الفكر ومصادره

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

6 مايو 2006

جريدة أخبار اليوم

الحواس

فكر الإنسان ينبع من مصادر, ويصب فى اخرى

 وحواس الانسان هى من منابع فكره. كذالك ما يقرأه أو ما يسمعه يولد له أفكاراً. وما يراه أيضاً ينشغل به العقل والفكر.

الحواس اذن توصل إلى العقل أفكاراً.  وما يفكر فيه العقل, يوصله إلى القلب كمشاعر وأحاسيس. وما أسهل أن تصل مشاعر القلب إلى الإرادة, وتحولها الارادة الى عمل.

****

والحواس لا تؤثر فقط على العقل الواعى, انما تؤثر على العقل لباطن ايضاً.

ماتجمعه العين والأذن من مناظر وسماعات وقراءات, كثيراً ماتنبع- حسب عمقها فى العقل الباطن، وتظهر فيما بعد كأحلام أو ظنون أو افكار أخرى. لأن الفكر يلد فكراً, أو أفكاراً كثيرة. والعقل دائم العمل لا يتوقف.

****

وحسب الغذاء الذى تقدمه للعقل, تكون أفكاره !

قد تجلب له الحواس أفكاراً خيّرة. وقد تجلب له أفكاراً شريرة. وحسب نوعية الوقود, تكون النار. لذالك كن حريصاً فى ضبط حواسك, لكى تضمن سلامة فكرك.

واسأل نفسك: أى نوع من الفكر يجول فى عقلك؟ أهو فكر روحى, أم فكر خطية, أم فكر تافه من امور العالم الزائلة؟؟

 كذالك ما الذى تقدمه الحواس لعقلك من مناظر وصور, ومن سماعات وأخبار وقصص, ومن موسيقى وأغانِِ وألحان ونغمات, ومن أفلام لكل منها نوعيته وتاثيره؟

****

 

القراءات

للقراءة تاثير كبير فى حياتك وشخصيتك.

فيمكن- حسب نوعيتها-أن تغرس فيك مبادئ معينة وقيماً...

فالذى يقرأ كثيراً عن الحرية, غير الذى يقرأ فى عمق عن الالتزام. والذى يقرأ عن الهدوء, غير الذى يقرأ عن الجهاد. والذى يقرأ عن مشاهير العلماء غير الذى يقرأ عن أبطال الحروب... كل من هؤلاء يتأثر بما تتركه القراءة فى أثره من دوافع ورغبة فى التقليد..

كذلك القراءة توسع الفكر, وتزيد معارفه, وتعمّق فيه مفاهيم معينة. وما أصدق ماقاله الشاعر عن القراءة فى التاريخ:

ومن وعى التاريخ فى صدره          أضاف أعماراً إلى عمرهِ

****

والقراءة تستطيع أن تبعد الفكر عن التوافه:

فالمرأة التى لا تقرأ, ربما لا تعرف سوى الحديث عن الموائد والملابس والحفلات وأخبار الناس. بعكس المرأة المثقفة التى تجيد الكلام فى موضوعات لها عمق. وبالمثل فالرجل الذى لا يعرف سوى المقهى والنادى ودور اللهو, تكون شخصيته سطحية وأحاديثه بلا نفع أو قد تضر. وعلى عكسه الرجل الذى يقرأ ويدرس ويثقف نفسه, هو قادر أن يزيد غيره علماً ومعرفة

****

والقراءة تمنح العقل لوناً من النمو والنضوج:

فهى توضح أموراً ما كان العقل يعرفها. وتدخل معه فى حوار من جهة موضوعات تحتاج الى مناقشة...

ونلاحظ حالياً اتساع نطاق المعلومات بازدياد المطبوعات سواء من الكتب أو الجرائد أو المجلات, وتغير الفكر عن ذى قبل بحسب نوعية الثقافات. واصبح لابد للإنسان من القراءة لكى يواكب تيار المعرفة, ولا يبقى متخلفاً عن مستوى عصره

****

مستوى المعرفة قد أزداد. ولكن أية معرفة؟

أية معرفة تبغى؟ واية أنواع من القراءة تشبع رغباتك؟

هل تقرأ للتسلية وللمتعة؟ كمن يقرأ قصصاً وحكايات؟ أم تقرأ للتدريب على الذكاء؟ كمن يقرأ الغازاً لحلها؟ أم تقرأ للدراسة والبحث عن الحقيقة؟ أم تقرأ فى موضوعات تروقك فى السياسة أو الاقتصاد أو الرياضة أو الاخبار؟ أم انك تقرأ لمجرد الهروب من الفراغ, ولقتل الوقت؟ أم تقرأ كتباً فى العقيدة والايمان, او فى الفضيلة وسير الابرار؟

إن خير نوع من القراءة هو مايبنى نفسك: مايثقفك بطريقة سليمة, وما يشبع روحك وعقلك...

****

لذلك فيما نشجعك على القراءة, ندعوك أن تكون حكيماً فى اختيار مما تقرأه. فليست كل قراءة نافعة ولا بناءة. وهناك قراءات مضلله, واخرى تثير الشك حتى فى المسلّمات. وقراءات أخرى تنشر أخبارا خاطئةً أو معتقدات هدّامة... وللأسف فإن حرية النشر تسمح بكل شئ !! وقد تقرأ فيتغير فكرك دون أن تدرى، ولو عن طريق التدريج, وعلى مدى زمنى.

لا تقل أنا لا أتأثر! فقد تتأثر دون أن تشعر..!

إننى أعرف كثيرين كانوا مؤمنين وقرأوا كثيراً من كتب الشيوعية فصاروا شيوعيين. والبعض تعمقوا فى قراءة كتب عن الالحاد, فاهتز ايمانهم ! لذلك كن حريصاً جداً من جهة الأفكار الغريبة...

****

لهذا كله, اقرأ بفهم, وبفحص, ولا تعتنق كل ما تقرأ

فكثيرون يقبلون كل ما يقرأون باقتناع تلقائى! دون دراسة, ودون تعمق فى التفكير, كما لو كان ذلك مكتوباً بوحى!!

أما أنت فاقرأ بميزان دقيق, وبتحليل ادقّ. ولا تصدق كل ما يُكتب وما ينشر. فكثيراً مانجد أشياء يعارض بعضها بعضاً فيما تنشره الجرائد من أخبار ومن أفكار!

والعجيب أن البعض لا يكتفون بتصديق كل ما يقرأونه, أنما يحاولون نشر ذلك بين الذين يحيطون بهم. وقد يكون ذلك منافياً للحقيقة. اذن على الانسان أن يشغّل عقله فى كل مايقرأ, ويمنح لسانه عطلة حتى يثق بموضوع الحقيقة أين تكون..؟