المعرفة

معرفة الله­ معرفة الناس­ معرفة النفس

بقلم قداسة البابا شنوده الثالث

22/10/2005

جريدة أخبار اليوم

 

 

كل ما يعرفه الناس انهم يعرفون بعض الاشياء عن بعض الاشياء، اما المتخصص منهم فيركز في معرفته علي امر معين، يعرف عنه بطريقة اعمق.. وما اكثر الاشياء التي لا يعرف عنها البشر شيئا.. وبعضها مجال لبحوثهم والبعض فوق مستوي البحث!

اما الله تبارك اسمه، فانه يعرف كل شيء عن كل شيء.. ويعرف كل شيء عن كل احد، في السماء وعلي الارض، سواء من الارواح البشرية، او الملائكة او اسرار الكون، ما يري منه وما لا يري.. وهي معرفة كاملة شاملة. ولذلك فان الله هو الوحيد الذي يمكن ان يوصف بانه 'كلي المعرفة'.

***

الله ايضا يعرف كل الخفيات والظاهرات

فهو الوحيد الذي يعرف الغيب. وان ذكر بعض البشر معرفة شيء من المستقبل، فان ذلك يكون عن طريق الاستنتاج او المعرفة العامة، مثل ما يقوله خبراء الارصاد عن حالة الجو فيما سيحدث من حرارة او رياح او مطر، حسبما يتوقعون وقد لا تكون معلوماتهم دقيقة.. او قد يقول احد الاساتذة حسب خبرته ان طالبا من تلاميذه سوف يرسب وان طالبا اخر سوف ينجح بتفوق. ويحدث هذا فعلا بناء علي درايته السابقة بمستوي تلاميذه من حيث العقلية والدراسة والذاكرة.

وقد يقول طبيب عن احد مرضاه انه لابد سيموت بعد ايام، وذلك بناء علي وضوح تطور المرض وعدم الاستجابة لاي علاج. ويحدث هذا فعلا ولا نسميه لونا من معرفة المستقبل انما هو استنتاج. اما معرفة المستقبل عند الله، فهي فوق مستوي الاستنتاج او ما توحي به طبيعة الاشياء، انما هو النبوءة التي فوق الادراك البشري.

 

ومن امثلة معرفة الله بالخفيات معرفته بما في الافكار والقلوب.. فالله هو الوحيد فاحص القلوب وقاريء الافكار والعارف بما في داخل الانسان من نيات ومشاعر.. ولذلك فهو يحاسب كل شخص علي نواياه، الامر الذي هو فوق معرفة البشر.. كما انه احيانا ينقذ البعض من مؤامرة سرية تدبر ضدهم ولا يعرف بها احد..

ان كلمة 'اسرار' تقال عن معرفة بعض البشر. اما عند الله فلا يوجد سر بالنسبة اليه.. انما كل شيء واضح امامه ومعروف.

***

والله يعرف كل امر بدون وسائط او وسائل او اجهزة

ما اكثر الاجهزة والوسائل التي يستخدمها البشر للوصول الي معرفة معلومة معينة.. كما نري في الطب اجهزة الاشعة والتحاليل والمناظير، واجهزة لمعرفة الحرارة والضغط او التأكد من وجود مرض معين. اما الله فيعرف كل شيء معرفة مباشرة بدون وسائل.. البشر­ في قمة ما وصلوا اليه من علم­ اخترعوا سفن الفضاء، واستخدموها لمعرفة بعض اخبار الكواكب او الحصول علي بعض صور او حجارة يستنتجون منها شيئا..! اما الله فيعرف كل تلك الاجرام السمائية، لانه هو خالقها، ويعرف كل المعلومات عن باقي الكواكب التي لم يستطع البشر الوصول اليها.. وكذلك ما في فلك السماء من شمس وكواكب ونجوم تحيط بها ولا يحيط بها علم البشر ابدا..!

***

البشر ينقبون في الجبال بحثا عن الذهب والاحجار الكريمة. وقد ينجحون احيانا او يفشلون.. كما انهم يحفرون اميالا عديدة تحت الارض لعلهم يجدون شيئا من البترول مثلا.

اما الله فيعرف كل ذلك دون تنقيب او حفر، لانه هو الذي وضع الذهب في تلك الجبال، ووضع البترول تحت الارض..

