الكآبة

المؤقتة والمرضية

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

7 أكتوبر 2006

جريدة أخبار اليوم

الكآبة المؤقتة

هى إما كآبة روحية أو كآبة طبيعية أو كآبة خاطئة. وكلها لها وقت محدد، قد يطول أحياناً وقد يقصر، ثم تزول وتنتهى. وهى غير الكآبة المرضية التى يتدخل فيها الطب، ويصف لها أدوية وعقاقير. وسنتكلم  الآن عن الكآبة المؤقتة التى منها:

كآبة روحية:

وهى مثل كآبة الشخص بسبب خطاياه، مع ندمه وربما يصحبها بصوم. ويصلى طالباً المغفرة. وتنتهى بالتوبة، وتزول حالما يتأكد من مغفرة خطاياه... ومن هذا النوع أيضاً كآبة الراعى بسبب خطايا رعيته، وكآبة أب على خطية ابنته، وطلبه الى الرب أن يغفر لها ويُصلح لها أمورها

أما الكآبة الطبيعية: فهى مثل كآبة شخص على وفاة أحد أفراد أسرته أو على وفاة انسان عزيز عليه. وهى قد تستمر وقتاً حسب قرب هذا المتوفى إلى قلبه

أما الكآبة الخاطئة:

فلها أسباب عديدة. وهى أيضاً مؤقتة...

***

من ضمن أسباب الكآبة الخاطئة:

1- كآبة انسان فى قلبه شهوة خاطئة لم يستطع أن يحققها.

ولا شك أن ذلك كان فى صالحه. ولكنه مع ذلك كان يريد تحقيق ما فى قلبه من شهوة مهما كانت خاطئة...

2- هناك كآبة اخرى سببها الحسد والغيرة

ومثالها كآبة أى انسان يشعر أن غيره قد حصل على شئ بينما هو أحق منه به. حتى لو كان هو ليس مستحقاً لشئ، ولكن الغيرة تنهش قلبه وتتعبه

3- وهناك كآبة سببها الفشل:

بينما الفشل لا يصلح علاجه بالكآبة، وإنما بمعرفة أسبابه، ومعالجة تلك الأسباب بطريقة ايجابية. أما مجرد الكآبة، فإنها تضيف الى الفشل مشكلة اخرى – وهى الكآبة- تحتاج الى حلّ

وتزداد الخطورة فى مثل هذه الكآبة إن كان سببها الفشل فى ارتكاب خطية!

***

4- وقد توجد كآبة سببها اليأس

مثل ابن مسافر كان يريد أخذ بركة أبية المريض. ولكنه عاد من السفر، فوجد أباه قد مات قبل وصوله. فاكتأب فى يأس...

5- وهناك كآبة سببها الضيقات

كأن ينحصر بالضيقات، ويبقى فيها حزيناً بلا رجاء. والكآبة التى بلا رجاء هى كآبة خاطئة بلا شك، حتى لو كانت بسبب طبيعى كالبكاء على ميت، أو بسبب روحى كالكآبة بسبب خطية. وكذلك الكآبة بلا رجاء بسبب المشاكل والضيقات.

ونصيحتى لك: لا تجمّع مشاكلك وتكوّمها أمامك، وتقف حزيناً، بلا حل، بلا رجاء، بلا اتكال على الله! فهذا كله غير نافع لك، ولا يُوجد لك حلاً. بل إن تجمعّت حولك المشاكل، فرّقها، وضَع الله بينها وبينك، حينئذ يظهر الله بمعونته، وتختفى المشاكل التى هى سبب كآبتك. وثق أن الله عنده حلول كثيرة، وعنده مفاتيح لكل باب مغلق...

***

6- هناك كآبة اخرى سببها الحساسية الزائدة!

إذ قد يوجد شخص حساس جداً نحو كرامته، أو حساس جداً نحو حقوقه. يتضايق جداً لأى سبب، أو لأقل سبب أو بلا سبب! يريد معاملة خاصة، فى منتهى الرقة، فى منتهى الدقة، فى منتهى الحرص! فإن لم يجدها، ونادراً طبعاً ما يجدها، فحينئذ يكتئب!

علاجه أن يترك حساسيته الزائدة هذه ولكن كيف يتركها؟! هذه مشكلة...

