب!

هل الإساتذة مجرد محاضرين، يلقون محاضراتهم فى العلم، وينصرفون دون أية علاقة شخصية بينهم وبين الطلاب، إلا علاقة الخوف والمهابة بشعور الطلبة أن مستقبلهم يقع فى أيدى هؤلاء الكبار!!

ثم ما هو دور رؤساء الأقسام، ودور العمداء فى كل كلية علمية من جهة رعاية وتربية هذا الشباب، الذى يحترمهم فى تلقى العلم عنهم؟ ولا شك أنه يكون على استعداد لتلقى توجيهاتهم أيضاً...

وما دور رؤساء الجامعات: هل وضعوا – فى نطاق مسئولياتهم – خطة عملية فى رعاية الشباب الذى يدرس فى جامعاتهم؟

****

إن شباب الجامعة، إذ لا يجد توجيهاً روحياً وتربوياً فى دور العلم، سيتجه إلى مصدر آخر يرشده ويعرّفه كيف يسلك!!

واذا لم يلجأ الشباب إلى مصدر آخرى، فإن مصادر اخرى كثيرة سوف تتجه اليه دون أن يطلب، وتقوم بتوجيهه وإرشاده حسبما ترى. وحينئذ تكون الدولة قد تخلت عن مسئوليتها، وتحصد نتيجة ذلك!!

أو قد يعيش الشباب فى فراغ من جهة التربية ومن جهة الوقت. ويلقيه الفراغ فى ميادين خطرة، وفى متاهات، وربما فى صحبة سيئة تفسد أخلاقه. أو يجد متعته فى اللهو والعبث أو فى المخدرات... وهنا نكون قد فقدنا هذا الشباب وكل ما عنده من طاقة!!

****

نصل حالياً إلى واجب الدولة فى رعاية الشباب.

ونركز حديثنا عن واجب وسائل الإعلام ومراكز الشباب...

هل توجد فى وسائل الإعلام برامج هادفة لرعاية الشباب؟ وتكون فى نفس الوقت برامج مشوّقة تجذب الشباب اليها، فلا تطغى عليه كل برامج اللهو؟! وهل يوجد متخصصون يشرفون على برامج للشباب سواء كانت ثقافية أو اجتماعية أو تنمية لمداركهم فى كل هذه النواحى... بحيث يقبل الشباب على هذه البرامج ويتجاوبون معها ويشتركون فيها...

ماذا فعل التلفزيون فى هذا المجال؟ وكذلك القنوات الفضائية؟ وهل اشترك بعض رجال الفن وبخاصة الذين يحبهم الشباب – نعم، هل اشتركوا بأفلامهم وأقلامهم ومثالياتهم فى رعاية الشباب...

****

أقول أيضاً: ما هو دور الصحافة فى رعاية الشباب؟

ما أكثر ما يكتب فى الجرائد والمجلات عن السياسة، وعن الحوادث والأحداث، وعن التجارة والاقتصاد، وعن الملاهى واللهو... ولكن أين ما يكتب لأجل الشباب: أين هى المثل العليا التى توضع أمامهم لكى تجتذبهم؟ وأين القصص المؤثرة الهادفة التى تعمل على تكوين شخصية ناجحة فاضلة ذات شأن

هل يوجد فى كل جريدة أو مجلة باب للشباب؟

أم نشكو نحن من الشباب إذا انحرف، بينما لم نقم بواجبنا من نحوه، ولم نبذل الجهد اللازم فى رعايته وتوجيهه؟!

****

ننتقل بعد هذا إلى واجب مراكز الشباب فى رعاية الشباب:

منذ زمان وأنا كنت أنادى بوجود وزارة متخصصة للشباب، لا تستهلك طاقاتها فى موضوع كرة القدم، ونظن أن هذا هو جوهر العمل لأجل الشباب. وقد كتبت عن هذا الأمر فى مجلة الشباب حينما كان يرأس تحريرها الصحفى القدير الاستاذ رجب البنا...

المفروض الاهتمام بالشباب من كل ناحية: ثقافياً، واجتماعياً، وخلقياً، ونفسياً، واقتصادياً، وسياسياً. والنظر إلى مستقبله

وهنا يبدو العمل الأساسى لمراكز الشباب

ويمكن أن تعقد فى مراكز الشباب: مؤتمرات، وندوات، ومحاضرات. وتقام مناقشات يشترك الشباب فيها، ويأخذ ويعطى...

نفتح قلوبنا للشباب. ويفتح الشباب قلوبهم لنا. ونعرف ماذا يشغلهم؟ وما هى مشاكلهم؟ ونناقش معهم الحلول اللازمة والمقترحات الممكن تنفيذها، وما يعرضونه وما يُعرض عليهم. وما هى الأفكار التى ترد اليهم من كافة الاتجاهات، وما فيها من خير أو ضرر؟!

ونثقفهم إيجابياً بما فيه الصالح لهم ولبلادهم...

والشباب يحتاج أيضاً إلى من يكتشف مواهبه، ويعطى هذه المواهب فرصة للظهور. ويقوم بتشغيلها لصالحه وللصالح العام

وللشباب طاقات صالحة، يسعده أن نتعرف عليها وننمّيها، ولا نتجاهلها... سواء كانت فى الأدب أو الفن أو فى العلم أو الاختراع. ونعطيه مجالاً لمعرفة نفسه وما فيه من خير، وكيف يعبّر عنه...

وهو محتاج لأنشطة يعمل فيها. وكثير من الشباب الذين اشتركوا فى فرق الكشافة والجوالة، تركت فى أنفسهم أثراً جميلاً

وعلينا أن ندرّب الشباب فيما ينفعه وينفع وطنه. وأتذكر فى بدء سنوات الثورة الاولى فى اواخر الخمسينات واوائل الستينات، أنه قد استخدم الشباب فى عمليات التشجير وتعمير الصحارى واستصلاح أراضيها. وأتى ذلك بخير وفير...

****

فلنهتم بالشباب إذن، ونشعره باهتمامنا به، عملياً لا نظرياً. ولا نغدق عليه بمواعيد، دون تنفيذ..!

ولنشعره أيضاً بأن مستقبله أمانة فى أعناقنا. وأننا لن نتركه فريسة للبطالة ومشاكلها العديدة

لذلك فإن من الأمور اللازمة للشباب مدارس التدريب المهنى، الذى تعطيه امكانيات للعمل، سواء العمل الخاص أو التوظف تبعاً لقدرات قد تدرب عليها

الموضوع طويل، وميادين التفكير فيه واسعة جداً. وعلينا أن نساهم فيها جميعاً بكل هيئاتنا.