المال الحرام والسرقة

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

21 يوليو 2007

جريدة أخبار اليوم

 

          المال الحرام هو كل مال تحصل عليه، وهو ليس من حقك: كأن يكون ثمناً للخطية، أو قد وصل اليك بطريقة غير شرعية. والسرقة هى أحد بنود المال الحرام، ولكن معناه أوسع من السرقة. بكثير، ويشمل عناصر متعددة سنذكرها فيما بعد...

* والسرقة هى خسة فى نفس السارق وعدم أمانة... إنها تحطم شخصيته فى نظر الناس، وتدعوهم الى الاحتراس منه والى احتقاره وعدم الخلطة به... بل قد تجعل السارق ذاته حقيراً فى عينى نفسه.

** والسرقة قد تكون فى الخفاء أو فى العلن بإرادة المسروق أو بغير إرادته. ومن أمثلة حدوثها فى الخفاء بدون علم المسروق ما يفعله المختلسون أو كسرقة مال شخصى فى غيبته أو أثناء نومه. أما فى العلن فمن أمثلتها ما تتم عن طريق الاحتيال أو الخداع أو التزوير. وفى هذه الحالة تكون برضى المسروق ولكن بغير علمه بحيلة السارق. وقد تحدث السرقة أيضاً علناً أمام بصر المسروق وتحت سمعه، ولكن بغير رضاه، كالاستيلاء على ماله بالقوة، بالقهر أو بالاغتصاب أو بالتهديد. وهذا ما يسمونه (السرقة بالإكراه) مثلما يفعل الخاطفون وقاطعو الطريق وقراصنة البحار. وهؤلاء تمتزج سرقتهم بالإيذاء.

** والسرقة قد تكون أحياناً نوعاً من المرض النفسى، يحتاج الى علاج لا الى عقاب. وفى حالة هذا المرض، يلاحظ أن السارق قد يأخذ أشياء لا يحتاج اليها مطلقاً، أو لا يعرف كيف ينتفع بها. إنما يجد لذة فى الاحتفاظ بها وفى أخذها من غيره. وربما يكون مدفوعاً الى هذه السرقة المرضية بعوامل داخلية فوق إرادته، وهو يفعل هذا ولا يستطيع أن يقاوم نفسه..

** عموماً فالمال الحرام الذى يحصل عليه السارق كفيل بأن يضيّع المال الحلال الذى كان موجوداً معه من قبل. وعلى رأى المثل "المال الحرام يأخذ الحلال معه ويضيّعه". فالسرقة هى نار للسارق نفسه، تتلف ما معه. مثل انسان تناول طعاماً تالفاً أو غير مقبول الطعم أو عفناً. فما أن ينزل هذا الطعام الى جوفه، حتى يتقيأ كل ما فى داخله من جيد وردئ...

          فما أجمل أن يعيش الناس معاً فى جو من الأمانة من الثقة المتبادلة والإطمئنان، حيث يترك الانسان أى شئ له فى أى مكان، فيجده حيث هو. ويترك بيته مفتوحاً، فلا يأخذ أحد منه شيئاً... وإن نسى خطاباته أو أسراره فى موضع، يكون مطمئناً أنه لن يسمح أحد لنفسه أن يطّلع على شئ منها...!

** إن السرقة خطيئة تخجل من ذاتها، لذلك فإن تُقترف فى الظلام، وصاحبها يشمئز منها ويتبرأ ويحاول أن ينفيها عن نفسه. ولهذا نقول "إن سار شيطان السرقة فى طريق، يقول له شيطان الكذب: خذنى معك". فمن الصعب أن تجد سارقاً لا يكذب. فهو يكذب لكى يغطى سرقته وينكرها. وهو يكذب قبل السرقة واثناءها. يكذب قبلها لكى يتمكن من إتمامها، كما يفعل الخادعون، ويكذب أثناءها لكى تستمر أو لكى يخدع من يراقبه ومن يشك فيه. ويكذب بعدها لينجو من الخجل أو من العقوبة...

***

** وتزداد خطية السرقة ثقلاً بعاملين: أحدهما مقدار الضرر الذى يحيق بالمسروق، وثانيهما شخصية المسروق ذاتها. فهناك من يسرق من الأفراد، ومن يسرق من الهيئات أو البنوك، ومن يسرق مال الدولة، ومن يسرق من بيت الله أو من حقوق الله المالية عليه.

          والسرقة من الفقير والمحتاج لها بشاعتها، كمن ينهب مال اليتيم أو الأرملة، أو ما قاله شاعر عن بعض من جمعوا المال حراماً، أنهم:

          خطفوه من فم الجوعان بل                من رضيع لم يوفّوه فطاما

** وهنا لا تقاس ثقل السرقة بمقدار قيمة الشئ المسروق، وإنما بمقدار أهميته للشخص الذى سرق منه... وقد لا تكون للشئ المسروق قيمة فى ذاته، لكنه يمثل لصاحبه ذكرى عزيزة أو أهمية خاصة، بحيث أن فقده يحدث فى قلبه ألماً عميقاً لأن من الصعب تعويضه!.

* والسرقة من انسان محتاج تدل على انعدام الشفقة فى قلب السارق. مثال ذلك من يأخذ ربا أو رهناً من شخص لا يجد قوته الضرورى. فكأنه يسلبه طعامه وطعام أولاده. وهذا الفقير لولا عوزه، ما كان يلجأ الى القرض أو الرهن. فهل يليق بدلاً من مساعدته، أن يقرضه الدائن بالربا؟! وهذا المال الزائد الذى يأخذه المرابى من الفقير غير الربا الذى تدفعه البنوك والمصارف التى تتاجر بمال المودعين عن طريق مشروعات اقتصادية تربح منها، ثم تشركهم فى ربحها باعتبارهم شركاء فى رأس المال.

* على أن العكس قد يحدث بأن يسرق بعض المودعين من البنوك، بأن يأخذ قرضاً بالملايين ثم يهرب. وهناك أيضاً نوع آخر يسمى (بالقروض المعدومة)، له اسم القرض مع العجز التام عن الوفاء به، وهو كذلك سلب لمال الغير. وأصعب منه (إعلان الإفلاس) حيث يضيّع حقوق كثيرين، سواء كان إفلاساً حقيقياً أو حيلة مدبرّة...

** أما السرقة من مال الدولة فتأتى بوسائل متعددة منها ما يقوم به البعض من حيل للإفلات من الضرائب أو من الجمارك، أو المطالبة بالإعفاء من رسوم معينة بدون وجه حق، أو استخدام عربات الدولة فى تنقلات خاصة لا علاقة لها بالعمل، أو استخدام النفوذ فى شراء أراضِ أو املاك للدولة بأبخس الأثمان، أو الحصول على رشوة للمساعدة فى سلب بعض حقوق الدولة المالية. وتكون الرشوة هى من بنود المال الحرام...

** هناك انواع اخرى من السرقات ثم سرقة الأفكار والسرقات الأدبية، والتسخير، والسرقة فى مجالات التجارة، وفى الفن، وفى القمار، مما سوف نعرض له فى المقال المقبل، إن احبت نعمة الرب وعشنا.