***

7- وقد يأتى الإكتئاب أيضاً للذين لا يعيشون فى الواقع، بل يرفضونه! ولا يقبلون غيره سوى بديل خيالى لا يتحقق!!

فهم ثائرون على وضعهم. ولكنهم لا يحاولون تغييره بطريقة عملية توصلهم الى ما يريدون! إنما يكتفون بالثورة، ويبقون حيث هم، فى كآبة وفى سخط على كل شئ! وإن أتتهم لحظات سعادة، تكون ببعض أحلام اليقظة التى يعيشون فيها فى خيال يتمنونه. ثم يستيقظون من خيالاتهم وأحلامهم، ليجدوا واقعهم كما هو، فيزدادوا سخطا عليه، وتزداد كآبتهم.

ونصيحتى لهؤلاء أن يكونوا واقعين. فإما أن يعيشوا فى قناعة تسعدهم، راضين بما عندهم، بل شاكرين أيضاً. وإما أن يعملوا على تغيير الواقع بطريقة عملية. ولا يكتفون بالكآبة...

***

8- قد يأتى الإكتئاب بسبب ضيق الصدر وعدم الإحتمال

فالانسان الواسع الصدر والقلب يمكنه أن يمرر أشياء كثيرة، تذوب فى قلبه الواسع ولا يضيق بها. أما الذين لا يحتملون، فإنهم يصلون الى الكآبة..

وسعة الفكر يمكنها أن تعالج الكآبة. وبدلاً من الكآبة يفكر فى حلّ. والانسان الذكى اذا أحاطت به مشكلة أو ضيقة، بدلاً من الإكتئاب وإرهاق أعصابه بالمشكلة ومتاعبها، يشغل ذهنه بمحاولة إيجاد حلّ للخروج من المشكلة. فإن وجد الحل يبتهج، وتزول حدة المشكلة. وإن لم يجد الحل، يصبر. والذين لا يستطيع أن يصبر، لا شك أنه ضيق الصدر. وهذا تزداد كآبته، ويكون سببها قلة الحيلة...

***

9- وقد تحدث الكآبة بسبب حرب خارجية من عدو الخير، دون ما سبب ظاهر...

يغرس فى النفس أسباباً للضيق ولو يخترعها اختراعاً، أو يكبّر ويضخم فى أسباب تافهة لا تدعو الى الكآبة، أو يحاول أن يلهو بالانسان كلما يسعد بوضع فيغريه بأوضاع أخرى كأنها أفضل مما هو فيه. فإن وصل اليها، يغريه بغيرها، أو بالرجوع الى وضعه الأول!!

ويوجده فى جو من التردد وعدم الثبات يكون سبباً فى الكآبة...

مثال ذلك ناسك يعيش فى حياة الوحدة (التفرد). فيغريه بالخدمة والاشتراك فى حل مشاكل الناس وبناء الملكوت. وإن نزل ليخدم يغريه بالعودة جمال الحياة متوحداً، فى التأمل والسكون والصلاة الدائمة، ومتعة الوجود فى حضرة الله. وهكذا يجعله متردداً لا يثبت على حالِ، فيكتئب!

***

10- الشك أيضاً سبب من أسباب الكآبة

واذا استمر فإنه يحطم النفس، ويجعلها فى حالة قلق. سواء كان شكاً فى إخلاص صديق، أو فى أمانة زوجة وعفتها، أو كان شكاً فى الإيمان أو فى حفظ الله ومعونته. أو قد يكون الشك فى تدابير يدبرها البعض ضد سلامة الانسان وهو لا يدرى!

إن أفكار الشك تخرج من العقل، لكى تُوجد عذاباً للنفس. مثل حالة زوج يشك فى عفة زوجته، فيغلق عليها الأبواب والنوافذ، ويتجسس عليها. ويسمح لنفسه أن يفتش خطاباتها وأدراجها، ويحقق معها فى كل ما يظنه سبباً للشك. ويجعل حياتها عذاباً، وقد تكون بريئة كل البراءة...

حياتها تصبح فى جحيم، وحياته أيضاً تصبج فى جحيم. وكله بسبب الشك..

***

بقى أن احدثك عن الكآبة المرضية وأسبابها وعلاجها، وعن علاج الكآبة بصفة عامة... فإلى اللقاء فى العدد المقبل، إن شاء الرب وعشنا