العيد والفقراء

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

30 ديسمبر 2006

جريدة أخبار اليوم

 

أحب أولاً أن أهنئ أخوتى المسلمين بعيد الأضحى المبارك, الذى يتذكرون فيه كيف كان أبونا ابراهيم - أبو الآباء والأنبياء- مستعداً أن يقدم إبنه ضحية للرب طاعةً لأمره, إذ كانت محبته لله أقوى عنده من محبته لإبنه فلذة كبده. ومعطياً لكل الأجيال أمثولة عجيبة وقدوة لا مثيل لها فى التضحية وفى طاعة الله. إنه درس عميق لنا ليتنا نتمثل به فى العطاء والتضحية والبذل...

***

وإن كنا لسنا فى مجال الظروف التى نتمثل فيها بأبينا ابراهيم, فعلى الأقل علينا أن نفعل ما نستطيعه فى مجال التضحية ونبذل أفضل ما لدينا فى ذكرى ما فعله أبونا ابراهيم...

وكمثال لذلك نضحى بجزء من متعتنا ومن مالنا, لأجل أخوتنا الفقراء, الذين من حقهم أن يفرحوا هم أيضاً بالعيد كما يفرح به باقى الناس..ولو بنسبة أقل...

نشركهم فى بهجة العيد وفى متعته, وفى طعامه أيضاً, فيشعرون عملياً أنهم فى يوم عيد. ولا نتركهم يقارنون بين بؤسهم وثراء غيرهم, حتى لا يطغى عليهم إحساس بالإحباط وبالحزن فى مناسبة سعيدة!

وإشفاقنا عليهم فى يوم العيد, سيجعلنا نتابع هذا الأشفاق باستمرار, وبطريقة عملية تخفف من ضيقاتهم...

***

وحينما أذكر الفقراء, إنما اذكر معهم المحتاجين والمعوزين. وأكثر من الكل: المعَدمين.. وكل هذه الأسماء الأربعة تحتاج إلى رعاية وعناية, وإلى قلب عطوف ويدٍ سخية.

فالفقراء هم الذين يعيشون فى مستوى مالى واجتماعى أقل من العادى, ومع ذلك هم يكفون أنفسهم بالقليل الذى عندهم, فى فاقة ولكن فى اكتفاء, ويدبرون أنفسهم فى ضيق وفى ضغط على مصروفاتهم...

أما المحتاجون فهم فقراء ولا يجدون الكفاية مطلقاً, وهم فى عوز إلى ضروريات الحياة. إما بصفة عامة فى كل أيامهم, أو فى ظروف خاصة.

فمهما اكتفى الواحد منهم بايراده الضعيف, فإنه يصبح محتاجاً فى حالة زواج ابنته, أو فى حالة مرضه أو مرض أحد من أسرته, أو فى دفع المصروفات الدراسية لواحد من أبنائه... وما أشبه من الحالات التى يصبح فيها محتاجاً أياً كان راتبه الشهرى. وهنا يضطر إلى الاستدانة. ولا يستطيع أن يسدد ما عليه. ويأتى الوقت الذى يرفض فيه أى انسان أن يقرضه. وقد يضطر إلى كتابة شيكات عليه بدون أى رصيد, أو يكتب ايصالات أمانة. وما ينتظره فى ذلك من مشكلات...

***

ما حال مثل هؤلاء فى يوم العيد. وحاجيات العيد تزيدهم فقراً على فقر, وعوز على عوز! فإما لا يحتفلون بالعيد, أو يستدينون فى خزى. وإما أن يشفق عليهم الأغنياء بطريقة ما...!

أما المعدمون فهم الذين لا ايراد لهم على الإطلاق. وقد يدخل فى نطاق هؤلاء: من شردتهم البطالة بلا عمل, وصاروا عالة على غيرهم وثقلاً على اسراتهم الفقيرة...

فماذا يفعل هؤلاء أيضاً فى أيام العيد؟! أتصير أيام بؤس لهم أكثر من غيرها؟! هل ينتهى بهم الأمر إلى موائد الرحمن؟! ثم أليسوا هم فى حاجة إلى هذه الموائد كل أيام حياتهم ؟!

