الله الخالق

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

17 يونيو 2006

جريدة أخبار اليوم

 

ما أعجب عملية الخلق! إنها فى مستوى فوق العقل. نقترب اليه عن طريق الإيمان والوحى. فالخالق غير الصانع. الصانع يصنع أشياء من مادة موجودة. أما الخالق فيخلق من العدم، ينشئ شيئاً من لا شئ!!

والعجيب أن الله أوجد كل شئ من لا شئ

وليست الأمور المادية فقط، وإنما الأرواح أيضاً..

كما أننا نرى فى خلقه للكل آيات من القدرة والحكمة والفن والنظام والجمال. بل التواضع أيضاً. لأنه من تواضع الله، أنه لم يشأ أن يكون الوجود له وحده، فأوجد كائنات اخرى، منحها الوجود لتكون معه...

****

أما سبب خلقه لكل الكائنات، فهو جوده وكرمه ومحبته.

إنه لم يكن محتاجاً إلى هذا الكون. بل الكون هو المحتاج اليه.

كان الله مكتفياً بذاته، تمجده صفاته، وتمجده طبيعته الساميه التى لا تحد. ثم مرت على ذلك ما لا يُعد من السنين، بل لم تكن هناك مقاييس للسنين بعد. ثم فى وقت لا نعرفه بدأ الله عملية الخلق، فخلق السموات والأرض

ومع خلقه للطبيعة الجامدة، منح بعض مخلوقاته نعمة الحياة.

منح الحياة للنبات والحيوان والإنسان. ومن قبل ذلك للملائكة. ومن محبته منح للإنسان روحاً خالدة، وكذلك الملائكة. ومنح للحيوان نفساً تنتهى بموته. وهكذا جعل الحياة على درجات ومستويات تتنوع بين النبات والحيوان والانسان، والملائكة...

****

خلق الله كل مستويات الخليقة، حتى ما يبدو ضئيلاً منها...

خلق العاقل وغير العاقل. خلق الحى والجماد. خلق الفيل الضخم، كما خلق النملة الضئيلة، والدودة التى تسعى تحت حجر. خلق الأسود القوى الشجاع، كما خلق الأرنب الضعيف الخائف. خلق القرد كما خلق الغزال. خلق الجبل العالى، والوادى السحيق. خلق الحرّ والبرد، النور والظلام. الكل صنعة يديه

وكانت لله حكمة فى خلقه العالم بهذا التنوع...

تصوروا لو كان العالم كله طبيعة واحدة وشكلا واحداً، كيف كان يمكن أن تعيش؟!

****

ومن العجيب فى قدرة الله فى الخلق، العدد الهائل لمخلوقاته.

ملايين الملايين من المخلوقات، تتكرر كل جيل، وبعضها يتكرر كل سنة أو عدة سنوات. وبعضها لا يُحصى مثل رمل البحر، ومثل نجوم السماء، وما فى السماء من كواكب ومن مجرات وشهب...

ونحن نعرف الظاهر فقط من مخلوقات الله، ولا نعرف الخفى منها

أو نبذل الجهد لكى نعرف ما خفى منها. فنحن مثلاً لا نعرف كل ما فى باطن الأرض من أسرار. ولكن نبذل الجهد بحفريات كثيرة، لنعرف منابع الماء التى تحت الأرض، ومصادر البترول التى فى جوف الأرض، وما تلفظه البراكين من باطن الأرض. كذلك بالتنقيب يمكن أن نتعرف على ما فى جوف الجبال من ذهب وأحجار كريمة ومعادن وغير ذلك... أضف الى ذلك ما فى أعماق البحار، وما يمكن أن تكشفه دراسات علوم الفضاء. فما الذى نعرفه عن هذا الكون الواسع العجيب...؟!

****

والعجيب أيضاً أن الله قد خلق العالم فى نظام عجيب... 

يكفى أن ننظر مثلاً الى الفلك، والروابط التى تربط الأجرام السمائية بقوانين تحفظها قائمة فى مكانها، وتدور حول بعضها البعض فى نظام ثابت، يدل على أن الذى نظّم هذه القوانين الفلكية هو – كما يسميه الفلاسفة – مهندس عظيم

إلى جوار هذا ما وضعه من نظام للأجواء من جهة الحر والبرد، والرياح والأمطار، والرطوبة والجفاف، والظلمة والنور...

****

وكالنظام والتناسق فى فلك السماء وأجواء الأرض، هكذا أيضاً فى جسم الإنسان، حتى يسمون الإنسان العالم الصغير Micro Kosmos

فالمتأمل فى تكوين أجهزة الإنسان وعلم وظائف الأعضاء، يرى عجباً يدل على قدرة الخالق سواء فى المخ ومراكزه وعمله وما يصدر عنه من أوامر لباقى أعضاء الجسد... أو القلب أو الكبد، وعمل كل منهما، وعمل الجهاز الدورى فى الجسم، وعمل الأعصاب، وفصائل الدم.. الخ

بل ان عجب خلق الله يظهر عميقاً فى بصمات أصابع الإنسان

هذه التى تدل على كل فرد، وتميزه عن غيره. وهنا نقف فى ذهول أمام مئات الملايين من بصمات الأصابع التى لا تتشابه أبداً. أىّ مهندس أو رسام – مهما كانت براعته – يستطيع أن يرسم أشكالاً متنوعه من بصمات الأصابع مثلما صنع الله الخالق؟!

هل نضم الى هذه بصمات الصوت أيضاً؟  بحيث يكلمك إنسان تليفونياً من آلاف الأميال، فتميز صوته وتتعرف عليه!!

وهل نضيف إلى كل هذا، ما خلقه الله من ملامح عديدة مميزة لملايين وعشرات الملايين من البشر...

****

وماذا نقول عن خلق الله للملائكة وقوتهم وإمكانياتهم العجيبة...

بحيث يمكن أن ينزل الملاك من السماء إلى الأرض فى لمح البصر، ويفعل ما يعهد به الله اليه من عمل أياً كان بقدرة عجيبة

وماذا نقول أيضاً عن روح الإنسان، الروح العاقلة الناطقة، ومدى صلتها بالجسد، وكيف تفارقه بالموت، وكيف تعود اليه بالقيامة... أليس فى هذا كله عجب أى عجب..!

ثم لننزل إلى بعض المخلوقات البسيطة كالنحلة والنملة

هنا نرى عجب الخالق العظيم فى أن يمنح النحلة حكمة التدبير فى نظامها وحكمة الانتاج للشهد وغذاء الملكات، كل ذلك من رحيق الأزهار. ويمكنها بدقة عجيبة أن تحفظه فى خلايا دقيقة أيضاً...

هكذا النملة أيضاً فى نظام حياتها النشيط الذى لا يهدأ، وفى تعاون افرادها، ودقة اتصال بعضهم ببعض، وطريقة تخزين طعامهم

إن عجائب الله فى خليقته لا تحصى، لا تكفيها مقالة أو مقالات...