وبالمثل قد يبذل العلماء جهودهم ووقتهم الي ان يكتشفوا خواص طبية في بعض الحشائش او النباتات او في مواد معينة. بينما الله­ جلت قدرته­ يعرف كل هذا دون بحث علمي لانه هو الذي وضع في تلك النباتات او المواد ما تتصف به من خواص طبية.

***

تتميز معرفة الله ايضا بانها معرفة يقينية وفوق التطور

الانسان ينمو في معرفته واحيانا يتطور او يتغير حتي يصل الي معرفة يعتبرها ثابتة وقد كانت له قصة متناقضة في موضوع الذرٌة وانقسامها الي ان استقر علي معرفته الحالية وكذلك مرٌ بمأساة بشرية حتي وصل الي كروية الارض وقد كان من قبل يحكم بالموت علي من يقول بذلك!

ومازال البشر من جهة اصل الانسان ونظرية التطور في اختلاف بين ما يقوله الدين وما يقوله بعض العلماء وبخاصة عن الحلقة المفقودة بين الانسان والقرد!

وامور كثيرة نري فيها معرفة الانسان­ وبخاصة العلماء­ لم تصل الي مستوي اليقين بعد، انما هي مجرد محاولات للوصول.. اما معرفة الله فهي معرفة يقينية في كل شيء لا تقبل الشك.

***

معرفة الانسان تأتي احيانا عن طريق التدرج

فخطوة منها تقود الي خطوة اخري. وبحث لعالم معين يكمل مجهودا لعالم اخر حتي يصل الجميع الي نتيجة ثابتة.

عنصر التدرج ايضا يكون في علاج كل مريض مع متابعة كل خطوات علاجه واستجابته له. ونفس التدرج نجده في حلٌ اي تمرين هندسي وفي شرح اي علم حتي يستوعبه الذهن البشري نقطة اثر نقطة.. كذلك كل انسان في تلقيه للعلم يتدرج من مستوي الي مستوي اعلي. وفي معرفته ينمو فيها شيئا فشيئا.

اما الله­ سما وتعالي­ فلا تدرج مطلقا في معرفته، بل انه يعرف كل شيء دفعة واحدة وليس خطوة فخطوة. نهاية كل شيء واضحة امامه مع بداية هذا الشيء.

***

والله­ كما يعرف­ يمنح ايضا المعرفة للانسان في الامور التي لا يستطيع ان يصل اليها بذاته.

ولذلك كما انه كليٌ المعرفة هو ايضا مانح المعرفة. وان كنا نحن نعرف امورا عديدة بعقولنا فهو الذي منحنا هذه العقول بكل مداركها وقدراتها وكثيرا ما يكشف لنا امورا فوق قدراتنا الطبيعية ان نعرفها.. ولعله من امثله ذلك ما منحه ليوسف الصديق من جهة موهبة تفسير الاحلام وما تشير اليه احيانا عن مستقبل الامور.

وايضا ما منحه للانبياء من وحي الهي.. وما منحه للبعض من جهة كشف المستور ومعرفة بعض الامور.

علي انه يعطينا من المعرفة ما يلزمنا وما ينفعنا. ونحن نشكر الله في كل حين، لانه اعطانا علم معرفته واوصلنا الي الايمان به.

***

وهناك أمور يعرفها الله، ولم يكشفها لنا بعد:

فامور خاصة بسرٌ الحياة والموت وما يتعلق بروح الانسان: ماكنهها؟ وكيف تفارق الانسان؟ وكيف تعود اليه؟ وكيف تكون قيامة الاجساد من الموت؟ ومتي يكون ذلك؟ وكيف تتغذي الروح في العالم الاخر؟ وما كنه ذلك العالم واين يكون؟

***

في كل ذلك نطلب المعرفة من الله نفسه وليس الي غيره

فهو وحده الذي يعرف الحق كله بل هو الحق جل جلاله.. نقول ذلك ونحذر الذين يطلبون المعرفة من غير الله عن طريق المنجمين او الدجالين او الذين يدعون معرفة البخت والحظ وقراءة الكف وقراءة الفنجان او ضرب الرمل وامثال كل ذلك من ادعاء معرفة الغيبيات التي هي من شأن الله وحده.

كذلك نحذر من اللجوء الي السحرة، او من يدعون السحر!! او اللجوء الي الشيطان كمصدر من مصادر المعرفة عند المخدوعين! فالشيطان معرفته دنسة ومضللة يريد بها خداع الناس ممن يقبلون خداعه.. 'وللبحث بقية'.