فكرً جاء متأخراً

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

3 يونيو 2006

جريدة أخبار اليوم

 

إنسان بدلاً من أن يفكر فى نتائج عمله قبل أن يقدم على العمل، فإنه يعمل دون تفكير فى العواقب، ودون أن يعمل حساباً لردود الفعل... ثم بعد أن يتم عمله، ويُواجه بنتائجه، يبدأ فى أن يفكر فى ما حدث...

إنه تفكير جاء متأخراً، بعد فوات الفرصة...!

****

وانسان آخر ينذر نذراً، دون أن يفكر قبل النذر هل باستطاعته الوفاء به أم لا؟... ثم بعد أن يتم الأمر، ويجد نفسه مقيداً بالنذر، مع علمه بأنه من الخير للانسان أن لا ينذر، من أن ينذر ولا يفى!! حينئذ يبدأ أن يفكر:  هل يغيرّ النذر، أو يبدله، أو يعلن عجزه عن الوفاء به...! إنه تفكير جاء متأخراً بعد أن انتهى الأمر

****

أو امرأة تعيش مع زوجها فى خلاف مستمر، وفى نكد وعناد، بنوع من المعاملة تفقدها محبته، وتطيع أمها وأقرباءها أكثر منه. ولا تأبه بأية نصيحة لتغيير مسلكها. وتغضب أحياناً وتثير اشكالاته، وترفض مع ذلك كل التدخلات للصلح. ويحاول زوجها أن يرضيها، فلا يستطيع. وأخيراً بعد أن يصل به الوضع إلى أن يكرهها، ولا يعود يتصور المعيشة معها، ويسعى إلى الانفصال عنها... فهل حينئذ، إذا بدأت الزوجة أن تشعر بسوء حالتها، وأخذت تفكر فى أن فقدها لزوجها ليس من صالحها... ألا يكون هذا التفكير قد جاء متأخراً بعد فوات الأوان!!

****

وأب يهمل تربية أولاده، وينشغل عنهم بكثير من أعماله، حتى يصبح غريباً عن اسرته. وينشأ أولاده على الأنفرادية والاستقلالية واللامبالاة، وعدم الاهتمام بأوامر الأسرة. ويرسخ فيهم كل ذلك كطباع، وتصبح تصرفاتهم مرارة قلب للوالدين والأخوة... وأخيراً يفكر الأب فى أن انشغاله عن أولاده كان من أخطائه... ألا يكون هذا الفكر قد جاء متأخراً، بعد رسوخ طباع ابنائه!!

****

وتلميذ يستهويه اللعب واللهو طول العام الدراسى، ولا يعطى اهتماماً لدراسته واستذكار دروسه... ثم يُفاجأ بأن الإمتحان على الأبواب. وحينئذ يبدأ أن يفكر كيف يستعد للامتحان. ألا يكون هذا تفكيراً قد جاء متأخراً؟!

****

والكاتب الذى تعوّد أن يهاجم المعارضين فى الفكر أو فى السياسة، بأية ألفاظ أو بأى أسلوب. والمهم عنده أن يحلل شخصية من يعارضه، ويثبت العيوب التى يلصقها به... هل اذا فلت الحرص من هذا الكاتب، وإتهم أمام القضاء بتهمة سب وقزف. هل اذا بدأ يفكر فى أنه كان يجب عليه أن يحترس فى اسلوبه، ألا يكون هذا الفكر قد جاء متأخراً؟!

****

وأيضاً رجل الأعمال الغنى، الذى كلما كان ينجح فى عمله، يزداد رأس ماله، حتى بلغ درجة كبيرة من الثراء. وليس له فكر سوى تنمية عمله، واستثمار امواله، والدخول فى مشروعات جديدة وأعمال اقتصادية عالية المستوى... وهو فى كل ذلك لم يهتم بالفقراء والمحتاجين. وفيما تزداد كنوزه على الأرض، لم يكنز له شيئاً فى السماء! أو كان عطاؤه للمحتاجين ضئيلاً جداً لا يتناسب مع ثرواته... هل هذا الانسان اذا ما فاجأه مرض خطير، ووجد نفسه على فراش الموت، وسيترك كل الأموال التى تعب فى جمعها، دون رصيد له فى الأبدية. هل اذا فكر انه لم يفعل شيئاً لآخرته. ألا يكون فكراً قد جاء متأخراً؟!

****

وذلك الانسان المتردد بطبعه، الذى لا يستطيع أن يكمل عملاً قد بدأ فيه. هل اذا فاتته فرص كثيرة كان من الخير أن تفيده. فندم على تردده. ألا يكون ندمه متأخراً؟!

****

وتلك الفتاة التى تهب نفسها لكل شاب يغريها، واثقة من كلامه ووعوده... هل اذا خلا بها الكل بعد أن تكون قد فقدت عفتها... ثم جلست أخيراً إلى نفسها تندب سوء حالتها. وتقول ياليتنى ما كنت سهلة فى تعاملى واستسلامى للغير. ألا يكون هذا الفكر قد جاء متأخراً؟!

ونقول نفس الكلام عن الشاب الذى يجرى وراء اللذة الخاطئة، حتى يقع أخيراً فريسة لمرض الإيدز بلا شفاء... أو الشاب الذى تجرفه المخدرات إلى مستوى الإدمان، ويجد إرادته عاجزة أمام إدمانه... هل اذا فكر أخيراً بأنه ما كان يجب عليه سلوك هذا الطريق، ألا يكون تفكيراً قد جاء متأخراً؟!

****

تذكرنى غالبية هذه الأمور، بتلك القصة الخيالية التى تقول إن شخصاً كانت عنده دجاجة تبيض له كل يوم بيضة من ذهب، فرأى أن يذبحها ويأخذ الكنز الذى فى داخلها دفعة واحدة!! فلما فعل ذلك لم يجد شيئاً. فندم على ذلك ندماً شديداً. ولكن ندمه جاء متأخراً، بعد فوات الفرصة...

****

لذلك كله، على الانسان أن يتنبه لنفسه من أول الطريق. ويعرف أين هو؟ وإلى أين يقوده ما هو فيه؟ سواء كان ذلك طبعاً ثابتاً فيه، أو أسلوباً فى الحياة يتبعه...