***

هناك نوعان آخران من عائلات المحتاجين: إحداهما الأُسر المستورة, التى تحيا فى فقر, ولكنها تخجل من أن تعلن عن فقرها, ولا تحب أن يعرف شيئاً عن عوزها... مفضلة أن تحتمل العوز فى صمت... هذه يمرّ عليها العيد دون أن تعلن حاجتها فيه, والله يعلم كيف تقضيه!

* والنوع الثانى من الاسرات المحتاجة, هى الأسر التى لا تستطيع الإنفاق على أبنائها الصغار, فتطلقهم مشردين فى الطرقات, وهم الذين تُطلق عليهم عبارة (أولاد الشوارع). وقد إهتمت الصحافة بالنشر عنهم فى هذه الأيام, وقالت أن عددهم قد يصل أحيانا إلى مليونين!

ما مصير هؤلاء أيضاً فى يوم العيد, كما فى باقى الأيام؟ هل يضطرون إلى التسول, أم إلى الجريمة؟ أم تستخدمهم بعض العصابات؟!

***

هناك طائفة أخرى من الفقراء هى ( أبناء وبنات الملاجئ). وهؤلاء هم أسعد حالاً عن غيرهم, إذ توجد جمعيات خيرية تهتم بهم, كما تشرف على رعايتهم وزارة الخدمة الاجتماعية أيضاً...

ولكنهم فى يوم العيد يحتاجون إلى عناية من نوع آخر. فهم يحتاجون إلى الحنان والحب, وإلى الجو العائلى, وشعورهم باحترامهم لأنفسهم واحترام الآخرين لهم. ويحتاجون إلى أن تتنوع ملابسهم. فلا يكون لهم جميعاً زى واحد يميزهم, حتى يقول البعض عنهم "هؤلاء هم أولاد الملجأ"! مما يؤثر على نفسيتهم وبخاصة الكبار منهم..

ويحتاجون أيضاً إلى هدايا فى يوم العيد, حتى يتميز عندهم على باقى الأيام...

***

طائفة من نوع آخر تحتاج إلى عناية فى الأعياد, وهى طائفة المعوقين وأصحاب العاهات, وبخاصة من هم من المعوقين عقلياً...

وتوجد حالياً هيئات خيّرة تهتم بأمثال هؤلاء واولئك. هذا من جهة حياتهم بصفة عامة. غير أنهم فى الأعياد يحتاجون فى إلى عناية ذات خاص, ممن تشاء أريحيتهم أن يتفرغوا لهؤلاء فى يوم العيد, ولا ينسوهم باهتمامات عائلية...

يعوزهم فى يوم العيد انهم موضع إهتمام الغير, وأن ما يقاسونه من إعاقة, لم تتسبب فى اعاقة المشرفين عليهم والمحبين لهم عن العناية بهم أيضاً. هم فى حاجة إلى إشباع نفسى...

***

إن يوم العيد ينبغى أن يكون يوم فرح للجميع, لا يُغفل فيه عن أحد, فيستوى فى الفرح: الفقير والمحتاج والمعوز والمُعدم.وأيضاً ابناء الملاجئ, واطفال الشوارع, وكل المعاقين.

كذلك الاهتمام بالذين فى السجون فى زيارتهم وتتقديم لهم بعض ما يحتاجون اليه. وبالأكثر الاهتمام أيضاً باسراتهم.

ربما كان السجين- قبل سجنه- هو العائل الوحيد لأسرته. فلما دخل السجن أصبحت الأسرة بلا عائل, ويلزم لها من يتكفل بإعالتها وبرعايتها وحمايتها فى الظروف القاسية التى صارت تعيشها بعد سجن عائلها...

***

ففى يوم العيد لا يليق أن كل إنسان يهتم بذاته فقط, كيف يتمتع بهذا اليوم, دون الالتفات إلى غيره ممن يحتاجون.

فإن كان لا يستطيع أن يعتنى باولئك مباشرة, فليهتم بهم بطريق غير مباشر بتوسط غيره فى القيام بهذه المهمة...

وليجعله الله عيداً سعيداً على الكل. فإن الله ذاته يهتم بالجميع, ويأمرنا أن نقوم بهذا الواجب.

وكل عام وجميعكم بخير, ومصر جميعها بخير.